17 نوفمبر، 2024 10:36 ص
Search
Close this search box.

الإنسان بين التمني و القدر

الإنسان بين التمني و القدر

 ليس ما يتمناه المرء يدركه و ليس ما يراه خيرا له يعيشه، هي قصة و ملحمة طموح زوج مع التمني. فإن القدر شيء مقدس في الأزل و التمني انفعال نفسي يجر صاحبه إلى الأمنيات و يبحر به في المحيطات. وفجأة يتذكر أن هناك القدر المكتوب فيتراجع إلى طبيعته و مساره المنشود و المقدر له في الحياة. فيستغفر و ينيب عندما تزول عنه جيوش العاطفة و لذة الدنيا،فيقول في نفسه و تلك هي الحياة هل صنعنا لها المنهاج أم هي التي تصنع لنا ما تريد ؟.

              إنه القدر و لا يستطيع الإنسان أن يكون له الاختيار في ما هو مسير و لا الإفلات منه أو السيطرة عليه.  فإذا أراد لسعادة في الدنيا و النجاة في الآخرة،  فعليه أن يخطط لما هو فيه مخير و يأخذ بالأسباب و يتوكل على الله في سره و علنه. و يترك المسير لمأموره و يشكره و يرضى بما قسم له. إن الطموح مشروع  و متلازم في الإنسان و لولاه ما تزينت الحياةبزخرفها مثل العروس يوم زفافها.  و في ذلك نجد في طبيعة بني البشر أصناف، منهم من عندما يواجه الحياة لأول مرة تبهره و تخوفه بنوائبها،فيستسلم لها و يترك لها المقود، هو ذلك المطيع الراضي المسلم الذي يترك لها كل حقوقه المخير فيها. و هناك من له طموح متشبث بها، لم تساعده على انجازه فيفر منها و يتمرد عليها و تصبح عدوا له ولا يفعل شيء في حياته إلا القليل فمعيشته تكون غالبا سلبية ولا يراها إلا من باب واحد. و هناك مَنْيستأنس لها و يصاحبها و يأخذ منها عند ما يكون الوقت وقته و ينتظر و يصبر عند ما يفقد وقته. هو ذلك الصنف الذي يستطيع السير مع شرها و خيرها و يتعود على سلوكها و معيشتها مرها و حلوها و التعامل معها فيشبه فرس أمرؤ القيس (مكر  مفر مقبل  مدبر معا). و ذلك هو التوازن الطبيعي المقبول، يقول المولى عز و جل  (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )2 العنكبوت.

             سُئِلَ القدر ذات يوم، فأجاب قائلا: أنا مشيئة الله،  قال عني النبي صلى الله عليه وسلم كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة “رواه مسلم. و قال أيضا عني ابن القيم”القدر شرعاً تقدير الله عزّ وجل للأمور في الماضي، وكتابته للأمر ومشيئته له وعلمه بحدوثه بأوقات معلومة وصفات مخصوصة، و وقوعها كما قدّرها الله تعالى، أمّا لغةً: فهو التقدير، وتسميةً لأمور لم تحدث بعد. … تمّ خلق الله عزّ وجل كما علمه وكتبه وشاءه”. و قال القدامى في وصف الدنيا الذين أكلوا منها و أكلت منهم:

لا تَسْتَهِمْ مِنْ الهَمْ ولا تَطْمِعْ بالخَيْر دِيما- الفَلَكْ ما هو مُصَمَرْ و الأيامْما هي اَمْدِيما. أو

إذا أتاكَ الزمنُ بضرٍ فاَلْبَسْ له ثوبا مِنَ الرِضَى (عسى و عسى ).

           و عن سؤل التمني،  فقال ذالك هو الإحساس بالأماني والتطلع للطموحات التي ترسم باختلاف أحوال صاحبها،  فإما أن تكون محمودة أي التمني في الخير أو مذمومة،  ولا بد للنفس التغذي كما قيل :    

             فَبِالْأَمَانِي تَتَسَلَّى النُّفُوسُ، وَتَتَحَفَّزُ الهِمَمُ، وَيُبْنَى التَّفَاؤُلُ، وَيُصْنَعُ الأَمَلُ.

            أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالْآمَالِ أَرْقُبُهَا *** مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلَا فُسْحَةُ الأَمَلِ

فلولا التمني لا يعيش المرء و لا تستمر الحياة، فنحن بني البشر نبحر بأفكارنا في بعض الأحيان إلى ما لانهاية و غالبا ما تكون لنا الدهشة عند ما تخرجنا العاطفة و الأمنيات عن طبيعتنا. إذا كان هذا الزوج يغمره التمني فهو مثل كل إنسان يأمل أن يكمل ما هو مشروع له في حياته فندعو الله أن يجعل المطلب قدرا مقدورا.

أحدث المقالات