23 ديسمبر، 2024 4:40 ص

الإلحاد هل هو الكأس المقدّسة ؟ (3)

الإلحاد هل هو الكأس المقدّسة ؟ (3)

إليكم القليل جدا من هذه الظواهر الغير قابلة للتفسير العلمي سوى التسليم أن هنالك قوة خارقة مسؤولة عن وجودها وديمومتها ، ظواهر نشهدها كل يوم ونتعايش معها ، بإمكان اي إنسان مهما تدنّت ثقافته العلمية أن يلاحظها :

دراسة : وعي الإنسان يقع خارج دماغه ! .

من الصعب وضع تعريفٍ وافٍ للوعي البشري (Human Consciousness) ، لكن من الممكن إعتباره الوعاء الذي يحوي (العقل Mind) و (المعرفة Awareness) و (الإدراك Perception) ، من هنا نفهم أن كلمة (وعي) مشتقة من (وعاء) ، إنه (الأنا أو الإيغو Ego) للذات البشرية ومنها يُشتق مصطلح الأنانية (Selfishness) ، أنه الكون اللانهائي والمترامي الأطراف ذلك الذي يتصف به إنسان ما بمفرده ، بكل ما به من أحاسيس وتوجهات وذكريات وإستراتيجيات ، إنه الضمير والشعور الوجداني والإحساس والعاطفة ، وبالتالي طريقة ردود الأفعال وأساليب المواجهة ومد القنوات مع محيطه من (أوعية) أخرى للبشر ، إنه إدراك الحقائق والمنطق الذي يَبني صُنع القرار ، إنه الفهم والميول والإنتباه والفضول والتعلم وطريقة التعامل والتأمّل وحساب العواقب ، وعليه يقول العلماء ، أن الدماغ ، تلك الكينونة المادية ، لا تكفي –تقنيا- لأيواء كل هذه المفردات الكثيرة ، وما يتفرّع عنها من مسمّيات ثانوية لا تُعد ولا تُحصى ، هذا إن نظرنا للدماغ كآلة مادية .

الوعي ، مفردة عجز عن تعريفها أساطين العلم المجرد ، ولغزٌ لا يزال عصيا على الحل ولا تزال هذه المفردة تتحدى التأويل ، الى درجة يعدونها إحدى الخوارق التي تبقى بلا تفسير ، ونشعر بالأطمئنان ، لأن هنالك خطا رفيعا بين العقل والجنون ، هو الإيمان من أن الوعي الذي يستمد حيويته وحرارته وقنواته من الروح ، ففي العلم المجرد ، لا يوجد شيء إسمه الروح ، وفي القرآن الكريم يقول عز من قال (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) ، وكأن الله سبحانه أراد إخبارنا ، أن علم الروح هو سيد العلوم ومنتهاها ، هو الكأس المقدّسة التي طالما سعى الأنسان الى الظفر بها ، هو الإجابة عن كل الأسئلة التي خامرت عقل الأنسان منذ خلقه ، ولكن لا يمكن إدراكه كلّيا لأن الله وعدنا بذلك لمحدودية عقولنا ، ورغم ذلك ، فهذا لا يمنعنا من الخوض في غماره ، ربما لن نحصل على أجوبة ، لكن البحث فيه ثراء وجداني وراحة روحية ، وتبقى ماكنة تساؤلاتنا تدور بما يمليه علينا (وعينا) هذا ، يدفعنا فضولنا ، والتفكير بالمستقبل ، ولا نكف عن التساؤل ، كيف ، وماذا بعد ؟ ، وثم ماذا ؟.

عبارة (الأنسان آلة) فيها الكثير من التجديف ، انه أكبر بكثير ، وعميق عمق الوعي الذي لا قرار له ، فالنفس الحُرّة تهيم حائرة بين اللانهائيات التي تحيط بها ، هي لا تعرف الحدود ولا تقيم وزنا لظلال الوجودية الثقيلة ، فماذا سيحصل ، إن أتانا الوعي بغتةً ونحن في بطون أمهاتنا ؟ ما الذي سيجعلنا نصبر على ضيق الرحم ، لولا نعمة غياب وعينا ؟ وكأن الحرية والفضاء من أول متطلبات الوعي ؟ ، في شبابنا ، كان تفكيرنا بالموت سطحيا ، على أنه حتمية مؤجلة لهذا كنا نوئد هذه الفكرة ، ولكننّا ندفنها في اللاوعي الذي يستيقظ بين حين وآخر ، ويزداد تواتر هذه (الأحايين) كلما تقدم بنا العمر ، حتى لاوعينا هو وعي مع وقف التنفيذ .

تطلعات الأنسان الوجدانية العميقة وفضوله تجاه أي ظاهرة تأخذ بعنقه ، خصوصا في الماورائيات ، وهو في معترك الحياة ، فيحس ان ثمة تناقض بين سطوة وجوده وتطلعاته وهو لا يرى نهايات لجذوره الممتدة بين الوعي واللاوعي ، والفناء بعد الموت ، هو يرى أن ذلك غير عقلاني ولامنطقي ، فيحس أنه أكبر من الفناء بكثير ، يشعر في قرارة نفسه أنه خالد حيا كان أم ميتا ، ويعتقد أن ثمة مندوب لمارد جبار ، وقوة عاقلة تفوق عقله بكثير منصهرة في ذاته (الروح) .

الوعي هو الحافز لأبداع الأنسان في بناء الحضارة ، وما بها من تبجيل للجمال ، والحس المرهف من فنون وموسيقى وشعر وأدب ، وذوق رفيع ، وسرعة الملاحظة وقابلية الأبتكار وترويض الطبيعة ، الوعي هو قناة الإله مع البشر ، لهذا كانت الرسالات السماوية ، الوعي هو من يجعل كل أنسان ، نسيجا فريدا لا تجد له شبيها ، الوعي هو الذي يقود الغرائز لا بالعكس ، من هنا يبرز الفرق بين الأنسانية والحَيوَنة ، الوعي هو الشعور الوجداني العميق الى درجة مطلقة ، وفي ذواتنا فضول مستعر لكل ما هو مجهول ، فما سر سطوة هذا الفضول ، بحيث يدفعنا الى المقامرة بالحياة لأجل المعرفة !..

أثبتت الوقائع ، أن الأنسان ليس مجرد ماكنة ، يصيبها الهرم أو العطب فتموت ، انه كون متكامل ، يكمن بداخل كون ، يرتبط بالأكوان الأخرى وبمحيطه بحواس خارقة أخرى غير الحواس الخمس ، ووجدان لا يعرف الشبع من الفضول الذي يقود للجنون ، يذكرني هذا بمقولة للإمام علي (ع) : (وتحسب نفسك جرما صغيرا ، وفيك إنطوى العالم الأكبرُ) ، هي ليست مجرد شطحة صوفية ، لكن بالفعل ، انا الكون ، والكون أنا ، وهو بداخلي ، ذلك يجعلني أدرك أني (تِرْسْ Gear) صغير من ماكنة الكون …

نقضي أكثر من ثُلث أعمارنا نياما ، ولكن هل يتركنا وعينا في هذا الثلث ؟ ، لا ، أنه يتحول الى شكل آخر من الوعي ، فإما أن تتلبى فيه كافة أمانينا ورغباتنا ، أو نواجه أسوأ مخاوفنا فيه ، على الأقل إفتراضيا ، أنها الأحلام .

ظاهرة الإخلاف (Regeneration) التي تحدث عند بعض الحيوانات ، كاستعادة (أبو بريص) لذيله بعد القطع ، أو ظهور طرف كامل بدل المقطوع بكل ما به من يد وأصابع كما في الحيوان البرمائي (السلمندر) ، علم الأحياء يشرح الظاهرة فقط ، دون الخوض في الأجابة عن كيف ولماذا ! ، من المشروع جدا أن نسأل عن سر تلك الخلايا الهادمة والبناءة ، تلك التي تنحت عظم الإنسان أثناء نموه منذ الطفولة وحتى يصبح يافعا ، والتي تقوم بنقل الخلايا العظمية من مكان لآخر ، فلو كان بناء العظم مجرد ترسيب لمادة العظم ، لأصبح كائنا مشوها ، لكن الفضل يعود لهذه الخلايا ، وكأنها تحمل إستراتيجية هندسية لإستعادة الوضعية الصحيحة وفق برنامج معقد للغاية ، هل لهذه الخلايا وعيها الخاص بجعل العظم جميلا ومتناسقا ؟ ، بل أكثر من ذلك ، فالمعروف لدى الأطباء ، إن العظم المكسور عندما يتم تقويمه وبه شيء من الأعوجاج ، فسيعدّل نفسه تدريجيا حتى يستعيد حالته المستقيمة السوّية ! ، كيف ؟ لا أحد يجيب ! .

الخلايا الجذعية (Stem Cells) ، هي خلايا من الممكن أن نسميها خلايا خام ، موجودة في المراحل الأولى للنمو الجنيني ، لا أحد يعرف كيف تتطور هذه الخلايا المتشابهة ذات المنبت الواحد ، إلى خلايا ذات درجة عالية من التخصص ، فيتحول قسم منها إلى خلايا عصبية ، والباقي إلى عظمية أو وعائية أو دموية أو جلدية أو هضمية ، حتى يصبح هذا الجنين ، طفلا متكاملا سويّا ، هذه الخلايا ذات (الوعي) التخصصي العالي ، مَن المسؤول عن إدارتها وتوزيع الأعمال والوظائف عليها لتتقمّص أدوارها الجديدة ؟! ، فهل كل خلية من خلايا أجسامنا تمتلك وعيا خاصا بها ؟! .

لو سلّمنا أن الدماغ وما به من خلايا عصبية (Neurons) هو موئل الوعي حسب الإدعاءات الدارجة ، فهنالك الكثير من الأحياء التي لا تمتلك جهازا عصبيا على الإطلاق ، كالأحياء وحيدة الخلية ، لكنها تتغذى وتنمو وتتكاثر ، ولها إستجابة دفاعية ضد أي تهديد ، وإلا كيف تعلّمت (البكتيريا Bacteria) مواجهة تهديد المضادات الحيوية (Antibiotics) ، بحيث بدأت تقاوم مفعول هذه المضادات بشكل سبب تحديا جدّيا للطب الحديث ؟ ، سيقولون السبب هو الطفرات الوراثية ، لكني أسأل عن السبب وليس الميكانيكية ، ألا يُعدّ هذا تصرفا واعيا من مبدأ التشبّث بالحياة لمواجهة التهديد ؟ ، والأغرب هو عالم (الفايروسات Viruses) ، فهذه الكائنات التي تشكل مفصلا بين الحياة والجماد ، لأنها تسلك سلوكا بلوريا جامدا عندما تكون ظروفها المحيطة غير مواتية ، وبمجرد توفر الظروف الملائمة ، ستدبّ فيها الحياة ، وستقوم بما عجز الإنسان عنه حتى فترة قصيرة ، ستقوم بإستنساخ الحامض النووي (DNA) للمضيف-الضحية ، وتحتفظ به كبطاقة دخول لهذا المضيف بما يشبه مبدأ حصان طروادة (Trojan) ! ، فبهذا لا تحسبه الخطوط الدفاعية جسما غريبا ! ، وعند الدخول تقوم بإستنساخ نفسها لملايين المرات فتسبب المرض ! ، أي وعي ذكي هذا لمخلوق هو شبه جماد ؟! ، ها هو فايروس (كورونا) ، قد عاث في الأرض فسادا ، وكسر غرور الإنسان ، وقزّم إختراعاته وتكنولوجيته .

Majid Al-Khafaji / Electrical & Electronic Engineer

Iraq-Baghda