الحيوان ومن ضمنهِ الإنسان، يمتلك صفةً قد تكون عجيبة عقلاً، تلك هي “العاطفة”، والتي يُعزى لها تحريك كثير من أصناف الحيوانات ومنها الأنسان، للقيام بتصرفات وأفعال معينة، قد لا يكون لها تفسيراً عقلياً مادياً، فما معنى أن يعفو الإنسان عن قاتل ولده، وسارق ماله!؟
وبشكلٍ عام: ما معنى أن يقدم الشخص مصلحة الآخر على مصلحته!؟
الأسئلة كثيرة، ولكني سأحصر مقالي بسؤال واحد: ما هي العوامل التي تدعو الإنسان للقشعريرة ونزول الدمع، أثناء فراق شخص عزيز عليه!؟ أو فقدانه لشئ يحبه!؟ بل قد يلجأ للأنتحار بعد فراق ذلك الشئ!؟ وأحياناً يحصل هذا مع أُناس لا يعرفهم؟ مثل المشاهد التمثيلية المصورة! أو قراءة رواية حزينة!
نعم، يكون الجواب دائماً: العاطفة؛ ويبقى السؤال: ما هي؟ وكيف تحصل؟
مقالي ليس بحثاً في ماهية العاطفة، ولكن بإصطدام هذه العاطفة بالتطور الحضاري الكبير، الذي يدعونا إلى إستبدال الأشياء بشكل سريع، حتى لم تعد ثمة أهمية لعاطفتنا نحو شئٍ ما.
فهل نحنُ بهذا نتجه إتجاهاً صحيحاً من جهةٍ نفسيةٍ وجسدية؟
أم إننا بهذا الإتجاه نفقد عاطفتنا حقاً؟
أم أن بعض الأشياء ليست لها علاقة بالعاطفة؟ مثل البكاء على كسر خاتم!
عندما يجلس شخص ما، في سيارته القديمة، التي مر عليها أكثر من نصف قرن، يتكلم معها وهو يحاورها، وكأنها تحاوره! ويُلمعها ويُقبلها ولعلهُ ينام فيها! فهل لهذا الفعل علاقة بالعاطفة؟ بمعنى أن عاطفته تخص السيارة نفسها؟
إنَّ مثل هذا الشخص في واقع الأمر، يحاكي ذاتهُ وذكرياته، التي إرتبطت بهذه السيارة، ولكن من حيث الظاهر، فهو متعلق بالسيارة، فإذا تعرض أي جزء من أجزاء السيارة للخراب، شعر بحزنٍ شديد، وقد يُسارع إلى إصلاحه فوراً، لأنه يشكل جزء من ذاته في اللاشعور.
لكن، هل يُعدُّ هذا الفعل، مرضاً نفسياً يجب العلاج منه!؟
أم هو حالة صحية، تزيد الإنسان رحمة وتعاطفاً مع من حولهُ؟ بمعنى أنها تزيد في إنسانيته؟
إذا زاد الشئ عن حده إنقلب ضده، مقولة صحيحة جداً، ولكن التطور الحضاري المقترن بالآلة والتقنيات الحديثة ساهم في التقليل من التعاطف والعاطفة بين أفراد المجتمع الإنساني، بل بين الإنسان ومحيطة، لذا بات من المتوقع أن ينسلخ الأنسان تدريجياً من عاطفتهِ مع تطور الآلة.
بقي شئ…
لسنا ضد التطور في الآلة أو التقنيات، ولكنَّا ضد إستخدامها السيئ، فبدلاً من أن يكون الإنسان سيداً لها، أصبح عبداً لها من حيث لا يشعر.