تعتبر المرحلة التي صالح فيها الإمام الحسن ع معاوية بن أبي سفيان من أصعب مراحل حياة الإمام وأكثرها تعقيدا وأشد ها إيلاما ، وأصبح الصلح من أهم الأحداث التي وقعت في التاريخ الإسلامي بما تستبطنه من موقف بطولي للإمام المعصوم ، وبما أدى إليه من تطورات واعتراضات وتفسيرات مختلفة طوال القرون السالفه وحتى عصرنا الحاضر ، وقد انبرى باحثون من الطراز الممتاز أمثال المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والشيخ راضي آل ياسين والشيخ باقر شريف القرشي للكتابة عن الإمام وصلحه الذي قام به من أجل الإسلام ، حيث رأى الإمام خيانات جيشه والمحيطين به ونفاقهم ، وعلم بعدم ثباتهم وصمودهم في مواجهة العدو ، ومع انكشاف ماتنطوي عليه ضمائرهم من رغبات ، ولكي يتم الحجة عليهم قال في خطبة له ( عليه السلام ) (( ويلكم والله إن معاوية لايفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي ، وإني أظن ان وضعت يدي في يده فأسلمه لم يتركني أدين بدين جدي ، وإني آقدر أن أعبد الله عز وجل وحدي…….))، ومن خلال كل الأحداث التي حدثت لم يبقى إلى الأمام الحسن ( عليه السلام ) سبيل غير قبول الصلح ، وترك أمر الحكم لمعاينة فترة من الزمن ، وانه ( عليه السلام) لم يعترف به رسميا باعتباره خليفة وحاكم للمسلمين ، ومن أسباب الصلح ماروي عن أبي سعيد الذي سأل الإمام الحسن ( عليه السلام ) عن السبب الذي دفعه للصلح مع معاوية مع علمه انه على حق وان معاوية ضال ظالم ، فأجابه الإمام( عليه السلام ) (( يا أبا سعيد الست حجة الله تعالى ذكره على خلقه ، وإمام عليهم بعد أبي ( عليه السلام ) ؟ قلت : بلى ، قال: الست الذي قال رسول الله ( ص) لي ولأخي : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ؟ قلت : بلى ، قال : فأنا إذن أمام لو قمت ، وأنا أمام إذا قعدت ، يا أبا سعيد علة مصلحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) لبني ضمرة وبني أشجع ، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية واصحابه كفار بالتأويل ، ……..)) وهنا حاول معاوية أن يظهر نفسه بأنه رجل مسالم يدعو إلى الإسلام والصلح ، من خلال رسالته إلى الأمام الحسن التي يدعوه فيها إلى الصلح ، مهما كانت شروط الإمام ، واعتبر الباحثون أن الخطاب السلمي لمعاوية كان أخطر حيلة فتت عضد الإمام( عليه السلام ) ، الأمر الذي أزم ظروفه ( عليه السلام ) ولم يكن للإمام خيار غير قبول الصلح ، وفي هذا الصدد يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:(( ……فوجد أي الإمام الحسن ( عليه السلام ) -أن لو رفض الصلح وأصر على الحرب فلا يخلو : إما أن يكون هو الغالب ومعاوية المغلوب ، وهذا وإن كانت تلك الأوضاع والظروف تجعله شبه المستحيل ، ولكن لو كان بالفرض هو الواقع ، ولكن هل مغبة ذلك إلا تظلم الناس لبني أمية ؟ و ظهورهم بأوجع مظاهر المظلومية ؟ فماذا يكون موقف الحسن إذآ لو افترضناه هو الغالب ؟
أما لو كان هو المغلوب فأول كلمة تقال من كل متكلم : إن الحسن هو الذي ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فإن معاوية طلب منه الصلح الذي فيه حقن الدماء فأبى وبغى ، وعلى الباغي تدور الدوائر ، وحينئذ يتم لمعاوية وأبي سفيان ما أراد من الكيد للإسلام وأرجاع الناس الى جاهزيتهم الأولى وعبادة آللات والعزى ، بل كان نظر الامام الحسن ( عليه السلام) في قبول الصلح أدق من هذا وذاك ، أراد أن يفتك به ويظهر خبيئة حاله ، وما ستره في قرارات نفسه قبل أن يكون غالبا أو مغلوبا .وما صنع الإمام الحسن بمعاويه في صلحه ، وكيف هد جميع مساعيه وهدم كل مبانيه حتى ظهر الحق وزهق الباطل ، وخسر هنالك المبطلون ، فكان الصلح في تلك الظروف هو الواجب المتعين على الحسن ، كما أن الثورة على ( يزيد ) في تلك الظروف كان هو الواجب المتعين على أخيه الإمام الحسين ( عليه السلام) ، كل ذلك للتفاوت بين الزمانين ، والاختلاف بين الرجلين اي معاوية وابنه .
ولولا صلح الحسن الذي فضح معاوية ، وشهادة الإمام الحسين التي قضت على يزيد وانقرضت بها الدولة السفيانية بأسرع وقت ، لذهبت جهود جدهما بطرفة عين ، و لصار الدين دين آل ابي سفيان دين الغدر والفسق والفجور ، دين إبادة الصالحين واستبقاء الفجرة الفاسدين.