18 ديسمبر، 2024 7:38 م

الإنزياح الدلالي وتمثّلاته في المجموعة الشعرية (نا) لعلي لفته سعيد

الإنزياح الدلالي وتمثّلاته في المجموعة الشعرية (نا) لعلي لفته سعيد

تقوم الإستراتيجية الشعرية للكاتب علي لفته سعيد في مجموعته الشعرية (نا) الصادرة عن دار تموز لسنة 2016 على رؤية مركزية تعتمد فك الارتباط التأريخي مع صورة المعنى الأصل المدونة الأولى والتي جعلت من صورة المعنى المتداول مجرد تكرار ونسخ للغة والمعنى . يعتمد الشاعر آلية التأويل والإنزياح الدلالي في توظيف وبناء معمارية القصيدة وهو ما يسهم بلاغياً من استبدال صورة المعنى المستهلك بصورة فنية وفكرية تعتمد معنى ومضموناً موازياً من حيث الشكل أو الصورة لكن مختلفة من حيث الدلالة والاستثمار الموضوعي والنعوت مستعيناً بتقنيات فنية ولغوية تعتمد الابتكارو الاستعارة والعلاقات الصوتية التي تتشكل بفعل المجاورة والتناصات التاريخية ،و التراكيب الجملية التي تنفتح بدورها على دلالات فكرية عبر تاريخية ، والتقديم والتأخير ،والحذف داخل النص
(قميصنا أسرينا به محملا بعرق الوجع ونهارا
حتى إذا ما حل الليل
سجد عليه نبي يكتب آياته
مرتلا ما تسمعه السماء من أفواهنا ) ص5 .
تتخذ استراتيجيه الانزياح الدلالي في المجموعة (نا) أساليب وطرقا فنية وموضوعية مختلفة ترتبط بنحو مباشر بالذات الشعرية كعتبة أولى (نا) الشاعر لتكون معبرة عن قصدية الشاعر لذا يلزم الدخول اليها فك شفرة المعنى المتواري خلف دلالات الأنا الشعرية للشاعر الباحثة عن ما وراء المعنى المباشر
( لأني خضت أحد عشر حرباً
رأيت فيها أحداً عشرة بقعة دم
لم أعرف أي من أخوتي قد قميصي) ص69 .
ولأن هذه النا الشعرية يصعب ألامساك بها داخل صورة أو معنى واحد كونها تنفتح دلاليا داخل النص الواحد فترتبط بشبكات تأويله سسيو تاريخية تتشظى لتكون النحن كعتبة ثانية، لذا تظل متوارية خالف اشكال المعنى من خلال عناوين القصائد الفرعية التي تظل مغلقة على الداخل نا / النحن أكثر من نا الآخر الخارج وهو ما يؤخذ على المجموعة ( إسراؤنا،حجراتنا،خيوطنا ، كهفنا، قرانا ،اشياؤنا ) وهو ما يعكس القصدية والهدف من التأويل حيث يتحرك النص داخل بنية نصية مغلقة (مدوناتنا) طالما مارست وصايتها على صورة المعنى الثقافي والفني السائد من خلال اشتراطاتها الدينية والتاريخية المقدسة التي تتحكم في إنتاج المعنى
(قالوا إنا دعونا إلهاً من دون الله
وأعادونا لكهوفنا
نزرع صحراءنا بما تكسر من القلوب)ص29.
عمد الشاعر إلى إعادة تشكيل أفق ومنظور شعري على وفق رؤية تأويلية فكرية وفنية تتسع وتتمدد لتتجاوز صورة المعنى السائد وذلك بإعتماد تقنية الإنزياح الدلالي والذي انقسم الى نوعين :
الأول سياقي استعاري تأريخي من خلال تناصات مثل قصص القرآن ، يوسفنا ،وكهفنا، و إسراؤنا … الخ
(يتامى ضربوا آذانهم
سكنوا دهوراً في الكهوف يكدسون العلقم
متوهمين عطر الياسمين
وهو يمر على ريح بطونهم)28
وآخر استبدالي فني جمالي تمثل في المعاني ، الصوت ، الدلالة ،اللغة (ملأونا أولئك الحاملين لذنوب عرشهم
وما كانوا مرسلين
ما وضعوا في عنق الفرح قلادة
تركوا على أعناقنا ما يؤرخ للحزن)ص60 .
تتبنى المجموعة الشعرية (نا) بمجملها خطاباً ثقافياً يكشف عن إستراتيجية نقدية حجاجية ترفض الثبات والموت لصورة المعنى وهو ما يكشف عن هم الشاعر وقصديته في تمثل لغة الخطاب للبحث عن مكامن الخلل والجمود من داخل بنيتنا الثقافية والاجتماعية المرتبطة بنحو وثيق بي نا الجمعية التي ترتكز في بنيتها اللغوية مرجعية تاريخية ودينية وثقافية تقتات على مدونات مغلقة على صورة أحادية المعنى أي نصوص تخضع لفهم وتفسير تاريخي ماضوي ظاهري مقدس لذا سعى الشاعر إلى فك هذا الارتباط المباشر مع المعنى السائد من خلال اعتماد رؤية وخطاب تأويلي قادر على كسر هذا الانغلاق الفكري واستبدال المعاني القديمة المرتبطة بقدسية النص على حساب الإنسان بمعاني روحية وإنسانية تنفتح على شتى أشكال المعاني الإنسانية المتجددة تتيح لنا أيجاد مساحة رحبة من المشتركات الإنسانية ولا يمكن ذلك إلا بجعل نا الذات التي تحيل بدورها إلى نا النحن تنفتح نحوه نا العالم عبر لغة تواصلية تداولية لصورة المعنى الإنساني لتكون قادرة على تفكيك واستبدال المعاني القديمة المدونات المغلقة بمعانٍ جديدة مدونات مفتوحة على جميع أشكال الفهم والتفسير من دون اشتراطات مسبقة
(لم أسمع منك أنت
ما أعنيه المرأة
ما أقصده البلاد
ما أناديه الحياة )ص87 .