23 ديسمبر، 2024 1:33 ص

الإمام الحسن.. عنوان الكرم والخير والحلم الذي جفته الأمة

الإمام الحسن.. عنوان الكرم والخير والحلم الذي جفته الأمة

لا يختلف اثنان من المؤرخين المنصفين والأحرار في تأكيدهم أن تاريخ الأمة الاسلامية كتب بأقلام بنو أمية تلك الشجرة الملعونة على لسان الله سبحانه وتعالى ورسولة الحبيب المصطفى محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهل بيته وصحبه الأخيار، فكانوا نبراس تحريف وتزييف وتزوير كل ما يتعلق بأهل بيت العصمة والطهارة، وكان للإمام الحسن بن علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين عليهما السلام الحظ الأوفر والأكثر من سائر أئمة الهداة والرسالة السماوية.. حتى صدقها الكثير من الخاصة وباتوا غير منصفين مع أبا محمد ويأخذون عليه “معاهدة الصلح” التي قامت بينه وبين الطليق أبن هند آكلة الأكباد “معاوية بن أبي سفيان” في 26 ربيع الأول سنة 41 للهجرة، حقناً لدماء المسلمين ودفعاً للفرقة والنفاق والتشتت والانقسام واندحار الرسالة النبوية الشريفة.

روى أبن عساكر بإسناده عن حذيفة بن اليمان: “انّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: ألا انّ الحسن بن علي قد أعطي من الفضل ما لم يعط أحدٌ من ولد آدم ما خلا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله” – (ترجمة الإمام الحسن ص ۱۲۱ رقم ۱۹٤ ، ورواه أبو نعيم في أخبار أصبهان ج ۲ ص ۲٤۲). وروى المتقي عن عائشة : “أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يأخذ حسناً فيضمّه إليه، ثمّ يقول : اللهم انّ هذا أبني وأنا أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه” – (كنز العمال ج ۱۳ ص ٦٥۲ رقم ۳۷٦٥۳ ، رواه ابن عساكر في حياة الإمام الحسن من تاريخ مدينة دمشق ص ٥٦ رقم ۹۸ ، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد ص ۱۷٦. ورواه البدخشي في مفتاح النجا ص ۱۷۳).

تذكر كتب السيرة أن رسول الله لم يفصل بين الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام في الفضل والمحبة، فقد كان صلوات الله عليه يقول (في ما رواه السنّة والشيعة)، “الحسنُ والحسينُ سيِّدا شبابِ أهل الجنّة””- أخرجه البخاري ومسلم، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه: 1 ص 26، ومسند أحمد، وباقي مسند المكثرين، ومسند أبي سعيد الخدري 11200 و 10616و11224 و…، وكان الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة والتحية والسلام يقول وهو يشير إليهما: “اللهمَّ أبغضْ من يبغضهما”. وهكذا كان يقول:”من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني”- لسان العرب (ج 12 / ص 522)، والألباني في السلسلة الصحيحة، الرقم: 2895، وأخرجه النسائي في (السنن الكبرى) رقم 8168، وابن ماجه (143)، وأحمد (7876)، ومجلسان من أمالي أبي محمد الجوهري – رقم 25، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي رقم 74، وفي سير أعلام النبلاء : ج 3 ص 168، والسلسلة الصحيحة ” 6 / 931 :أخرجه أحمد في ” المسند ” (2 / 440) و في “الفضائل” (2 / 777 / 1376) ومن طريقه الحاكم (3 / 166) والبزار (3 / 227 / 2627).

روى أنس بن مالك: جئت أمطي الحسن والحسين عن رسول الله، فقال: ويحك يا أنس! دع ابني فؤادي، فإن من آذى هذا فقد أذاني، ومن آذاني فقد آذى الله (كنز العمال للهندي: 6 / 222، أخرجه الطبري).. فما السر في أن يؤكد رسول الرحمة (صلى الله عليه وآله) إن حبه متعلق بحب الحسنين وأبويهما في أحاديث جمة؟!.. فأبوهما علي بن أبي طالب قائد الغر المحجلين ووصي رسول رب العالمين دون فصل وحديث الغدير خير شاهد على ذلك، وأمهما فاطمة الزهراء سيِّدة نساء العالمين ريحانة خاتم المرسلين وأم أبيها المصطفى الأمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام والذي نعيش هذه الأيام ذكرى مولده المبارك والميمون، سر الروح في آفاقها الواسعة الصافية النقية المنفتحة على الله عزوجل، وعمق الانسانية المتحركة بالخير والحق والعدل كله.. هو معنى الحكمة في مواجهة حركة الواقع في سلبياته وايجابياته، وشمولية العطاء في رعاية المحرومين من حوله، وسموّ الأخلاق الّتي تحتضن كل مشاعر الناس بكل اللهفة الحانية في مشاعرها، وتتحرك في مواقع العصمة في سلوكه في نفسه ومع ربه ومع الناس ومع الحياة.. هو ثاني أئمَّة أهل البيت الطاهرين عليهم السلام، وأول السبطين، وأحد سيَّدي شباب أهل الجنَّة، وأحد ريحانتي رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الميامين، وأحد الخمسة من أصحاب الكساء عليهم السلام.

جاء عن السيوطي في تدريب الراوي، إنّ مشكلة كبيرة حلت بالمسلمين في عهد عمر بن الخطاب حيث منع الناس من كتابة أحاديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، بذريعة الخوف من الخلط بين تلك الأحاديث وبين القرآن الكريم!!، وبذلك خسرت الأمة وحتى يومنا هذا وبتعمد الكثير من تراث خاتم المرسلين مما ضاع في صدور الناس الذين فارقوا الدنيا دون أن يُدوِّنوا ما حفظوه عنه.

رأى أمير المؤمنين الامام علي وولده الامام الحسن (عليهما السلام) في ذلك خطراً على الاسلام والمسلمين، لأنّ سنّة الرسول صلوات الله عليه تمثّل عِدل كتاب الله في القاعدة الإسلامية على مستوى العقيدة، ففيها تفصيل ما أجمله القرآن الكريم، وفيها توضيح ما أبهمه، لذلك كانت كتابة السنّة الثابتة عن خاتم المرسلین الصادق الأمين تمثل توثيقاً للاسلام الحقيقي في عقيدته وشريعته، بالدرجة التي يمكن أن يجد فيها المسلمون ما يعينهم على حلِّ الخلافات والمنازعات الناشئة من ضياع بعض أحاديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الأخيار، وهذا هو الخط الاسلامي في حركة الثقافة في حياة الانسان المسلم.

الرافضون للآخر لا يمكنهم قبول التصدي لانحرافهم وتزييفهم للرسالة السماوية السمحاء الداعية للمحبة والمودة والتعايش السلمي والتعاضد والتكاتف والتوحيد والمساواة والعدالة؛ فجعلوا من الاسلام سيفاً يقطع الرؤوس، ومفخخات تفجر الناس الأبرياء، وسلاحاً لتدمير البلاد والعباد خدمة للمشروع الصهيوني العالمي “الإسلاموفوبيا” بأموال بترول الأمة وفتاوى وعاظ بلاطهم مرتزقي فتات ريالهم ودرهمهم ودولارهم، فباتوا حتى يومنا هذا يبيعون ويشترون بفتاويهم المنحرفة والمزيفة التي لا تنم للإسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، دماء الناس باثمانٍ رخيصة دون خوف أو فزع أو وجل من الله سبحانه وتعالى .

ذكرت كتب السيرة ومنه ما رواه آنس بن مالك “أنَّ الأمام الحسن كان أشبهَ الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) خَلْقاً وخُلُقاً، وكان الناس إذا اشتاقوا الى رسول الله بعد غيبته، فإنَّهم كانوا ينظرون الى الحسن ليجدوا فيه شمائل جده”.. كما عرف الامام الحسن المجتبى بالكرم والجود بين الناس جميعاً من مسلمين وغيرهم، فقد قال ابن الصبّاغ: الكرم والجود غريزة مغروسة فيه (في الإمام الحسن بن علي)، واتصال صلاته نهج ما زال يسلكه ويقتفيه المتقون.. وروى ابن عساكر بإسناده عن شهاب بن عامر: أنّ الحسن بن علي عليه السلام قاسم الله تعالى ماله مرّتين حتى تصدّق بفرد نعله. وروى عن ابن سيرين: أنّ الحسن بن علي كان يجيز الرجل الواحد بمائة ألف.. وروى عن سعيد بن عبد العزيز: أن الحسن بن علي بن أبي طالب، سمع إلى جنبه رجلاً يسأل أن يرزقه الله عشرة آلاف درهم فانصرف فبعث بها إليه؛ والحديث يطول في ذلك لا يتسع مقالنا هذا كلها.

ويؤكد الرواة أن من أبرز صفات الامام الحسن بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين التي عرف بها صفة الحلم، حيث اشتهر عنه أنه (حليم أهل البيت)- ولابد لنا أن نشير إلى أن أهل البيت عليهم السلام كلهم يتصفون بالحلم- إلا أن الظروف التي عاشها الإمام الحسن اقتضت وساعدت على بروز هذه الصفة في شخصيته بشكل أجلى وأوضح، فالامام كان يواجه تشنجات واستفزازات من جهتين:

الجهة الأولى: خارجية، وتتمثل في معاوية بن أبي سفيان، وجبهة الشام، حيث سعى بكل جهده وقوته، وإمكانيات سلطته وحكمه، إلى أن يشوّه سمعة الإمام الحسن، لعزله شعبياً، فعمل على إثارة الدعايات والإشاعات الكاذبة والمغرضة على الامام (ع)، وعلى أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، واستطاع نتيجةً لذلك أن يوجد تياراً في الشام يكره أهل بيت العصمة والطهارة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (سورة الأحزاب الآية 33)، حتى ان بعضهم صدق أن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين لم يكن يصلي!!، لذلك بان عليهم الاستغراب عندما سمعوا أنه قتل في محراب مسجد الكوفة وهو قائم يصلي بالمسلمين.

الجهة الثانية: داخلية، حيث إن قرار الامام الحسن عليه السلام بوثيقة الصلح مع معاوية بن هند آكلة الأكباد وصاحبة الراية الحمراء، تلك التي فرضتها عليه الظروف، ورعاية لمصلحة الأمة الاسلامية، أثار مشاعر بعض المحيطين بالإمام أبا محمد الحسن بن علي عليه السلام)، ونظروا الى “وثيقة الصلح” على أنها موقف ذل وخنوع واستسلام، فراحوا يوجهّون لومهم العنيف، وعتابهم الشديد، وبعبارات مسيئة وغير لائقة.

كانت هذه الشلة من الخاصة ناهيك عن العامة، ولا تزال غير واعية لأسباب ذلك، وعقولها مليئة بأكاذيب وأقاويل ووساوس بنو أمية الطلقاء.. أنها بعيدة كل البعد عن حقيقة أن الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام قاما بأداء رسالة واحدة.. نصفها أداه الإمام الحسن بالاعداد الكامل وتهيئة الأرضية اللازمة، ونصفها الآخر قام بأدائه سيد الشهداء بقيامه المقدس الدامي في ثورة عاشوراء.

كانت مسؤولية الامام الحسن مهمة للغاية وصعبة جداً، وربما أصعب من مسؤولية الإمام الحسين، ذلك لأن مسؤولية الاعداد أصعب من تفجير النهضة والقيام المسلح، ولأن الشخص الذي يريد بناء وتربية جيل على المفاهيم الصحيحة، فمن دون شك وترديد لابد من أن يلاقي صعوبات عديدة، وربما يهان، كما أنه يحتاج الى برنامج منظم وزمان طويل ومخطط دقيق على المدى البعيد، والكوادر الصالحة والتقية والاحتياط من أجل المحافظة على هذا الجيل في حال الإعداد والبناء، وعوامل البقاء خلال عشرين أو ثلاثين سنة أو أكثر، وأخيراً فهو بحاجة للاستعداد الكامل لتحمل الكلمات الجارحة وأن يكون بعيداً عن كل مدح وثناء.

[email protected]