عندما رفع السيد عبد العزيز الحكيم رحمه الله شعار إقليم الوسط والجنوب , كحل للمسألة الطائفية و القومية في العراق , تصدّى له أصحاب الأجندات الوطنية الحريصون على وحدة التراب الوطني العراقي , بما فيهم كاتب هذه السطور , حيث اعتبرنا حينها إنّ تقسيم العراق إلى أقاليم فيدرالية على اساس طائفي أو قومي على غرار الإقليم الكردي , من شأنه أن يكون سببا لتقسيم البلد لاحقا , دون أن ندرك أنّ رؤية السيد الحكيم رحمه الله كانت صائبة وتعبر عن بعد نظر سياسي , وحينها لم يكن لأحد منّا أن يتصوّر أنّ عوامل الصراع الطائفي والقومي ستطغى على العامل الوطني , وإنّ الأجندات الخارجية ستفعل فعلها في خلق هذا الشرخ الكبير في النسيج الاجتماعي العراقي , حتى بات الواحد منّا يقتل أخاه من الطائفة الأخرى بدم بارد دون أن يرّف له جفن .
وفي ظل هذا الصراع الطائفي وهذا الشرخ الذي أصاب النسيج الاجتماعي العراقي , أصبحت شعارت الوحدة والأخوة الوطنية لا قيمة لها ولا وجود لها أصلا على أرض الواقع , فالكردي قد ابتعد كثيرا بكرديته والسنّي بسنيّته والشيعي بشيعيته , وبات العامل الطائفي والقومي هو المحرّك الذي يحرك سلوك ونهج الكتل والقيادات السياسية الحاكمة , والدليل على صحة هذا الكلام ما يجري الآن من صراع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية , فلا أحد يجد عنوان للوطن في غمرة هذا الصراع , وعندما يتّسع الشرخ ويكبر نزيف الدم ومسلسل القتل اليومي , يصبح أبغض الحلال حلا لوقف هذا النزيق وهذا القتل اليومي , ويصبح الاتجاه لحماية أرواح الناس أهم كثيرا من حماية الأرض , فوحدة الأرض لا تعني شيئا أمام فقدان الناس لأمنهم وحياتهم ومستقبلهم .
فشعار إقليم الوسط والجنوب الذي رفضناه قبل سنوات , بات اليوم ضرورة لا مفرّ منها في ظل هذا المسلسل من القتل الطائفي , وداعش التي نعتقد أنّها من خارج الحدود , اصبحت هي واجهة هذا الصراع الطائفي , وشيعة العراق لم يعد يخفوا رغبتهم بفك هذا الاإرتباط والإسراع في إنشاء الإقليم الشيعي , وحتى حزب الدعوة الذي رفض مشروع إقليم الوسط والجنوب في بداية الأمر , عاد ليهدد به كخيار إن اقدم مجلس النوّاب على سحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي , فلا أعتقد أنّ سحب الثقة من رئيس الوزراء أهم من حياة الناس وأرواحهم , ومن المؤكد أنّ من سيرفع شعار إقليم الوسط والجنوب سيحضى بتأييد الناخب الشيعي , ونفس المبدأ ينطبق على الناخب السنّي , وبنظرة واقعية ومستقلة لما يجري من أحداث على الساحة السياسية , تصبح حتميّة تقسيم العراق إلى أقاليم فيدرالية مستقلة اقتصاديا أمرا واقعا لا محالة ومهما حاولنا الابتعاد عنه .
فالدعوة لأحياء شعار الإقليم الشيعي في هذا الظرف , تمثل استجابة وحلا للخروج من المأزق الطائفي , والذي يعتقد بوجود إمكانات لاستعادة السلم الأهلي وتجاوز الخلافات الطائفية والقومية , فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار , وعليه بمراجعة حساباته بواقعية وبشعور بالمسؤولية , فالعقل الجمعي الكردي لا يقبل بغير الانفصال وتحقيق الحلم الكردي بإنشاء دولة كردستان , والعقل الجمعي السنّي لا يزال غير قادر على استيعاب أن يكون رئيس الحكومة شيعيا , والعقل الجمعي الشيعي هو الآخر غير قادر على التعايش بمن يمّجد صدّام ونظامه الدموي المجرم , فلهذه الأسباب جميعا لا حلّ ولا مخرج من هذا المأزق إلا بتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات مستقلة بعضها عن بعض أمنيا واقتصاديا وسياسيا .