23 ديسمبر، 2024 1:26 ص

الإلحاد ، هل هو الكأس المقدّسة ؟ (7)

الإلحاد ، هل هو الكأس المقدّسة ؟ (7)

السقف المحفوظ في القرآن ، جولة ملحمية في مجموعتنا الشمسية .

الأرض ،وأنت على ظهرها ، تراها مستوية وأنت ماضٍ في شأنك الى حيث مقر عملك ، أو أنت ذاهب للتسوق أو لزيارة صديق ، وآخر ما يخطر ببالك ، أن تحت قدميك حيث لُبّ الأرض الساخن ومجالها المغناطيسي ، و فوق رأسك حيث السماء بكويكباتها واشعتها الكونية المدمرة ، قوتان جبارتان لا يمكنك تخيلهما ، تتصارعان منذ الأزل ، وأنت لا تعلم ان هذا الصراع لصالحك ، بل لو لم يكن ، ما كنت ! وما كانت هنالك حياة أصلا ! ، انت غير مدرك لفضل جاذبيتها عليك فقد أعتدتها منذ أن أبصرت عيناك النور ، الأرض ، ذلك الكوكب الأزرق الوحيد النابض بالحياة من بين كواكب المجموعة الشمسية التسعة رغم استبعاد الجرم التاسع (بلوتو) ، لكونه لا تنطبق عليه معايير الكواكب السيارة عند الفلكيين ، الأرض التي تبلغ فيها نسبة المسطحات المائية 73% ، والباقي يابسة ، هي الوحيدة ذات الألوان الزاهية بين الكواكب القواحل ، ذلك الجرم القريب من الشكل الكروي ، لكونه منبعج قليلا من القطبين ، بمتوسط نصف قطر يبلغ 6300 كم ، يقطنه المليارات من البشر ، بآمالهم والامهم وطموحاتهم وأفراحهم وأحزانهم ، الكوكب الذي يعج بالفلاسفة والعلماء والطيبين والبسطاء والمجرمين على حد سواء ، هذا الكوكب الذي طالما شهد حضارات سادت وبادت وكأنها جزء من دورات الفلك الذي يسبح به هذا الكوكب ، ولطالما كان مسرحا للحروب والدماء ، وخطب العظماء والحكماء وبناة الحضارة ، وجشع الأنسان باستهلاك موارده بافراط مع ضجيج التنقيب والتكنولوجيا !.

السر الكامن وراء ايقاع الحياة النابض في هذا الكوكب ، هو الشمس ، اصل الطاقة وبداية السلسلة الغذائية الخضراء عليه ، ولولاها ، لكانت الحياة على هذا الكوكب مستحيلة ، لكن المفارقة الكبيرة ، أن هذه الشمس نفسها ، يمكن أن تكون ايضا السبب في فناء هذا الكوكب فناءً عنيفا ، لولا تدخّل قوة خارقة مثيرة للعجب ، حولت الطاقة التدميرية للشمس ، الى بردٍ وسلامٍ أخضر وحياة وأن كانت هشة جدا ، لكنها برعاية هذه القوة الخارقة ، وكأنها ميزان ببيضة أرفع من الشعرة !.

الأرض هو الكوكب الثالث من حيث بعده عن الشمس البالغ 150 مليون كم ، يمتلك (لُبّا) ساخنا في مركزه ، وقد حيّر العلماء ، فقد كان من المفترض ان يبرد منذ زمن بعيد ، لهذا يعتقد العلماء ان ثمة اندماج نووي في هذا المركز ، أو ان حركة الأرض حول نفسها وحول الشمس بفعل جاذبيتها في مدار بيضوي ، يسبب فعلا ميكانيكيا بين طبقاتها ، بشكل يشبه حركة الكفين ببعضهما في يوم بارد لتوليد الحرارة ، لكن بمقياس أوسع بكثير ، مركز الأرض هذا يتألف من الحديد الصلب ، تعلوه وتغلفه طبقة أخرى من الحديد المنصهر ، ثم قشرة الأرض الصخرية ، ولولا سخونة باطن الأرض ، لتحول الى كوكب جليدي تستحيل الحياة عليه ، فحرارة الشمس لا تكفي لأنعاش الحياة فيه !.

كرة الحديد المنصهر المحيطة بالحديد المتصلب في المركز قابلة للحركة نظرا لسيولتها ، ولكون الحديد موصل جيد للكهرباء ويتحرك كتحصيل حاصل لدوران الأرض حول نفسها فانه يولد كهرباء ضعيفة ، تولد بدورها خطوطا للفيض المغناطيسي حسب التأثير المعروف (بتأثير فاراداي) ، وهو العلاقة ما بين الكهرباء والمغناطيسية ، والتي على اساسها بُنيت المولدات الكهربائية ، ثم يزداد تأثير هذا المغناطيس وينمو حسب ظاهرة (النمو Build Up) المعروفة لدى مهندسي الكهرباء مع استمرار حركة الحديد السائل ، هكذا تتحول الأرض الى مغناطيس عملاق ذو قطبين شمالي وجنوبي معروف للجميع ، لكن ما فائدته ؟!.

الجميع يعتقد ، ان قطبي الأرض استخدما قديما وحديثا في الملاحة لأنه يُحرك ابرة البوصلة ، كي لا تضيع وجهة الملّاح ، لكن فضل هذا المغناطيس العملاق ، أكبر بكثير ، انه الفيصل بين الحياة والفناء !.

اعتقد علماء الفيزياء القدامى ، ان الشمس عبارة عن جرم سماوي هائل من الفحم المتوهج الذي يحيط به الأوكسجين ، لكن بحسابات بسيطة ، استنتجوا ان ذلك مستحيل ، فلو كانت الشمس تُنتج الطاقة بهذه الطريقة ، كان عمرها بضع مئات من السنين ! ، وبقي السؤال محيّرا للعلماء لقرون ، حتى ظهرت اشهر معادلة في تاريخ البشر على يد (اينشتاين) ، الفيزيائي العظيم ، وهي (E=mc²) ، اي ان الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء ، وهو يتحدث عن تحول المادة (كليا) الى طاقة هائلة من الصعب استيعابها ذهنيا ! ، فمن مجرد بضعة غرامات من المادة عند توفر ظروف خاصة متوفرة في جو الشمس ، بُني أساس القنبلة الذرية ، وهي تختلف جذريا عن مجرد (حرق) مادة لتتحول الى رماد وغازات ، لأنه لا يصحبها فناء لكتلة المادة .

هكذا أماط هذا العالم العظيم اللثام عن سر سرمدية الشمس ، وهي رغم ذلك تفقد ملايين الأطنان من كتلتها بتحويلها الى طاقة صرفة كل ثانية ! ، على شكل حرارة عالية (ملايين الدرجات المئوية) ، ونشاط شمسي على هيئة (بلازما) وأشعة (غاما) القاتلة ، والرياح الشمسية (Solar Wind) ذات الطاقة العالية .

لو تأملت سطح الشمس من أحد المراصد الفلكية ، فستُصاب بالرعب ، من فرط وحشية وعنف وضخامة نشاط سطحها ، وأنت ترى (نافورات) تشبه ألسنة اللهب من البلازما تتحرك صعودا بسرعة آلاف الكيلومترات بالثانية ، وبأرتفاعات تبلغ مئات أضعاف قطر الأرض ! ، لكن جاذبية الشمس القوية تُعيد هذه الألسنة الى سطح الشمس مكونة أقواسا تشبه الحلقات ، مرعبة ساطعة هائلة الحجم ، لكن النزر اليسير جدا من هذه الرياح الشمسية الذي يتفلت من جاذبية الشمس ، والذي هو عبارة عن جسيمات عالية الطاقة ، يجد طريقهُ طليقا الى حيث الفضاء الشاسع ، ولو كُتب لجزء منه الوصول الى جو الأرض بدون (دفاعات) ، كان بأمكانه غلي وتبخير مسطح مائي كالبحر المتوسط بأكمله بعشرة دقائق فقط ! ، (واذا البحارُ سُجّرت ، سورة التكوير –الآية 6) ، فكيف بقيت الأرض حية وآمنة ، ونحن نبدو وكأننا نعيش بالصدفة ! ، خصوصا وأن النشاط الشمسي هذا أمر شبه يومي !.

هنا يتدخل المجال المغناطيسي للأرض ، فلحسن الحظ ، أو بالأحرى ، لحسن تدبير الخالق عزّ وجل ، وكأن يدا جبارة حنونة تحجب تلك الكوارث عن الأرض ، ان جسيمات الرياح الشمسية تلك والتي تحمل بين طياتها كل مقومات الفناء ، تمتلك خاصية التتنافر مع المجال المغناطيسي للأرض ، الذي يبدأ تأثيره على بُعد 65000 كم من سطحها ، اي تقريبا بخمسة أضعاف قطر الأرض ، فيعمل على حرفها وتحييدها بعيدا عن الأرض الى حيث الفضاء الشاسع ، متوعّدةً اي جرم سماوي آخر سيء الحظ يقع في طريقها !، وكأن هذا المجال المغناطيسي درع صُنع بتدبير متقن وبتسخير مُتعمّد الى درجة الغرابة !، لكن هنالك جرعة ضئيلة غير مؤثرة من هذه الرياح الشمسية ، قد تجد لها ثغرة عند القطبين ، فتتفاعل مع جو الأرض الذي يعمل على اضعافها ايضا ، مكونا ما يسمى (الشفق القطبي Polar Aurora) ، على هيئة سحابة خضراء هائلة في منطقة القطبين ، هكذا يتحول الدمار الهائل الى سمفونية مرئية رائعة الجمال تتراقص في السماء ! ، وأحيانا تسبب هذه الرياح الشمسية تعطيل الأقمار الصناعية ، بل حتى صهر وقطع خطوط نقل القدرة ! .

كوكب (المريخ) أبعد عن الأرض وبالتالي عن الشمس ، ومن المفترض انه بمأمن من تأثير الشمس التدميري أكثر من الأرض ، لكنه قاحل تماما بشكل حير العلماء أيضا ، ففي فترة ما ، كانت به مياه ، فأين أختفت ؟ ، حتى توصل العلماء ، ان السبب هو خلوه من المجال المغناطيسي ، فطالما تعرض إلى وابل الرياح الشمسية المدمرة ، مع علمنا ان الجاذبية موجودة في كل مكان وزمان لأنه أمر يتعلق بالكتلة ، وهي تختلف جذريا عن المجال المغناطيسي الذي يتفرد به كوكب الأرض ، فتبارك الله احسن الخالقين .

هذا الدرع المغناطيسي ندين له بحياتنا الى درجة أن الله سبحانه اقسم به في القرآن الكريم قائلا (والسقف المرفوع ، سورة الطور –الآية 5) ، وقال عزّ من قال (وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتنا معرضون ، سورة الأنبياء –الآية 32)

ولا يقف خطر فناء الأرض كونيا عند هذا الحد ، بل هنالك ما هم أعنف ، انها الكويكبات التي يُقال عنها انها كانت السبب في طي عصر الديناصورات بأكمله ، بل ان الأحصاآت العلمية تقول ، ان احتمالية اصطدام أحد هذه الكويكبات بالأرض عالية جدا بشكل يسبب انقراض الحياة فيها ، وأنها مسألة وقت فقط ، ولكن هذا الوقت طال ، فكيف ؟.

الجميع شاهد سطح القمر ، التابع الوحيد للأرض ، وكيف ان سطحه يشبه قطعة الجبن السويسري كما يقولون من كثرة قصفه المستمر من قبل كويكبات لا تُعد ولا تُحصى ، فلا يكاد يخلو كيلومتر مربع من سطحه ، من خسف أو فوهة (Crater) أو ثقب ، ولكون القمر قريبا من الأرض نسبيا ، فأن المستهدف من هذه الكويكبات ، هو بالأصل كوكب الأرض ، لكن القمر تولّى أمر اصطيادها ! .

بين منطقتي المريخ والمشتري ، الكوكب الغازي-الغباري العملاق ، يوجد ما يسمى (حزام كيبلر Kepler’s Belt) ، يحتوي على المليارات من الكويكبات التي يتراوح حجمها بين حجم سيارة الى كويكبات بحجم عدة كيلومترات مكعبة ! ، تتهددنا بأستمرار ، لكن المشتري بجاذبيته القوية ، والذي يفوق حجم الأرض بأكثر من 1300 مرة ، يتولى اصطياد ما يفلت منها من مداره في هذا الحزام ، ففي العام 1994 ، تساقطت اجزاء من كويكب ضخم بقطر 4 كم ، وقد تفتت الى 21 قطعة تتراوح اقطارها من 50 الى 1000 م سقطت على الجزء الجنوبي من المشتري بسرعة 60 كم/ثانية ! ، وشاهد العلماء تأثيراتها المرعبة على شكل غازات ساخنة جدا وبلازما متوهجة من فرط شدة التصادم على سطحه ، مخلفة بقعا غامقة بقطر 12000 كم ، اي بقدر قطر الأرض ! ، ولكم أن تتصوروا لو وجدت أجزاء الكويكب هذا طريقها الى الأرض ! ، وكأن كوكب المشتري حارسا عملاقا أمينا للأرض سخره جبار السموات ، فلطالما قام (مع القمر والكواكب الأخرى مثل زُحَل) ، بكنس هذه المخلفات الضارة !.

هكذا اطلق الله على هذه الحراس المُسَخّرة المرافقة للأرض والمجاورة لها عبارة (الجوار الكُنس ، سورة التكوير –الآية 16) .

هل وُضع هذا الميزان الدقيق بشكل يثير الدهشة الى درجة الخوف واستصغار النفس ، والشعور بضآلتنا ازاء أحداث الكون ليأتي من يقول انها كلها محض صدفة ؟ ، أية صدفة هذه التي تجعل العقول تحتار وتُصدم ازاء هذا العمل الدقيق المذهل والمتقن لا لشي الا لأبقائنا أحياء ؟!، أليس هذا منتهى النكران للجميل ؟!، لماذا لا نكون منطقيين وعقلانيين ، ونحن نربط العلم بالأيمان ، فلو تفكرت بشيء من أمور الكون ، فسيقودك للجنون ، فالشمس ومجموعتها بقدر ذرة غبار من سحابة مجرد درب التبانة ، وهنالك المليارات من المجرات ، ولكن هنالك حاجزا بين العقل والجنون ، أنه الأيمان ، وهذا لعمري عين الحرية ، بدلا من أن نكون اسارى لأفكار الألحاد الذي بدأت موجاته تنتشر ، لأنه اسهل بكثير من التفكير بأيمان وتدبّر ، فما أسهل أن تُقيّد جريمة ما ضد مجهول ، وما أصعب العمل على حلّها لأن (حرية) المحقق فيها تملي عليه ان لا يعرف الكلل واليأس ، فالأشراك بالله هو أعظم الظلم ، كما قال (لقمان الحكيم) وهو يعظ ابنه (يا بُني لا تشرك بالله ، ان الشركَ لظلم عظيم) ، قالها رجل حكيم ، قادته بديهيته لذلك ، وليس نبيا ! ، قال تعالى (ربّنا ما خلقت هذا باطلا سُبحانك فقِنا عذابَ النار) ، فهل رأيت مسار حركة الشمس وكل ما يرافقها من كواكب سيارة حول مركز المجرة ، وكأنها رقصة كونية لولبية بمنتهى الروعة والإتقان ، ثم فكّرتَ بالأية (والشمس تجري لمستقر لها ) ؟

يقول العلماء ، أن الأرض في بداية تكوينها كانت خالية تماما من اي شكل من أشكال الحياة ، ذات جو بعدائية مفرطة ، خالي من الأوكسجين ، كوكب ملتهب بالصهارة حتى بردت تدريجيا بعد ملايين الأعوام ، وكانت خالية من أهم أسرار الحياة ، الماء ، ولكنها أُمطرت بوابل من ملايين النيازك الجليدية فتكونت فيها البحار والأنهار ، من هنا قال تعالى (وأنزلنا من السماء ماء) ، هذه الآية لا يُقصد بها المطر لأن المطر من البديهيات والظواهر اليومية .