واجهت العترة الطاهرة أشق المحن والخطوب والرزايا، بعد وفاة النبي (عليه وعلى أله الصلاة والسلام) والجرح لما يندمل، فبدأ الليل يحتكر السلطة، محاولاً إقتحام الساحة، تاركين كتاب البارئ عز وجلن وأهل بيت النبوة، فحل النفاق والشقاق في أمة الإسلام، فأنبرى الإمام الحسن (عليه السلام)، بعد أبيه يعسوب الدين، لحمل مشعل القيادة الربانية نحو بر الأمان.
إمام صابر شجاع، أدى دوره الخطير في أخطر مرحلة، من مراحل تأريخنا الإسلامي، بمواقفه الرسالية، ومنطلقاته السامية، حيث حقن دماء المسلمين بحكمته، وحارب المنافقين، لتسلم الأمة من فكرهم المنحرف، فالعبادة ليست مجرد طقوس دينية، بل قيادة إنسانية تفكر بعموم الناس قبل نفسها، لأن مسؤولية إعداد الامة لقضية حفظ الدين، أهم من القيام بالعمل المسلح ضد الفاسدين.
لقد إعترى عمل الطامعين بالزعامة النقص والزلل، لأنهم بحثوا عن المكاسب الدنيوية، فحملت ذاكرتهم أحقاد بدر، وحنين، وصفين، والجمل، وإستجابت النفوس المريضة لشياطينها بوعودها المعسولة، وأنجرفت القلوب الى الدنيا بزخارفها، وخذلت فصائل الجيش إمامها وقائدها، وفسدت ألسنة المجتمع بالمال والملذات، فبئس ما أشترت نفوسهم، فخلد الإمام الحسن (عليه السلام) الى العزلة، يسامر همومه وشجونه.
الولادة المباركة لهذا الإمام الهمام، تجعلني أوجه كلامي الى العقول، التي لم تدرك عظمة الإمام الحسن (عليه السلام)، وكيف أن بعضهم يتهجم عليه بذرائع ساذجة، لأنه لم يقاتل زعيم المنافقين معاوية عليه اللعنة، والجواب أن مهمة الخليفة الثاني الإمام الحسن، كانت تتمثل بحفظ معالم الدين وأحكامه، التي أراد وأدها بنو سفيان، عندما إستباحوا دماء المسلمين.
إن ولادة النور الإمام الحسن (عليه السلام)، بشارة من الجنة، ورد إسمه في التوراة مع أخيه الحسين، بإسم شبر وشبير (عليهما السلام)، إنهما سيدا شباب الجنة، وسبطا المصطفى، اللذين لولاهما لما حفظت الرسالة، ولضربت التعاليم السمحاء عرض الحائط، بفعل إسلام معاوية المنحرف، فجهل كثيرون فضل الإمام الحسن (عليه السلام)، في أنه لم يبايع آل سفيان مطلقاً.
المولود المجتبى المبارك، إنتصار لأهل البيت، حين أستلم مهام الإمامة، بعد والده المرتضى (عليه السلام)، فكان طريق الكرم والجود من أجل الفقراء والمساكين، تتمة لطريق إمام المتقين، فأنتصر لمظلوميتهم، كما هيأ الناس لقضية أخيه الحسين، بإنتصار الدم على السيف، من خلال إعداد معسكر الإيمان والحق، موضحاً أن التأريخ لا يكتبه إلا المنتصرون، رغم الجهل بفضائلهم.