لقد واجه الإمام الكاظم عليه السلام جميع الخلفاء الذين عاصروه وهم المنصور والمهدي والهادي وهارون ، على الرغم من قوة وطغيان وجرأة هؤلاء الخلفاء وبغضهم الشديد للعلوين ، وقد أستمرت إمامته عليه السلام 35 سنة من عام 148 هجري الى183 هجري ، ولم يترك الإمام الكاظم عليه السلام فرصة إلا واستغلها في إظهار بطلان حكم بني العباس وأحقيته في الخلافة ، لقد طلب المنصور العباسي من الإمام الكاظم عليه السلام في عيد نوروز ( عيد العجم) أن يجلس للتهنئة وأستقبال رجال الجيش إذ أن أغلبهم من الفرس والترك وكانوا يكنون الأحترام والحب للإمام فأراد المنصور أن يضرب عصفورين بحجر واحد ، ولكن الإمام رفض لما عرف أن المنصور لديه غرض إذ يريد أن يضفي على نفسه الشرعية ويوهم الناس بأنه يحب الإمام الكاظم ، وبذلك يكسب قلوب شيعته فقال الإمام للمنصور ( إني فتشت الأخبار عن جدي رسول الله فلم أجد لهذا العيد خبرا وأنه سنة للفرس ومحاها الإسلام ومعاذ الله أن بحي مامحاه الإسلام ) ……(1) ، ولما ورد أبو الحسن الكاظم عليه السلام على المهدي العباسي رآه يرد المظالم فقال ما بال مظلمتنا لا ترد ؟ المهدي العباسي وما ذاك يا ابا الحسن ؟ الإمام ( إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه فدك وما والاها لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه أن أدفع فدك الى فاطمة الزهراء فلم يزل وكلاء فاطمة فيها في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما ولى ابو بكر أخرج عنها وكلاءها فأخذها منها غصبا )
المهدي يأ ابا الحسن حدها لي ، الإمام ( حد منها جبل أحد وحد منها عريش مصر وحد منها سيف البحر وحد منها دومة الجندل ) ، المهدي كل هذا ؟ الإمام ( نعم هذا كله مما لم يوجف أهله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيل ولا ركاب ، المهدي كثير هذا سأنظر فيه ، وكان الإمام الكاظم عليه السلام يحذر الناس من معاونة الحكام ويدفعهم الى مواجهتهم وعدم الركون إليهم ، فهذه ثورة الحسين بن علي الخيرضد موسى الهادي الخليفة العباسي التي ساندها الإمام عليه السلام وبشر صاحبها بالشهادة وأوصاه بالقوة والصبر بعد أن استأذنه في الخروج قائلا له ( إنك مقتول فأحد الضراب فإن القوم فساق يظهرون إيمانا ويضمرون نفاقا وشركا فإنا لله وإنا إليه راجعون وعند الله عز وجل أحتسبكم من عصبة)…..(2 ) ، وبعد مقتل الهادي والذي خطط له الخيزران أم هارون ونفذه يحيى البرمكي ورجاله استلم الحكم هارون العباسي وعاث في الأرض الفساد وأكثر في العلوين القتل والتعذيب والتشريد والسجون ، وبالرغم من كل هذا فقد واجه الإمام الكاظم عليه السلام هارون الرشيد في مرات عديدة ويثبت له بطلان حكمهم وأحقيتهم بالخلافة والسلطان لأنهم الأئمة المفترض الطاعة بالإضافة الى أنهم أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه بعض المواجهات ، يوما ما سأل هارون الرشيد الإمام الكاظم عليه السلام كيف قلتم نحن ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنتم بنو علي ، وإنما ينسب الرجل الى جده لأبيه دون جده لأمه .؟ فكيف يقال لكم أولاد رسول الله وأنتم أولاد علي بن ابي طالب ؟ الإمام ( لأن الله تعالى سمانا أولاد رسول الله في كتابه ) ، الرشيد واين هذا ؟ ، الإمام ( قال الله تعالى ( ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف موسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى …)….( 3)
وليس لعيسى أب وإنما ألحق بذرية الأنبياء من قبل أمه مريم وكذلك ألحقنا بذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل أمنا فاطمة وقال الله تعالى ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم …)…. ( 4) ولم يدع النبي عند المباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين وهم الأبناء…. ( 5) ، وعندما أُدخل الإمام على هارون ، قال هارون : ما هذه الدار ؟ فقال الإمام : (هذه دار الفاسقين ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق …..)…. (6) هارون : فدار من هي ؟ الإمام ( هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة ) ، هارون : فما بال صاحب الدر لا يأخذها ؟ الإمام : أُخذت منه عامرة ولا يأخذها إلا معمورة ، هارون : فأين شيعتك ؟ الإمام : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ) …..( 7) ، هارون : فنحن كفار ، الإمام : لا ولكن كما قال الله ( الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار)…..( 8) فغضب هارون وتعجب من جرأة وشجاعة الإمام الكاظم عليه السلام ……( 9) ، فلم يشغل الإمام الكاظم عليه السلام طغيان بني العباس عن نشر علوم آل محمد صلوات الله عليهم بل استمر في إلقاء المحاضرات والدروس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وىله وسلم ، وكان يامر طلابه في تدوين العلم وبثه ما بين الناس ، لأن العلم هو الأداة الوحيدة لمحاربة الجهل وسياسة التجهيل التي يشنها بني العباس ، وقد واجه الإمام الكاظم عليه السلام الإنقسامات التي واجهت المذهب كألخطابية والزيدية والفطحية بالإضافة للإسماعلية بالرغم من الوضع السياسي الخطر بسبب حكم بني العباس الجائر ولكن الإمام عليه السلام أظهر علمه وفضائله بمختلف المناسبات لكي يقدم للأمة الدليل الواضح على إمامته وإمامة ابائه عليه السلام وكذلك ابنائه سلام الله عليهم أجمعين ، فكانت حججه الواضحة مع ابي حنيفة وكذلك القاضي أبي يوسف وابو الحسن الذي أخبرهم بموت السجان وقد مات في نفس الليلة التي اخبر عنها الإمام عليه السلام وإحياءه للبقرة التي ماتت ولا تملك صاحبتها إلا هذه البقرة و إخبار شقيق البلخي بما يضمر في نفسه ثلاث مرات وغيرها من الكرامات والفضائل التي رافقت حياة الإمام الكاظم عليه السلام ، ولم تشغله ملاحقة السلطات ولا قضبان السجون عن قضاء الحوائج وإدارة شؤون الأمة بل كان يرسل الأموال للعوائل الهاشمية والشيعية المتضررة بسبب سياسية بني العباس الجائرة ضد الموالين لأهل البيت عليهم السلام حتى صرخ النمامين والمنافقين في إذن هارون الرشيد إن على الأرض خليفتين موسى بن جعفر وهارون الرشيد ،
وأما قصته مع علي بن يقطين دليل واضح على مراقبة شؤون الأمة عن كثب ودفع الضرر عن الموالين في اصعب الأحوال والظروف ، حتى ياس الجلادون والطغاة من مواجهته فابعدوه عن الأمة كما يعتقدون في الطوامير المظلمة التي لا يعرف من ليلها عن نهارها لظلمتها ، ولكن تغافل الجاهلون بأن أئمة الهدى عليهم السلام للعبادة عاشقون وأفضل من هذه الأماكن لعبادتهم لا يطلبون وهذا ما كان يطلبه الإمام عليه السلام في دعاءه وقد استجاب الله لدعاءه على أيدي هؤلاء الطغاة ، وبالرغم من سجنه وأبتعاده بجسده عن الأمة لكن بقى الإمام عليه السلام في قلوب العاشقين والموالين وطلاب العلم والحق والحقيقة النور الذي به يهتدون ومن ضياءه يتغذون ، ولكن حتى هذه السجون وهذه الطوامير لم تحمي حكام بني العباس من قوة وشجاعة وجرأة وكرم وعلم الإمام الكاظم عليه السلام فلم يكن أمامهم إلا سلاح الغدر والجبن والخيانة الذي قال فيه معاوية بن أبي سفيان ولله جنودٌ في العسل ، فقد دس الطاغية هارون السم للإمام الكاظم عليه السلام وهو في سجن السندي بن شاهك ، واستشهد سلام الله عليه عام 183 هجري بسبب هذا السم بعد معانات السجون التي أمتدت لأكثر من 15 سنة فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .
(1) مقاتل الطالبيين- أبو فرج الأصفهاني ص104 ، بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج48ص108(2) مقاتل الطالبيين – أبو فرج الإصفهاني ص298 ،تهذيب المقال في تنقيح كتاب رجال النجاشي – السيد محمد علي الأبطحي ص421 (3) سورة الأنعام آيات 85-86(4) سورة آل عمران آية 62(5) بحار الأنوار ج48 ص123-124(6) سورة الأعراف آية 146(7) سورة البينة آية 1(8) سورة إبراهيم آية 28(9) بحار الأنوار- العلامة المجلسي ج48ص138