ليس هناك أروع من مداوة الإنسان، لثورة غضبه بلجوئه الى العبادة، خاصة مع قلة المعين، وخذلان الناصر، في وقت عاشت الأمة الإسلامية، أخطر فتراتها العصيبة، متمثلة بالمنافقين الذين انحرفوا بالدين، صوب أيام السقيفة المظلمة، على أن اهل بيت النبوة (عليهم السلام)، قرروا ضبط النفس، إمتثالاً لأمره سبحانه وتعالى، وبما أن الغضب شر، إن أطلقته دمر، فقد كظم الإمام الحسن (عليه السلام)، غيظه حقناً لدماء المسلمين، وليهيئ الأمة لواقعة، ستدون تأريخاً يكتب إنتصار الدم على السيف!
حلم الإمام الحسن (عليه السلام)، إمتداد طبيعي لحلم والده أمير المؤمنين، ويعسوب الدين في إصلاح الدين، وإقامة العدل، بمنطق الحكمة، والنزاهة، والمساواة، والصبر على الشدائد، التي يدرك منها أنهم أهل لتحملها، رغم أنوف المارقين والناكثين، فلم يحكموا بمنطق القوة، والقمع، والفكر المنحرف، ونشر البدع، والإنحراف بالأمة، فلا أحد ينكر ما حدث، في واقعة الجمل، من رفع للمصاحف، وإستمالة صبر الإمام علي (عليه السلام)، لأنهاء نزاع القوم حول القميص، فكان النفاق يوم الجمل ومن صعدت عليه!
بعض من المسلمين، كان ينادي الإمام الحسن، ويقول: السلام عليك يا مذل المؤمنين، في إشارة لصلحه مع معاوية عليه اللعنة، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، إن يقولون إلا كذباً، فهذا الموقف إنما ليس بأهون من ترك أصحاب السقيفة، لرسوله يحتضر، ويرفضون إحضار قلم ودواة، ويقال إن الرجل يهجر! اما موقف السبط الحسن، فهو على قدر كاف من الدراية والحكمة، من أن الأمة لا تقف معه جملة وتفصيلاً، فالدراهم والدنانير، باتت بديلاً عن الدين، وأحكامه، وتعاليمه!
جعدة تلك الزوجة الملعونة، التي يعرف الإمام الحسن، أنها مَنْ سيقدم طبق المنية على يدها، ليتقطع كبد كريم آل محمد تقطيعاً، جراء سم صنع خصيصاً لمعاوية، لتقديمه للإمام الحسن (عليه السلام) والتخلص منه، لأنه كان مثالاً للتسامح والحلم الإنساني، في التعامل الاجتماعي، الذي سلكه مع الناس وتجمعهم حوله، مما أغاض معاوية وعصابته، التي أوجعت القلوب، وأحزنت النفوس في موقف جديد، للمبغضين علياً، وهو رمي نعش الحسن بالسهام، فبالأمس كان النفاق على جمل، واليوم على بغل!
إستعادة لحظات مدرسة الإمام الحسن (عليه السلام)، وأحاديثه، ووصاياه بتهيئة الأرضية المناسبة، لمواجهة التحديات، وحمل هموم الامة، والدفاع عنها مهما كان الثمن، كيف لا؟ وسيكون أخوه الإمام الحسين مستعداً، لأعظم ملحمة أعدها الباريء عز وجل للبيت العلوي، والذين تقبلوها دون غيرهم من العباد الصالحين، فأعد الناس بإتجاه قضية كربلاء، وعليه فالصلح مع معاوية ليس ذلاً أو إستسلاماً، بل هو النأي بالأمة عن الهلاك، لأننا ندرك جيداً حجم المؤامرة الأموية، بحضور الراكبين على الجمل أم البغل!