إلغاء مجالس المحافظات كانت على قائمة مطالب المتظاهرين في إنتفاضة تشرين التي إنطلقت عام ٢٠١٩ لِتُسقط حكومة عادل عبد المهدي وتُلغى معها تلك المجالس، لكن مكر السلطة ودهائها جعلها تنتظر وتتحيَن الفرصة لتُعيد إحيائها في إنتخابات محلية جديدة في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٣، ومن سخريات ما يحدث في العراق إن بعض الجموع التي خرجت تتظاهر مطالبة بإلغاء تلك المجالس تتسابق اليوم في قوائم إنتخابية للدخول إلى ماراثون السباق الإنتخابي، فهل هناك وصف لهذه المهزلة السياسية؟.
يتصور الكثير من الفاعلين السياسيين إن مُعضلتهم مع إقتراب المواسم الإنتخابية هي بعناوين وتحالفات جديدة قادرة على تغيير رأي المواطن عن أدائهم وإلغاء فكرة إنهم هم المشكلة، ذلك هو الفرق الشاسع بين قناعتهم والواقع الذي يكتبه فشلهم على الأرض حتى أصبحت الإنتخابات في مفهوم أولئك عبارة عن صفقة تتقاسمها الأطراف السياسية ظناً منها الخروج من الأزمة الكبيرة في الممارسات الفاشلة التي صنعتها كرة الثلج حتى ظلّت تتدحرج لأكثر من عقدين كان من نتائجها إنهيار الدولة وتأسيس ثقافة الفساد بإعتباره بنداً مقدساً خاب من تحرش به.
ولابد من الإعتراف إن الإنتخابات التي تكررت مناسباتها أثبتت أن لا ديمقراطية في العراق بقدر وجود نظام سياسي يصعب فهمه، فقد إكتشفنا متأخرين أن الديمقراطية بمفهومهم هي التساوي بين الرابحين والخاسرين على حدٍ سواء وبخلافه سيتعرض النظام السياسي إلى خطر الإنهيار كما كانوا يعلنون عنه في أدبياتهم.
الإنتخابات القادمة المحلية مناسبة لتجديد المواقع التي تشغلها القوى السياسية وتغيير في الأدوار وسوق كبير لعرض البضاعة الرديئة التي لا يُجيد بيعها سوى من أحسن تزويقها بكلامه المعسول وبعناوين جديدة تُغري المتفرجين، ويبدو أن الطبقة السياسية لم تفهم الدرس جيداً بدليل أنها ذاهبة بالإنسداد السياسي إلى منتهاه بتكرار خديعة إيهام الجمهور بالقادم الأفضل، هي بالأحرى “صحة صدور” للعملية السياسية في محاولة لإنعاشها.
إن ما تريد إيصاله إلى عقولنا تلك الإنتخابات التي تتقاتل الأحزاب والكتل فيما بينها رسالة مفادها تحديد حجوم الفاعلين السياسيين داخل المنظومة السياسية وتحديد حصص كل من يشارك في إقتسام الكعكة على رأي إحدى النائبات في البرلمان العراقي دون أن يسمح الجدار الحديدي للنظام بدخول فاعلين جُدد إلى العمل السياسي.
ما يجري في أيام الإنتخابات أقل ما توصف به مناسبات لكشف المستور وتعرية نظام سياسي أوصلوه إلى حضيض الإنهيار والفوضى ولازالوا يدّعون أنهم في القمة بعد أن صدّعوا رؤوس الجمهور بأحاديثهم عن بناء البلد وإعماره، ومكافحة الفساد والفقر، وإيجاد فرص عمل، وفتح المصانع في حين يخبرنا الواقع بلداً خرباً وقاعاً صفصفاً.
خلاصة الحديث أن المنظومة السياسية تحاول أن تعالج مشكلاتها كالمثل الذي يقول “ينفخ بقربة مخرومة” بمعنى أنه يحاول أن يحل الأزمة ويتغاضى عن جذورها ومسبباتها، بل ويسعى أن يسير موازياً للأزمة محاولاً تحاشيها أو الإقتراب منها.
ها هي أيام المواسم الإنتخابية قد إقتربت ونزلت معها بوسترات وملصقات الأحزاب والشخصيات والكتل السياسية إلى الشارع والمرافق العامة لإعادة تحديثهم وإنتاجهم مرة أخرى وكأنهم لم يضيعوا بلداً، وسيادة لم تنتهك، وشعباً لم يقتل وكأن الذاكرة قد نست ما حدث ويحدث من خيبة أمل لشعب فقد الثقة والرجاء بهم.