23 ديسمبر، 2024 5:10 م

الإنصاف … من العدالة الانتقالية

الإنصاف … من العدالة الانتقالية

من المفارقات العجيبة التي تظهر في المناقشات الجارية لمطالب المعتصمين في العراق في لجنة وزارية يترأسها حسين الشهرستاني عالم الفيزياء النووية وليس القاضي المتمرس، ان ثمة حقوقا دستورية وقانونية في هذه المطالب لكن الروتين في تطبيق جملة من القوانين من بينها قانون الإرهاب وقانون المساءلة والعدالة فضلاً عن أنماط مفزعة من الفساد الإداري والمالي في التعامل مع هذه الحالات، جعلت أكثر من 10 آلاف شخص مشمولاً بالاجتثاث من دون تقاعد، تعمل اللجنة الوزارية الخاصة على منحهم هذا الحق، وهناك حوالي 4 آلاف منزل للسكن تم إعادتها بموجب القانون لأصحابها المشمولين أيضاً بهذا القانون، وان اللجنة شكلت 20 هيئة تحقيق لحل مشاكل «ما اختلف عليه» في لغة الأرقام لكن معدله المتوسط هو 12 ألف شخص موقوفاً على ذمة التحقيق من دون تقديمهم للمحاكمة، فيما ينص القانون على إطلاق سراح الموقوف بعد 24 ساعة اذا لم يتم التثبت من الجريمة، لكن قانون الإرهاب منح قضاة التحقيق الفرضية القانونية لتجاوز هذا الحق الدستوري بالاستثناء لحسب المتهم على ذمة التحقيق مدة طويلة، وهناك أكثر من هذا الرقم ممن تم إطلاق سراحهم ولكن يجري التحقيق اذا كانوا متهمين بجرائم اخرى، فجاءت اللجنة بحل قانوني آخر بإطلاق سراح الموقوف وقفاً لذمة القضية التي احتجز على اساس مادتها القانونية مباشرة من الموقف من دون أن يدور ملفه القضائي على دوائر اخرى للنظر فيما اذا لو كان مشمولاً بجريمة اخرى، يضاف الى ذلك التوقيف على شبه الاسم الثلاثي، او الوجود في مسرح الجريمة، وكل واحدة من هاتين الحالتين فيهما الكثير مما يمكن قوله عن الفساد الإداري والمالي.
أما أن يجري الحديث عن حقوق الإنسان، وما يحصل وتأكيدات بعض الخبراء القانونين بحق الموقف «الشكوى ضد الحكومة» اذا ظهرت براءته، فإن النصوص القانونية لإطلاق سراحهم تأتي تحت نوع من الالتفاف على روح الدستور والقانون، من اجل إلغاء هذا الحق الدستوري، بمحاسبة من يعتقل الأبرياء.
كل ما تقدم من حالات تمت معالجتها من قبل هذه اللجنة الوزارية، وهي اجراءات تتعلق بمفهوم العدالة الانتقالية لمحاسبة مجرمي النظام الصدامي، تؤكد ان الكثير من هذه الإجراءات كانت في الرفوف العالية للخلافات الحزبية بين هذا وذاك من الفرقاء العراقيين في حكومة يطلق عليها جزافاً وصف «حكومة الشراكة الوطنية» عجزت عن تحقيق الحد الأدنى من الخدمات للإنسان العراقي، ذلك الصوت الهادر في صناديق الاقتراع، فإذا هي اليوم تعجز عن تلبية مطالب المتظاهرين إلا من خلال لجنة خاصة للعدالة تواجه اجراءات العدالة الانتقالية مثل الاجتثاث وشبهة الإرهاب فما هو الحل؟؟
الكثير من التصريحات تتجه نحو الحل السياسي باعتبار ذلك نوعاً من الحلول السحرية العاجلة، لكن الحل الحقيقي المطلوب أن تتحول الثقافة الوظيفية من نمط التحزب وفقاً لأسلوب المحاصصة، وكما سبق وإن قالها مقتدى الصدر «لا السنّة إرهابيين والأكراد سراق» وهي ثقافة تتطلب أن تبدأ من أسلوب الطرح من على المنابر في كل الجوامع أولاً، ومن ثم في الخطاب السياسي داخل الأحزاب بمختلف تنوعاتها واختلافاتها البنيوية أيضاً، عندها يمكن ان ننتج دولة يكون فيها الشرطي عراقياً للجميع وليس موالياً لهذا الحزب او ذاك وتلك مسؤولية الأحزاب المتصدية للشأن العام في الارتقاء بمستوى أجنداتها ومنهجها الى مستوى الثقافة الوطنية للعراقيين بكون العراق واحدا بمختلف طوائفه وقومياته، في حين مازالت هذه الأحزاب تتعامل معه كمكونات تتطلب فرزها طائفياً وقومياً من اجل تقسيم العراق خدمة لمن سبق لهم احتضانها وتربيتهم على ثقافة التفرقة الطائفية والقومية خلال أيام معارضتهم لنظام صدام والتاريخ سيشهد على ذلك.