انطلق الإمام ابو عبدالله عائداً الى اصحابه، وقد علت على ثغره ابتسامة فبادره أصحابه قائلين:
(( أسرك الله، وجعلنا فداك، يا سيدنا ما فعلت حميدة؟)). فبشرهم بمولوده المبارك، وعرفهم عظيم أمره قائلاً:
(( قد وهب الله لي غلاماً، وهو خير من برأ الله))، ثم قال لهم:(( فدونكم، فوالله هو صاحبكم)).
وكانت ولادته في “الأبواء” سنة “١٢٨ هج”، في أيام حكم عبدالملك بن مروان.
سجل لنا الشيخ المعاصر، الباحث والمحقق في التاريخ،” باقر شريف القرشي”. آراء وأقوال كبار العلماء والمؤلفين، في كتابه”حياة الامام موسى بن جعفر/ج١”، وهي مليئة بالاكبار والتعظيم للإمام موسى بن جعفر عليه السلام، من هؤلاء العلماء:
أولاً – ابن الجوزي:( موسى بن جعفر كان يدعا العبد الصالح، وكان حليماً وكريماً إذا بلغه عن رجل ما يؤذيه بعث إليه بمال).
ثانياً – محمد لن احمد الذهبي:( كان موسى من أجود الحكماء، ومن العباد الأتقياء، وله مشهد معروف ببغداد).
ثالثاً – ابن حجر العسقلاني:( موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابو الحسن الهاشمي المعروف بالكاظم، صدوق عابد).
رابعاً – علي بن محمد المالكي الشهير بابن الصباغ:( وأما مناقبه، وكراماته الظاهرة، وفضائله وصفاته الباهرة، تشهد، له بأنه اقترع قبة الشرف وعلاها، وسما الى أوج المزايا، فبلغ أعلاها وذللت له كواهل السيادة فامتطاها، وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فاصطفاها).
خامساً – الفضل بن الحسن الطبرسي: ( قد اشتهر بين الناس ان أبا الحسن موسى كان أجل ولد الصادق شأنا، وأعلاها في الدين مكانا، وأفصحهم لسانا، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأفقهم..).
حتى هارون العباسي- الذي هو أعدى اعدائه- اعترف بمواهب ومناقب الإمام عليه السلام، وقد صرح بأن الإمام أحق منه بالخلافه من غيره، فحينما سأله ولده المأمون عن اكباره وتقديره للإمام”ع”، فقال له:
(( يا بني: هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه، وخليفته على عباده، أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وانه والله لأحق بمقام رسول الله”ص” مني ومن الخلق جميعا، ووالله لو نازعني في هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناه فان الملك عقيم))، وأضاف الى ذلك قوله:( يا بني هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر ان أردت العلم الصحيح تجده عند هذا).
لقد صدق هارون بهذا القول، فمن أجل حرصه على الملك، وبسبب سمو شخصية الإمام عليه السلام، وحقد هارون عليه، قام بسجنه سنين طويلة، ثم دس اليه السم.
يقول الشيخ باقر شريف القرشي”رض”:
(( لقد عانى الإمام أقسى الوان الخطوب والتنكيل، فتكبيل بالقيود، وتضييق شديد، وأذى مرهق، وبعد ما صب عليه الرشيد جميع النكبات الموجعه دس اليه سماً فتاكاً، فقضى عليه، ومضى لربه شهيداً سعيداً)).
مضى الإمام الى ربه، مظلوماً مسموماً شهيدا، على يد الملك هارون العباسي، وكان ذلك في سنة”١٧٣” من الهجرة، لخمس بقين من شهر رجب، وعمره الشريف كان يوم وفاته، خمساً وخمسين سنة، وكان مقامه منها مع أبيه، عشرين سنة، وبعد أبيه خمساً وثلاثين سنة