قلتُ في مقالي السابق ،الموسوم (هل تقرّر الإنتخابات مصير العراق)،أن ألإنتخابات المقبلة ستقررمصير العراق،وها هي الإنتخابات ألقّتْ بأوزارها،وأفرزت تحولات كبرى في المشهد السياسي العراقي،فماهي أبرز هذه التحولات،والتي أسميها (إنقلاب إنتخابي)، وهزيمة ترقى الى مستوى الفضيحة، للإحزاب الولائية الطائفية المتنفذة منذ الاحتلال الامريكي وليومنا هذا،التي تلقى دعمها من طهران،والحقيقة الأصح هي،هزيمة المشروع التوسعي الايراني في المنطقة كلها،إنطلاقاً من العراق،وبالرغم من أن النتائج النهاية لم تعلنها مفوضية الإنتخابات، ولكنها رسمت صورة واضحة، لمشهد سياسي إنقلابي، لما بعد الإنتخابات،هذا المشهد هو من سيقرر مصير العراق،فلأول مرة بعد الإحتلال الامريكي،تهزم الأحزاب الدينية في السلطة، وشخوصها الدينية ، هزيمة قاسية،كما هزمت قوائم ولائية ،أحدثتْ خسارتها هِزةً عنيفة في أوساطها السياسية،والمجتمعية،لم تتوقعها أبداً،وفي مقدمة هذه الأحزاب حزب الدعوة بكل فروعه ،والفضيلة ومنظمة بدر وقوائم الفصائل المسلحة، وقائمة الحشد الشعبي بشخص رئيس هيئة الحشد فالح الفياض،الأمر الذي إستدعّى حضور قائد فيلق القدس الايراني إسماعيل قاآني الى بغداد ،لترتيب أوضاع مايسمونه (البيت الشيعي)،فظهرت تهديدات وإعتراضات من زعماء القوائم وأعضائها، ضد مفوضية الانتخابات،وإتهموها (بالتزوير)،وإجتمع قاآني بحضور جميع القوائم الخاسرة،في بيت نوري المالكي رئيس قائمة دولة القانون، وطلقوا عليه إسم هذا التجمع ب(الإطار التنسيقي للقوى الشيعية )،الذي صدّر بيانه الأول، بطعن نتائج الانتخابات،وهدّد بإتخاذ إجراءات لمنع التلاعب بالنتائج،وتمّ على إثرها توترات الاوضاع الأمنية، وأطلقت تهديدات ،ونزلت عناصر الحشد الشعبي الى شوارع بغداد ،وأغلقت الفصائل الولائية، طرق مواصلات بين المحافظات وبغداد، إستنكاراًوتحدياً للمفوضية وحكومة الكاظمي (وأعلن الصدر إستنفار جيش المهدي)،في مقابل ذلك،وبسببه،فإن فوز التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر،هو مَن قَلبَ موازين اللعبة الانتخابية،وأفقد الطرف الآخر صوابه،فأطلق تهديداته ،للمفوضية والصدر والكاظمي،، نعم هذه أول هزيمة للتيار الاسلاموي وأحزابه ،التابع للمرشد الاعلى ولإيران،وهي رسالة مهمة جداً، أرسلها شعب العراق،لإيران وأتباعها وفصائلها وأذرعها وأحزابها، بالرغم من وجود شبهات تزوير هنا وهناك،وهذا محتمل في جميع الإنتخابات العالمية والعربية، ولكن، ماحصل في العراق، إستثنائي، وإنتصار شعبي، بل وإستفتاء شعبي ،على رفض التبعية والذيولية لإيران وأحزابها، وإن حصول حركة امتداد على 15 مقعد ،هو دليل على إصرار شباب العراق، على رفض المشروع الايراني، رغم الآف الشهداء ،الذين سقطوا ،والآف الجرحى الذين واجهوا الموت ،في ثورتهم المباركة،فقال الشعب كلمة الفصل في إنتخابات مفصلية، أسقطت الأقنعة المزيفة ،عن وجوه مدعّي الوطنية ومؤسسي الفساد والقتل،من أحزاب طائفية وشخصيات كانت (مقدسة عند البعض) ،فإنكشفت سوأتهم أمام أول عاصفة إنتخابية حقيقية بعيدة عن تزويرهم ،إذن هذه الهزيمة، سوف تؤسس لمرحلة جديدة وحاسمة،وهي مرحلة( القضاء على الفساد والسلاح المنفلت)، كما أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى، في برنامجه الحكومي، بعد إستلام رئاسة الوزراء،وهي مرحلة مصيرية للعراق،على العراقيين إستثمارها، بعد إبعاد الاحزاب الطائفية الفاسدة ،عن هرم السلطة،ولتسليط الضوء على عملية تشكيل الحكومة، ومَن سيكلّف برئاستها، ومع مَن سيتحالف (الصدر)،بوصفه صاحب المقاعد الأعلى في البرلمان ،نقول، إبتداء، هل سيسمح (الطرف الخاسر،المالكي والعامري والعبادي والخزعلي ووو ، من تشكيل حكومة ،بإشراف مقتدى الصدر وتياره، هذا هو السؤال الذي لاجواب له،فبإمكان مقتدى تشكيل تحالف مريح ،من الكردستاني والحلبوسي والخنجرومستقلون والقوائم الأخرى (السنيّة)زائداً حركة امتداد وحسم وغيرها،ولكن هذا شبه مستحيل،أمام إصرار (الإطار التنسيقي للقوى الشيعية)، أن توافق وتبقى معارضة داخل البرلمان،فهي ترفع شعار(لو ألعب لو أخرّب الملعب)، وهي تعمل على كسب القوائم الفائزة عن طريق الترغيب والترهيب، وهذه طريقتها وأسلوبها الوحيد،وظهرت بوادر هذه الطريقة ،وأرسلت إشارات ،مستخدمة تصريحات نارية، وتهديدات مباشرة،ملوّحة بالبندقية ،لمن يريد، القضاء الفساد والسلاح المنفلّت،ويهدد (السلم المجتمعي)في إشارة الى تصريحات السيد مقتدى الصدر،وازاء هذه التدخلات الإيرانية، والتهديدات الولائية ، سيطول وقت تشكيل الحكومة لأشهر طويلة،تماماً كما حصل في لبنان، ولأن المشروع الإيراني في العراق ولبنان واحد، فما يحصل في لبنان يحصل في العراق، ونزلت الميليشيات والفصائل الى الشارع ،لتعيد ضبط إيقاعه لصالحها،في المقابل، فإن الصدر وتياره وجماهيره المليونية، مصرةً على مواجهة من يريد خلط الاوراق، وإفساد فرحة الفوز الصدري الكاسح ،والحصول على اعلى المقاعد،وتشكيل الحكومة الصدرية القّحّ، فهل سيتم تشكيل الحكومة بالتوافق في نهاية المطاف،أم المواجهة ،فالانتخابات كانت صفعة للتيار الإيراني الاسلاموي ، وهزيمة فادحة له، وصفقة ،يريدها الاطار التنسيقي للقوى الشيعية الخاسرة المهزومة، أمام التيار الصدري وجماهيره، أعتقد أن الأمر لن تحسمه التوافقات، ولا التدخلات، ولا ضغوط مرجعية الحائري ولا المرشد الاعلى، فالتيار الصدري وزعيمه، يعدّها الفرصة الذهبية، التي لاتتكرر له ، لكي يثبت برنامجه الإصلاحي ،في القضاء على الفساد وحيتانه ، ويقضي على السلاح المنفلّت، الذي أوصل العراق ،هو ومن وراءه من أحزاب ودول الى ماوصل اليه ،من خراب ودمار وقتل وتهجير الملايين ،وتدمير بنيته التحتية ، وظهور تنظيم داعش الإرهابي،إذن العراق، وبكل صراحة هو أمام مفترق طرق،إمّا مواجهة الفاسدين وسلاحهم المنفلّت، وامّاّ تشكيل حكومة بعيدة ،عن الاطار التنسيقي للقوى الشيعية، التي يجب أن تبقى معارضة في البرلمان ، وترضى وتعترف بالخسارة وتجنب العراق ، الصعود الى هاوية الخراب، والدخول في نفق لن يخرج منه أحد،أمّا التهديدات والإعتراضات والاتهامات ،والنزول الى الشارع فهي مظاهر تخويف ،ستنهار أمام وقوف الشعب العراقي، مع الجهة التي تحفظ كرامة العراقيين، وتحقن دمائهم ، وتحافظ على كرامتهم وكبريائهم وتنتشلهم من براثن السلاح المنفّلت ،وهو أقل الضرّر ،وأقصر الطرق،لإنقاذ العراق من هيمنة إيران ،وأذرعها وفصائلها وأحزابها، التي عاثت خراباً ودماراً وفساداً في العراق،نعم مصير العراق وشعبه ومستقبله ،مرهون بلحظة تأريخية ، يعيشها العراقيون، بين جناحي الصراع على السلطة،فهل ستكون نتائج الإنتخابات ،صفقةٌ أم صفعةٌ بين طرفي الصراع هذا ،الايام القليلة هي مًن ستقول كلمتها في مستقبل العراق..