في المفهوم العام للإنتخابات فمن المفترض أن تؤدي الى صعود او ارتقاء رئيس او رئيس وزراءٍ افضل من سابقه , وقد تقود الى صعود الأسوأ < ولعلّ الرؤساء جورج بوش الأب والأبن وانور السادات , هم امثلة غير حصرية على ذلك > , كما لا ريب أنّ الأنتخابات في عالم الغرب تختلف عن مثيلاتها في العالم الثالث والشرق الأوسط ” ودونما تعميم ” . أمّا الأنتخابات في العراق فأنها تختلف عن دول المعمورة , وتكاد تبدو غريبة الأطوار للرأي العام العالمي , إذ ببساطة انها مُصَمَّمة لتفوز فيها احدى احزاب الأسلام السياسي منذ الأحتلال والى < ليقضي الله أمراً كان مفعولا – سورة الأنفال آية 44 > .! , وذلك يعني أنّ الحريات العامة وبضمنها حريّة الرأي والتعبير تبقى مكبّلة .
الأستحضارات والتحالفات المبكّرة للأحزاب والقوى السياسية وبقوائم مختلفة , قد تجعل من الصعوبة بمكان لأية استنتاجاتٍ او افتراضاتٍ للتنبّؤ بالجهة التي ستحرز الفوز , لا سيما بوجود اعتبارات داخلية خاصة واخرى اقليمية وسواها , وما على المرء سوى الترقّب واستقراء التطورات السياسية القادمة , ثمّ الأنتظار .!
لكنّه وفي حالة فوز السيد العبادي بولايةٍ ثانية , فيمكن القول بسهولة ومرونة أنه سيستمرّ في حملته في الأصلاح ومكافحة الفساد , وربما يغدو تحرّكه بديناميةٍ أشد بعد تحرره من بعض الأعتبارات والمجاملات مع بعض مراكز القوى ! وقد استفاد الرجل من تجربته الأولى في السلطة , وبات يحظى بتأييدٍ دولي وعربي , لكنه ايضاً في حالة خسارته في الأنتخابات المقبلة وصعود مرشّح آخر لرئاسة الوزراء من القوى السياسية المعروفة على الساحة , فمعظم هؤلاء قد شغلوا مواقعاً ما في الدولة , ولم يُسجّل لهم ايّ نجاحٍ في تلك المناصب او المواقع , إنْ لم يكن الفشل الكامل , وهذا ما يشهد له الراي العام , ومع كلّ ذلك وبأرتقاء ايٍّ منهم لسدّة السلطة , فمن المتوقع حدوث تغيرات في السياسة الخارجية العراقية , وتقليص نسبة الأنفتاح على المحيط العربي وخصوصاً مع دول الخليج , وهنالك تصوّر واضح بزيادة تعقيد الوضع مع الأقليم , والذي هو معقّد اصلاً من قبل قيادة الأقليم .
أمّا على الصعيد الداخلي للبلاد , فيكادُ من المحال او ما يدنو من ذلك , حدوث ايّ تحسّن او تطوّر في الأوضاع العامة , فديون العراق بلغت 133 مليار دولار وما برح البنك المركزي يبيع احتياطيّ العملة بالمزاد العلني .! , كما لا يمكن توصيف أي نوعٍ من السياسية الأقتصادية المتبعة في القطر , فليس لدينا اقتصاد اشتراكي ولا اقتصاد رأسمالي واضح , ولا نستخدم اقتصاد السوق ولا حتى الأقتصاد المختلط , وكلّ ما نمتلكه هو الفوضى الأقتصادية بأمّ عينيها , واستيراد معظم المواد الفاسدة او الرديئة , بل استيرادٌ مفتوح لكلّ ما يسبب الضرر بالمنتوج الوطني .
في العراقِ ايضاً هنالك نظام اداري في وزارات ومؤسسات الدولة وهو الفريد من نوعه حتى في أسوأ دول افريقيا , فرواتب الموظفين متباينة بين وزاراتٍ واخريات , بل حتى في داخل الدائرة الحكومية الواحدة ومنذ أن ابتكرت وزارة المالية نظام ال ” STEPS ” وجدولة الرواتب وتخفيضها بأسس غير عادلة , لا يوجد نظام اداري موحّد , والإجتهادات مفتوحة في وزارات الدولة ,وقد ظهرت مؤخراً ظاهرة تأخير دفع الرواتب على بعض قطاعات الموظفين , وحتى لدى بعض المؤسسات الحكومية , بينما كانت كلّ وزارات العراق والجيش والمحافظات تستلم الرواتب في يومٍ واحد فيما مضى من الزمان .
ولا نجدُ من دواع تُذكر للتطرّق الى نظام التعليم البائس وما يجري في اروقة الجامعات والكليات من مآسٍ غدت حديث الألسن حتى في وسائط النقل .! أمّا ما يجري ممّا لا يصدّقه العقل في القطاع الصحي , فأقل ما يقال عنه أنه سببٌ جوهري في زيادة اعداد المرضى والوفيات .!
من الطبيعي أن لا يمكن الأسترسال في او عن الميادين الأخرى في هذه المساحة المحدودة , لكنما من الواضح أنّ القادمين الجدد المفترضين لرئاسة الحكومة التي ستفرزها الأنتخابات , فأنهم اعجز من أن ينقذوا البلاد من هذه المعاناة وهذا الأضطراب الذي ينخر في مفاصل الدولة . ولسنا هنا بصدد الترويج والدعاية لإنتخاب العبادي او أيّ من الطبقة السياسية التي حكمت وتحكّمت بأحوال الشعب طوال هذه السنوات , إنما فقط نشير أنه في حالة التجديد لولايةٍ ثانية لرئيس الوزراء الحالي وقيامه بتشكيل حكومةٍ جديدة , فعليه اولاً استبعاد كافة الوزراء الحاليين وما دونهم ايضاً من هذه التشكيلة , ولا يعني ذلك أنّ احزاب المحاصصة التي ستتوزع عليها الحقائب الوزارية , سوف تقدّم اسماءً اكثر جودة وكفاءة من الوزراء الحاليين .
إنّ من اسوأ الأمراض الدستورية التي تشهدها البلاد هي الصلاحيات المقيدّة للذي يشغل منصب رئاسة الوزراء وعدم تحكّمه بفرض او فصل وزراءٍ ما لأعتبارات الضرورة والمصلحة الوطنية , ولا بدّ من العودة الى البرلمان المتشكّل من كتل الأحزاب الحاكمة , وهذه معضلة لا يحلها الدستور .! , ونحن بصراحة لم نبلغ الأرتقاء الى مستوى اللعبة البرلمانية ولا الى مستوى الوعي السياسي – الوطني .
من زاويةٍ اخرى , فأنّ الناخبين الذين سوف يصوّتون لهذا المرشح او سواه ولأسبابٍ نفعية او ضيّقة , فأنما يزيدون من نسبة البلاء المكتوب على هذا الشعب , وهم جزءٌ حيوي من هذا البلاء !