هو سابع أئمة أهل البيت سلام الله عليهم كان مولده عليه السلام بالأبواء في يوم الأحد السابع من صفر سنة ثمان وعشرين ومائة وقيل سنة تسع وعشرين ومائة وقبض مسموماً عليه السلام ببغداد في حبس السندي بن شاهك لخمس بقين من رجب وهو المشهور وقيل لخمس مضين منه وقيل لست خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة وهو ما ذهب إليه الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي الشريف .وأمه أم ولد يقال لها حميدة البربرية ويقال لها أيضاً حميدة المصفاة ويقال حميدة بنت صاعد البربري , وقيل إنها أندلسية أم ولد يقال لها لؤلؤة , ولا تنافي بين الجميع .
روى الشيخ الكليني رضوان الله عليه في الكافي عن المعلى بن خنيس عن الإمام الصادق عليه السلام انه قال : حميدة مصفاة من الأدناس كسبيكة الذهب ما زالت الأملاك تحرسها حتى أديت إلي كرامة من الله لي والحجة من بعدي .
وكانت مدة خلافته ومقامه في الإمامة بعد أبيه عليهما السلام خمسا وثلاثين سنة وقام بالأمر وله عشرون سنة وقيل تسعة عشر سنة وكانت في أيام إمامته بقية ملك المنصور أبي جعفر ثم ملك إبنه المهدي عشر سنين وشهراً وأياما ثم ملك هارون بن محمد الملقب بالرشيد ثلاث وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوماً وأُستشهد صلوات الله عليه بعد خمسة عشر سنة من ملكه مسموماً وله أربع وخمسين سنة أو خمس وخمسين , وكان يكنى أبا إبراهيم وأبا الحسن وأبا علي ويعرف بالعبد الصالح وزين المجتهدين وينعت أيضا بالكاظم وهو أشهر ألقابه والوفي والصابر والأمين والزاهر. قال الشيخ المفيد رضوان الله عليه في الإرشاد : وكان الإمام بعد أبي عبد الله ابنه أبا الحسن موسى إبن جعفر العبد الصالح عليه السلام لإجتماع خلال الفضل فيه والكمال ولنص أبيه بالإمامة عليه وإشارته بها إليه . وذكر المفيد رحمه الله بعد ذالك عدة من النصوص بالنص عليه بالإمامة عليه السلام .
أقول : نقل صاحب كتاب كشف الغمة عن إبن الخشاب أحد قولين بأن مقام الإمام الكاظم مع الإمام عليهما السلام أربعة عشر سنة وليس عشرين سنة وبما إن إستشهاد الإمام الصادق سنة 148 هجرية فيكون مولد الإمام على هذا الرأي سنة 134 هجرية وبالتالي يكون عمر الإمام عند شهادته 49 سنة وإذا أخذنا بالرأي الذي نسبه الشيخ المفيد في الإرشاد للقيل إن شهادة الإمام الكاظم سنة 186 هجرية يكون عمره حينئذ 52 سنة وهو رأي شاذ .
من المنعطفات الخطيرة والمهمة التي مرت بها الشيعة والمنحة التي امتحنت بها هي المحنة التي حدثت في أواخر حياة الإمام الكاظم وبعد شهادته سلام الله عليه والتي هي محط دراستنا وتكمن خطورة هذه المحنة بأنها جرت كثير من الأسامي الكبيرة والشخصيات المبرزة إلا وهي محنة الواقفة. والواقفة هم الذين وقفوا على الإمام الكاظم بعد استشهاده وأنكروا موته وقالوا بأنه هو المهدي المنتظر المبشر به في الأحاديث وجحدوا إمامة الرضا عليه السلام وباقي الأئمة من ذرية الرضا عليهم السلام , وإن كان لفظ الوقف يطلق أيضاً على كل جماعة وقفت على احد الأئمة ولم تسق الإمامة إلى من بعده ولكنها غلبت في الإطلاق على الواقفة على الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لكون هذه الفرقة هي الأوسع والأشهر في كتب الحديث والفرق والتاريخ عكس البقية .
فمن أولى النصوص التي تطالعنا في مهدوية الإمام الكاظم عليه السلام ما ذكره سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي في كتابه (المقالات والفرق) حيث قال وهو يعدد الفرق التي تفرقت بعد حبس الإمام عليه السلام في المرة الثانية التي استشهد فيها حيث قال :
وقالت الفرقة الثانية : إن موسى بن جعفر لم يمت وانه حي ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها ويملاها كلها عدلا كما ملئت جوراً وإنه القائم المهدي وزعموا إنه لما خاف على نفسه القتل خرج من الحبس نهاراً ولم يره احد ولم يعلم به وإن السلطان وأصحابه ادعوا موته وموهوا على الناس ولبسوا عليهم برجل مات في الحبس فأخرجوه ودفنوه في مقابر قريش في القبر الذي يدعى إنه قبر موسى بن جعفر وكذبوا في ذالك . إنما غاب عن الناس وإختفى ورووا في ذالك روايات عن أبيه جعفر : إنه قال هو القائم المهدي فإن يدهده رأسه من جبل فلا تصدقوا فإنه صاحبكم القائم .
وقالت فرقة منهم لا يدري أحي هو أم ميت لأنا روينا فيه أخباراً كثيرة تدل على إنه القائم المهدي فلا يجوز تكذيبها وقد ورد علينا من خبر وفاته مثل الذي ورد علينا من خبر وفاة أبيه وجده والماضين من آبائه في معنى صحة الخبر ……. وفرقة منهم يقال لها الهسموية أصحاب محمد بن بشير مولى بني أسد قالت إن موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس وانه غاب واستتر وهو القائم المهدي. أما الشيخ المفيد رضوان الله عليه فقال كما في الفصول المختارة للسيد المرتضى علم الهدى : ثم لم تزل الأمامية بعد من ذكرناه على نظام الإمامة حتى قبض موسى بن جعفر عليه السلام فافترقت بعد وفاته فرقاً قال جمهورهم بإمامة أبي الحسن الرضا ودانوا بالنص عليه وسلكوا الطريقة المثلى في ذالك وقال جماعة منهم بالوقف على أبي الحسن موسى عليه السلام وادعوا حياته وزعموا انه المهدي المنتظر وقال فريق منهم إنه قد مات و سيبعث وهو القائم بعده .
وإختلفت الواقفة في الرضا عليه السلام ومن عليه السلام وأمرائه وقضاته إلى أوان خروجه وإنهم ليسوا بأئمة وما إدعوا الإمامة قط وقال الباقون أنهم ضالون مخطئون ظالمون وقالوا في الرضا عليه السلام خاصة قولا عظيماً وأطلقوا تكفيره وتكفير من قام بعده من ولده وشذت فرقة ممن كان على الحق إلى قول سخيف جداً فأنكروا موت أبي الحسن عليه السلام وحبسه وزعموا أن ذالك كان تخيلاً للناس وإدعوا إنه حي غائب إنه هو المهدي وزعموا إنه استخلف على الأمر محمد بن بشر مولى بني أسد وذهبوا إلى الغلو والقول بالإباحة ودانوا بالتناسخ . واعتلت الواقفة فيما ذهبوا إليه بأحاديث رووها عن أبي عبد الله عليه السلام منها إنهم حكوا عنه انه لما ولد موسى بن جعفر عليه السلام دخل أبو عبد الله عليه السلام على حميدة البربرية أم موسى عليه السلام فقال لها :يا حميدة بخ بخ حل الملك في بيتك , قالوا وسئل عن القائم فقال إسمه إسم حديدة الحلاق , فيقال لهذه الفرقة ما الفرق بينكم وبين الناووسية الواقفة على أبي عبد الله عليه السلام والكيسانية الواقفة على أبي القاسم محمد بن الحنفية رحمه الله والمفوضة المنكرة لوفاة أبي عبد الله الحسين عليه السلام الدافعة لقتله والسبائية المنكرة لوفاة أمير المؤمنين عليه السلام المدعية حياته والمحمدية النافية لموت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المتدينة بحياته وكل شئ راموا به كسر مذاهب من عددناهم فهو كسر لمذاهبهم ودليل على بطلان مقالتهم.ثم يقال لهم بما تعلقوا به من الحديث الأول:
ما أنكرتم أن يكون الصادق عليه السلام أراد بالملك الإمامة على الخلق وفرض الطاعة على البشر وملك الأمر والنهي وأي دليل في قوله لحميدة : “حل الملك في بيتك ” على انه نص على ابنه بأنه القائم بالسيف أو ما سمعتم الله تعالى يقول :
( فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ) وإنما أراد ملك الدين والرئاسة فيه على العالمين.
وأما قوله عليه السلام وقد سئل عن اسم القائم فقال اسم حديدة الحلاق فانه إن صح وثبت ذالك على إنه غير معروف فإنما أشار به إلى القائم بالإمامة بعده ولم يشر به إلى القائم بالسيف وقد علمنا إن كل إمام فهو قائم بالأمر بعد أبيه فأي حجة فيما تعلقوا به لولا عمى القلوب .
أما الشيخ الصدوق المتوفي سنة 381 هجرية فقال في كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة وهو يرد على الفرق التي ادعت المهدوية لبعض الأشخاص كالكيسانية في محمد ابن الحنفية والناووسية في الإمام الصادق عليه السلام ثم انتقل إلى الواقفة فقال : كذلك إدعت الواقفية ذلك في موسى بن جعفر عليهما السلام فأبطل الله قولهم بإظهار موته وموضع قبره ، ثم بقيام الرضا علي بن موسى عليهما السلام بالأمر بعده .
وظهور علامات الإمامة فيه مع ورود النصوص عليه من آبائه عليهم السلام .ثم ذكر الشيخ الصدوق أحاديث في استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام منها هذا الحديث اخترناه لان فيه تصريح بموضوعنا ألا وهو ادعاء مهدوية الإمام الكاظم عليه السلام قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور – رحمه الله – قال : حدثنا الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري قال : حدثني علي بن رباط قال : قلت لعلي بن موسى الرضا عليهما السلام : إن عندنا رجلا يذكر أن أباك عليه السلام حي وأنك تعلم من ذلك ما تعلم ؟ فقال عليه السلام : سبحان الله مات رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم يمت موسى بن جعفر ؟ ! بلى والله لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه .
ونأتي الآن على نص من كلام السيد المرتضى رضوان الله عليه في رسالته (إبطال العمل بأخبار الآحاد ) قال رحمه الله : والعدالة عندنا تقتضي أن يكون معتقدا للحق في الأصول والفروع وغير ذاهب إلى مذهب قد دلت الأدلة على بطلانه وان يكون غير متظاهر بشئ من المعاصي والقبائح وهذه الجملة تقتضي تعذر العمل بشئ من الأخبار التي رواها الواقفية على موسى بن جعفر عليهما السلام الذاهبة إلى انه المهدي عليه السلام . إلى أخر ما قال وإنما أخذنا منه موضع الحاجة .
والتفصيل في هذا الموضوع هو ما ذكره الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة حيث ذكر الروايات التي استدلت بها الواقفة لإثبات مدعاها وكذالك ذكر الأسباب الحقيقية لادعائهم هذا.
فننقل كلامه لما فيه من الفائدة :قال رضوان الله عليه : الكلام على الواقفةوأما الذي يدل على فساد مذهب الواقفة الذين وقفوا في إمامة أبي الحسن موسى عليه السلام وقالوا : ” إنه المهدي ” فقولهم باطل بما ظهر من موته عليه السلام ، واشتهر واستفاض ، كما اشتهر موت أبيه وجده ومن تقدم من آبائه عليهم السلام . ولو شككنا لم ننفصل من الناووسية والكيسانية والغلاة والمفوضة الذين خالفوا في موت من تقدم من آبائه عليهم السلام . على أن موته اشتهر ما لم يشتهر موت أحد من آبائه عليهم السلام ، لأنه أظهر وأحضر والقضاة والشهود ، ونودي عليه ببغداد على الجسر وقيل : ” هذا الذي تزعم الرافضة أنه حي لا يموت مات حتف أنفه ” وما جرى هذا المجرى لا يمكن الخلاف فيه .
فروى يونس بن عبد الرحمن قال : حضر الحسين بن علي الرواسي جنازة أبي إبراهيم عليه السلام . فما وضع على شفير القبر ، إذا رسول من سندي بن شاهك قد أتى أبا المضا خليفته – وكان مع الجنازة – أن أكشف وجهه للناس قبل أن تدفنه حتى يروه صحيحا لم يحدث به حدث . قال : وكشف عن وجه مولاي حتى رأيته وعرفته ، ثم غطي وجهه وأدخل قبره صلى الله عليه .وروى محمد بن خالد البرقي ، عن محمد بن عباد المهلبي قال :
لما حبس هارون الرشيد أبا إبراهيم موسى عليه السلام وأظهر الدلائل والمعجزات وهو في الحبس تحير الرشيد ، فدعا يحيى بن خالد البرمكي فقال له :
يا أبا علي أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب ، ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيرا يريحنا من غمه ؟
فقال له يحيى بن خالد البرمكي : الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمنن عليه وتصل رحمه ، فقد – والله – أفسد علينا قلوب شيعتنا . وكان يحيى يتولاه ، وهارون لا يعلم ذلك . فقال هارون : انطلق إليه وأطلق عنه الحديد ، وأبلغه عني السلام ، وقل له : يقول لك ابن عمك : إنه قد سبق مني فيك يمين أني لا أخليك حتى تقر لي بالإساءة ، وتسألني العفو عما سلف منك ، وليس عليك في إقرارك عار ، ولا في مسألتك إياي منقصة . وهذا يحيى بن خالد ( هو ) ثقتي ووزيري ، وصاحب أمري ، فسله بقدر ما أخرج من يميني وانصرف راشدا.
– قال محمد بن عباد : فأخبرني موسى بن يحيى بن خالد : أن أبا إبراهيم عليه السلام قال ليحيى : يا أبا علي أنا ميت ، وإنما بقي من أجلي أسبوع ، أكتم موتي وائتني يوم الجمعة عند الزوال ، وصل علي أنت وأوليائي فرادى ، وانظر إذا سار هذا الطاغية إلى الرقة ، وعاد إلى العراق لا يراك ولا تراه لنفسك ، فإني رأيت في نجمك ونجم ولدك ونجمه أنه يأتي عليكم فاحذروه . ثم قال : يا أبا علي أبلغه عني : يقول لك موسى بن جعفر : رسولي يأتيك
يوم الجمعة فيخبرك بما ترى ، وستعلم غدا إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه ، والسلام .
فخرج يحيى من عنده ، واحمرت عيناه من البكاء حتى دخل على هارون فأخبره بقصته وما رد عليه ، فقال [ له ] هارون : إن لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا . فلما كان يوم الجمعة توفي أبو إبراهيم عليه السلام ، وقد خرج هارون إلى المدائن قبل ذلك ، فأخرج إلى الناس حتى نظروا إليه ، ثم دفن عليه السلام ورجع الناس ، فافترقوا فرقتين : فرقة تقول : مات ، وفرقة تقول : لم يمت ؟ . فإن قيل : كيف تعولون على هذه الأخبار وتدعون العلم بموته ، والواقفة تروي أخبارا كثيرة تتضمن أنه لم يمت ، وأنه القائم المشار إليه ، موجودة في كتبهم وكتب أصحابكم ، فكيف تجمعون بينها ؟ وكيف تدعون العلم بموته مع ذلك ؟ . قلنا : لم نذكر هذه [ الأخبار ] إلا على جهة الاستظهار والتبرع ، لا لأنا احتجنا إليها في العلم بموته لان العلم بموته حاصل لا يشك فيه كالعلم بموت آبائه عليهم السلام ، والمشكك في موته كالمشكك في موتهم ، وموت كل من علمنا بموته . وإنما استظهرنا بإيراد هذه الأخبار تأكيدا لهذا العلم، كما نروي أخبارا كثيرة فيما نعلم بالعقل والشرع وظاهر القرآن والإجماع وغير ذلك، فنذكر في ذلك أخبارا على وجه التأكيد . فأما ما ترويه الواقفة فكلها أخبار آحاد لا يعضدها حجة ، ولا يمكن ادعاء العلم بصحتها ، ومع هذا فالرواة لها مطعون عليهم ، لا يوثق بقولهم ورواياتهم وبعد هذا كله فهي متأولة. ونحن نذكر جملا مما رووه ونبين القول فيها ، فمن ذلك أخبار ذكرها أبو محمد علي بن أحمد العلوي الموسوي في كتابه ” في نصرة الواقفة ” .قال : حدثني محمد بن بشر قال : حدثني الحسن بن سماعة عن أبان بن عثمان ، عن الفضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لا ينسجني والقائم أب. فهذا أولا خبر واحد لا يدفع المعلوم لأجله ، ولا يرجع إلى مثله ، وليس يخلو أن يكون المراد به أنه ليس بيني وبين القائم أب أو أراد لا يلدني وإياه أب ، فإن أراد الأول فليس فيه تصريح بأن موسى هو القائم ، ولم لا يجوز أن يكون المراد غيره كما قالت الفطحية : إن الإمام بعد أبي عبد الله عليه السلام عبد الله الأفطح ابنه ، وإذا احتمل ذلك سقط الاحتجاج به ، على أنا قد بينا أن كل إمام يقوم بعد الأول يسمى قائما فعلى هذا يسمى موسى قائما ولا يجئ منه ما قالوه ، على أنه لا يمتنع أن يكون أراد ردا على الإسماعيلية الذين ذهبوا إلى إمامة محمد بن إسماعيل بعد أبي عبد الله عليه السلام فإن إسماعيل مات في حياته ، فأراد : الذي يقوم مقامي ليس بيني وبينه أب بخلاف ما قالوه ، وإن أراد أنه لم يلده وإياه أب نفيا للإمامة عن إخوته فإنا نقول : بذلك مع أنه ليس ذلك قولا لأحد .قال الموسوي : وأخبرني علي بن خلف الأنماطي قال : حدثنا عبد الله بن وضاح عن يزيد الصائغ قال : لما ولد لأبي عبد الله عليه السلام أبو الحسن عليه السلام عملت له أوضاحا وأهديتها إليه ، فلما أتيت أبا عبد الله عليه السلام بها قال لي : يا يزيد أهديتها والله لقائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فهو مع كونه خبرا واحدا رجاله غير معروفين ، ولو سلم لكان الوجه فيه ما قلناه : من أنه القائم من بعده بلا فصل على ما مضى القول فيه .
قال الموسوي : وحدثني أحمد بن الحسن الميثمي عن أبيه ، عن أبي سعيد المدائني قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إن الله استنقذ بني إسرائيل من فرعونها بموسى بن عمران ، وإن الله مستنقذ هذه الأمة من فرعونها بسميه. فالوجه فيه : أيضا مع أنه خبر واحد إن الله استنقذهم بأن دلهم على إمامته والإبانة عن حقه بخلاف ما ذهبت إليه الواقفة .
قال : وحدثني حنان بن سدير قال : كان أبي جالسا وعنده عبد الله بن سليمان الصيرفي وأبو المراهف وسالم الأشل فقال عبد الله بن سليمان لأبي : يا أبا الفضل أعلمت أنه ولد لأبي عبد الله عليه السلام غلام فسماه فلانا ؟ – يسميه باسمه – . فقال سالم : إن هذا لحق ، فقال عبد الله : نعم فقال سالم : والله لان يكون حقا أحب إلي من أن أنقلب إلى أهلي بخمسمائة دينار ، وإني محتاج إلى خمسة دراهم أعود بها على نفسي وعيالي . فقال له عبد الله بن سليمان : ولم ذاك ؟ قال : بلغني في الحديث أن الله عرض سيرة قائم آل محمد على موسى بن عمران فقال : ” اللهم اجعله من بني إسرائيل ” فقال له : ليس إلى ذلك سبيل ، فقال : ” اللهم اجعلني من أنصاره ” فقيل له : ليس إلى ذلك سبيل ، فقال : ” اللهم اجعله سميي ” فقيل له : أعطيت ذلك. فلا أدري ما الشبهة في هذا الخبر لأنه لم يسنده إلى إمام ، وقال : بلغني في الحديث كذا ، وليس كلما يبلغه يكون صحيحا ، وقد قلنا : إن من يقوم بعد الإمام الأول يسمى قائما أو يلزمه من السيرة مثل سيرة الأول سواء فسقط القول به .قال : وروى زيد الشحام وغيره قال : سمعت سالما يقول : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إن الله تعالى عرض سيرة قائم آل محمد على موسى بن عمران وذكر الحديث وقد تكلمنا عليه مع تسليمه.قال : وحدثني بحر بن زياد الطحان ، عن محمد بن مروان ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رجل : جعلت فداك إنهم يروون أن أمير المؤمنين عليه السلام قال بالكوفة على المنبر : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا مني يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا . فقال أبو جعفر عليه السلام : نعم قال : فأنت هو ؟ فقال : لا ذاك سمي فالق البحر. فالوجه فيه : بعد كونه خبرا واحدا إن لسمي فالق البحر أن يقوم بالأمر ويملأها قسطا وعدلا إن مكن من ذلك ، وإنما نفاه عن نفسه تقية من سلطان الوقت لا نفي استحقاقه للإمامة .قال : وحدثني أبو محمد الصيرفي عن الحسين بن سليمان عن ضريس الكناسي عن أبي خالد الكابلي قال : سمعت علي بن الحسين عليه السلام وهو يقول : إن قارون كان يلبس الثياب الحمر ، وإن فرعون كان يلبس السود ويرخي الشعور ، فبعث الله عليهم موسى عليه السلام ، وإن بني فلان لبسوا السواد وأرخوا الشعور وأن الله تعالى مهلكهم بسميه.قال : وبهذا الإسناد قال : تذاكرنا عنده القائم فقال : اسمه اسم لحديدة الحلاق.فالوجه فيه : بعد كونه خبرا واحدا ما قدمناه من أن موسى هو المستحق للقيام للأمر بعد أبيه ، ويحتمل أيضا أن يريد أن الذي يفعل ما تضمنه الخبر والذي له العدل والقيام بالأمر يتمكن منه من ولد موسى . ردا على الذين قالوا : ذلك في ولد إسماعيل وغيره ، فأضافه إلى موسى عليه السلام لما كان ذلك في ولده ، كما يقال : الإمامة في قريش ، ويراد بذلك في أولاد قريش وأولاد أولاد من ينسب إليه .
قال : وروى جعفر بن سماعة عن محمد بن الحسن ، عن أبيه الحسن بن هارون قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : ابني هذا – يعني أبا الحسن عليه السلام – هو القائم ، وهو من المحتوم ، وهو الذي يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. فالوجه فيه : أيضا ما قدمناه في غيره .
قال : وحدثني عبد الله بن سلام ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : من المحتوم أن ابني هذا قائم هذه الأمة ، وصاحب السيف – وأشار بيده إلى أبي الحسن عليه السلام.
فالوجه فيه أيضا ما قدمنا في غيره سواء من أن له ذلك استحقاقا ، أو يكون من ولده من يقوم بذلك فعلا .
قال : وأخبرني علي بن رزق الله ، عن أبي الوليد الطرائفي قال : كنت ليلة عند أبي عبد الله عليه السلام ، إذ نادى غلامه فقال : انطلق فادع لي سيد ولدي ، فقال له الغلام ، من هو ؟ فقال : فلان – يعني أبا الحسن عليه السلام قال : فلم ألبث حتى جاء بقميص بغير رداء – إلى أن قال : ثم ضرب بيده على عضدي وقال : يا أبا الوليد كأني بالراية السوداء صاحبة الرقعة الخضراء تخفق فوق رأس هذا الجالس ومعه أصحابه يهدون جبال الحديد هدا ، لا يأتون على شئ إلا هدوه ، قلت : جعلت فداك هذا ؟ . قال : نعم هذا يا أبا الوليد يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا ، يسير في أهل القبلة بسيرة علي بن أبي طالب عليه السلام يقتل أعداء الله حتى يرضى الله ، قلت : جعلت فداك هذا ؟ قال : هذا ، ثم قال : فاتبعه وأطعه وصدقه وأعطه الرضا من نفسك فإنك ستدركه إن شاء الله. فالوجه فيه أيضا أن يكون قوله : ” كأني بالراية على رأس هذا ” أي على رأس من يكون من ولد هذا ، بخلاف ما يقول الإسماعيلية وغيرهم : من أصناف الملل الذين يزعمون أن المهدي منهم فأضافه إليه مجازا ، على ما مضى ذكر نظائره ، ويكون أمره بطاعته وتصديقه ، وأنه يدرك حال إمامته .قال : وحدثني عبد الله بن جميل عن صالح بن أبي سعيد القماط قال : حدثني عبد الله بن غالب . قال : أنشدت أبا عبد الله عليه السلام هذه القصيدة : فإن تك أنت المرد الله عليه السلام هذه القصيدة : فإن تك أنت المرتجى للذي نرى فتلك التي من ذي العلى فيك نطلب فقال : ليس أنا صاحب هذه الصفة ، ولكن هذا صاحبها – وأشار بيده إلى أبي الحسن عليه السلام.
فالوجه فيه أيضا ما قلنا في الخبر الأول : من أن صاحب هذا من ولده دون غيره ممن يدعى له ذلك .
وقد روي السبب الذي دعا قوما إلى القول بالوقف .
فروى الثقات أن أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي طمعوا في الدنيا ، ومالوا إلى حطامها واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا مما اختانوه من الأموال ، نحو حمزة بن بزيع وابن المكاري وكرام الخثعمي وأمثالهم.
فروى محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن جمهور ، عن أحمد بن الفضل عن يونس بن عبد الرحمن قال : مات أبو إبراهيم عليه السلام وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته ، طمعا في الأموال ، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار . فلما رأيت ذلك وتبينت الحق وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام ما علمت ، تكلمت ودعوت الناس إليه ، فبعثا إلي وقالا ما يدعوك إلى هذا ؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك وضمنا لي عشرة آلاف دينار ، وقالا [ لي ]:كف . فأبيت ، وقلت لهما : إنا روينا عن الصادقين عليهم السلام أنهم قالوا : ” إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فإن لم يفعل سلب نور الايمان ” وما كنت لأدع الجهاد وأمر الله على كل حال ، فناصباني وأضمرا لي العداوة.وروى محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفار وسعد بن عبد الله الأشعري جميعا ، عن يعقوب بن يزيد الأنباري ، عن بعض أصحابه قال : مضى أبو إبراهيم عليه السلام وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ، وعند عثمان بن عيسى الرواسي ثلاثون ألف دينار وخمس جوار ، ومسكنه بمصر . فبعث إليهم أبو الحسن الرضا عليه السلام أن احملوا ما قبلكم من المال وما كان اجتمع لأبي عندكم من أثاث وجوار ، فإني وارثه وقائم مقامه ، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوارثه قبلكم وكلام يشبه هذا . فأما ابن أبي حمزة فإنه أنكره ولم يعترف بما عنده وكذلك زياد القندي . وأما عثمان بن عيسى فإنه كتب إليه إن أباك صلوات الله عليه لم يمت وهو حي قائم ، ومن ذكر أنه مات فهو مبطل ، وأعمل على أنه قد مضى كما تقول : فلم يأمرني بدفع شئ إليك ، وأما الجواري فقد أعتقهن وتزوجت بهن.
وروى أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ، عن محمد بن أحمد بن نصر التيمي قال : سمعت حرب بن الحسن الطحان يحدث يحيى بن الحسن العلوي أن يحيى بن المساور قال : حضرت جماعة من الشيعة ، وكان فيهم علي بن أبي حمزة فسمعته يقول : دخل علي بن يقطين على أبي الحسن موسى عليه السلام فسأله عن أشياء فأجابه . ثم قال : أبو الحسن عليه السلام : يا علي صاحبك يقتلني ، فبكى علي بن يقطين وقال : يا سيدي وأنا معه ؟ . قال : لا يا علي لا تكون معه ولا تشهد قتلي ، قال علي : فمن لنا بعدك يا سيدي ؟ فقال : علي ابني هذا هو خير من أخلف بعدي ، هو مني بمنزلة أبي ، هو لشيعتي عنده علم ما يحتاجون إليه ، سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ، وإنه لمن المقربين . فقال يحيى بن الحسن لحرب فما حمل علي بن أبي حمزة على أن برء منه وحسده ؟ قال سألت يحيى بن المساور عن ذلك فقال : حمله ما كان عنده من ماله [ الذي ] اقتطعه ليشقيه الله في الدنيا والآخرة ، ثم دخل بعض بني هاشم وانقطع الحديث.وروى علي بن حبشي بن قوني عن الحسين بن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال قال : كنت أرى عند عمي علي بن الحسن بن فضال شيخا من أهل بغداد وكان يهازل عمي . فقال له يوما : ليس في الدنيا شر منكم يا معشر الشيعة – أو قال : الرافضة – فقال له عمي : ولم لعنك الله ؟ . قال : أنا زوج بنت أحمد بن أبي بشر السراج قال لي لما حضرته الوفاة : إنه كان عندي عشرة آلاف دينار وديعة لموسى بن جعفر عليه السلام ، فدفعت ابنه عنها بعد موته ، وشهدت أنه لم يمت فالله الله خلصوني من النار وسلموها إلى الرضا عليه السلام . فوالله ما أخرجنا حبة ، ولقد تركناه يصلى [ بها ] في نار جهنم. وإذا كان أصل هذا المذهب أمثال هؤلاء ، كيف يوثق برواياتهم أو يعول عليها ! . وأما ما روي من الطعن على رواة الواقفة ، فأكثر من أن يحصى ، وهو موجود في كتب أصحابنا ، نحن نذكر طرفا منه.روى محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري ، عن عبد الله بن محمد ، عن الخشاب عن أبي داود قال : كنت أنا وعيينة بياع القصب عند علي بن أبي حمزة البطائني – وكان رئيس الواقفة – فسمعته يقول : قال لي أبو إبراهيم عليه السلام : إنما أنت وأصحابك يا علي أشباه الحمير . فقال لي عيينة : أسمعت ؟ قلت : إي والله لقد سمعت . فقال : لا والله ، لا أنقل إليه قدمي ما حييت .وروى ابن عقدة ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن عمر بن يزيد وعلي بن أسباط جميعا ، قالا : قال لنا عثمان بن عيسى الرواسي : حدثني زياد القندي وابن مسكان ، قالا : كنا عند أبي إبراهيم عليه السلام إذ قال : يدخل عليكم الساعة خير أهل الأرض . فدخل أبو الحسن الرضا عليه السلام – وهو صبي – . فقلنا : خير أهل الأرض ! ثم دنا فضمه إليه فقبله وقال : يا بني تدري ما قال ذان ؟ قال : نعم يا سيدي هذان يشكان في . قال علي بن أسباط : فحدثت بهذا الحديث الحسن بن محبوب فقال : بتر الحديث لا ولكن حدثني علي بن رئاب أن أبا إبراهيم عليه السلام قال لهما : إن جحدتماه حقه أو خنتماه فعليكما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، يا زياد لا تنجب أنت وأصحابك أبدا . قال علي بن رئاب : فلقيت زياد القندي فقلت له : بلغني أن أبا إبراهيم عليه السلام قال لك : كذا وكذا ، فقال : أحسبك قد خولطت . فمر وتركني فلم أكلمه ولا مررت به . قال الحسن بن محبوب : فلم نزل نتوقع لزياد دعوة أبي إبراهيم عليه السلام حتى ظهر منه أيام الرضا عليه السلام ما ظهر ، ومات زنديقا.وروى أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن صفوان بن يحيى ، عن إبراهيم بن يحيى بن أبي البلاد قال : قال الرضا عليه السلام : ما فعل الشقي : حمزة بن بزيع ؟ قلت : هو ذا هو قد قدم . فقال : يزعم أن أبي حي ، هم اليوم شكاك ، ولا يموتون غدا إلا على الزندقة . قال صفوان : فقلت فيما بيني وبين نفسي : شكاك قد عرفتهم ، فكيف يموتون على الزندقة ؟ ! فما لبثنا إلا قليلا حتى بلغنا عن رجل منهم أنه قال عند موته هو كافر برب أماته . قال صفوان : فقلت هذا تصديق الحديث.وروى أبو علي محمد بن همام ، عن علي بن رباح قال : قلت للقاسم بن إسماعيل القرشي وكان ممطورا أي شئ سمعت من محمد بن أبي حمزة ؟ قال : ما سمعت منه إلا حديثا واحدا . قال ابن رباح : ثم أخرج بعد ذلك حديثا كثيرا فرواه عن محمد بن أبي حمزة . قال ابن رباح : وسألت القاسم هذا : كم سمعت من حنان ؟ فقال : أربعة أحاديث أو خمسة . قال : ثم أخرج بعد ذلك حديثا كثيرا فرواه عنه.وروى أحمد بن محمد بن عيسى ، عن سعد بن سعد ، عن أحمد بن عمر قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول في ابن أبي حمزة : أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يهدى إلى عيسى بن موسى ، وهو صاحب السفياني . وقال : إن أبا إبراهيم عليه السلام يعود إلى ثمانية أشهر ، فما استبان لهم كذبه ؟.
وروى محمد بن أحمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن محمد بن سنان قال : ذكر علي بن أبي حمزة عند الرضا عليه السلام فلعنه ، ثم قال : إن علي بن أبي حمزة أراد أن لا يعبد الله في سمائه وأرضه ، فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون ، ولو كره اللعين المشرك . قلت : المشرك ؟ قال : نعم والله وإن رغم أنفه كذلك [ و ] هو في كتاب الله ( يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم ). وقد جرت فيه وفي أمثاله أنه أراد أن يطفئ نور الله.
والطعون على هذه الطائفة أكثر من أن تحصى لا نطول بذكرها الكتاب ، فكيف يوثق بروايات هؤلاء القوم وهذه أحوالهم وأقوال السلف الصالح فيهم . ولولا معاندة من تعلق بهذه الأخبار التي ذكروها لما كان ينبغي أن يصغى إلى من يذكرها لأنا قد بينا من النصوص على الرضا عليه السلام ما فيه كفاية ، ويبطل قولهم . ويبطل ذلك أيضا ما ظهر من المعجزات على يد الرضا عليه السلام الدالة على صحة إمامته ، وهي مذكورة في الكتب .ولأجلها رجع جماعة من القول بالوقف مثل : عبد الرحمن بن الحجاج ، ورفاعة بن موسى ، ويونس بن يعقوب ، وجميل بن دراج وحماد بن عيسى وغيرهم ، وهؤلاء من أصحاب أبيه الذين شكوا فيه ثم رجعوا . وكذلك من كان في عصره ، مثل : أحمد بن محمد بن أبي نصر ، والحسن بن علي الوشاء وغيرهم ممن ( كان ) قال بالوقف ، فالتزموا الحجة وقالوا بإمامته وإمامة من بعده من ولده.فروى جعفر بن محمد بن مالك ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر – وهو من آل مهران – وكانوا يقولون بالوقف ، وكان على رأيهم فكاتب أبا الحسن الرضا عليه السلام وتعنت في المسائل فقال : كتبت إليه كتابا وأضمرت في نفسي أني متى دخلت عليه أسأله عن ثلاث مسائل من القرآن وهي قوله تعالى : أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي. وقوله : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ). وقوله : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ). قال أحمد : فأجابني عن كتابي وكتب في آخره الآيات التي أضمرتها في نفسي أن أسأله عنها ولم أذكرها في كتابي إليه ، فلما وصل الجواب أنسيت ما كنت أضمرته ، فقلت : أي شئ هذا من جوابي ؟ ثم ذكرت أنه ما أضمرته.أقول :لا يكفي أن يكون علي بن أبي حمزة وزياد بن مروان القندي طمعا بالمال الذي عندهم قالوا بالوقف على الإمام الكاظم لغرض التخلص من تبعة تسليم المال إلى الإمام الرضا عليه السلام فيقتنع بقولهم أمثال جميل بن دراج وإضرابه على إني بحثت في أحوال جميل بن دراج فلم أجد أحداً نسبه إلى الوقف سوى عبارة الشيخ الطوسي السابقة ولا نعرف من أين أتى بها الشيخ الطوسي ومن أي مصدر نقلها فالكشي الذي طريقته في ذكر الراوي أن يورد الأحاديث الواردة في مدح وذم الرجال لم يذكر شيئا من ذالك عند ذكره لجميل بن دراج وكذالك من جاء بعده وبالتالي لا يمكن قبول كلام الشيخ الطوسي المار ذكره والغريب أن السيد الخوئي والشيخ التستري عند ترجمتهما لجميل بن دراج لم يتعرضا لدفع هذه التهمه عن ابن دراج لا من قريب ولا من بعيد رغم قبولهما روايته . والذي نراه انه من الأسباب الأخرى التي قد تكون عوامل إضافية أدت إلى القول في الإمام الكاظم عليه السلام بما قيل غير ما ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله هو :
أولاً : تعرض الإمام الكاظم للسجن وغيبته عن شيعته وربط هذا الموضوع بالغيبة التي جاءت الأحاديث أنها تقع بالقائم فربما تصور البعض أن تغيب الإمام الكاظم بالسجن وعزلته عن شيعته هو مصداق للغيبة التي جاءت الأحاديث أنها تقع بالقائم المهدي .ثانيا : ورود أحاديث تصف الإمام الكاظم بالقائم وهو معنى صحيح كما أشار إليه الشيخ الطوسي حيث إن كل من يقوم بالإمامة بعد الإمام السابق فهو قائم ولكن تمسك البعض بها اللفظ من دون الالتفات إلى المقصود منه أوقع بعضهم في هذا الإشكال كذلك القول في لفظ صاحب هذا الأمر أو غيرها من الألفاظ التي يمن أن تحمل على غير المعنى المراد منها.
ثالثاً : دور السلطة في هذا الأمر ونحن وإنا كنا لا نملك دلائل صريحة لكن يمكن أن يستنتج هذا من حيث إن هذا الأمر يصحب بالتالي بخدمة السلطة من حيث تشتيت وتمزيق شيعة الإمام وتشويه العقيدة الصحيحة في الإمام المهدي عليه السلام وتجسد ذلك بمنادات الحماليين الذين حملوا نعش الإمام عليه السلام الخارج من السجن بان هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافظة إنه حي لا يموت ,فما معنى هذه المناداة بان الرافظة تزعم مع أن القائلون بذلك شرذمة قليلة.
رابعا : غلو البعض في الإمام عليه السلام ودائما يوجد في حياة الشخصيات سواء كانت إلهية أم لا من يغالي فيهم سواء كان ذلك نتيجة جهله وخلل تفكيره أم انه يسعى من وراء ذلك لإغراض ومصالح أخرى قد يلبسها بلباس التقديس والمحبة لهذه الشخصية وهذا موجود في حياة الأئمة عليهم السلام حيث نشأت فرق مغالية قالت في الأئمة ما لم يقولوه كالمغيرية والخطابية وغيرها .