23 ديسمبر، 2024 1:19 م

“الإقليم السني” وشرعنة التقسيم

“الإقليم السني” وشرعنة التقسيم

في صيف عام 2011، غمرت الفرحة أسارير رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، وهو يستمع مندهشا لعزف شيوخ الأنبار على أوتار التقسيم والاقاليم، خلال مأدبة غداء أعدها لهم البارزاني على هامش زيارته للعاصمة الأردنية عمان.

ذلك العزف الذي أعتبر الأول من نوعه بصورته العلنية، تمحور بدعوة البارزاني لدعم تشكيل إقليم فيدرالي تحت أسم “إقليم الأنبار”، كخطوة أولى لتلحقها خطوات أخر لتقرير المصير والإنفصال. عندها وعد البارزاني المنتشي بما يسمع، بتقديم جميع التسهيلات المالية والمعنوية من أجل تحقيق ذلك الهدف المدعوم أمريكيا، ما دفع شخصية سياسية كبيرة، للنهوض وتقبيل رأس البارزاني، كإشارة إلى حميمية اللقاء وعرفانا بالجميل والوعد المقطوع.

وبعد سنوات من خفوت الأصوات المطالبة بـ “الإقليم السني”، أو “إقليم الأنبار” واقتصارها على المجالس الخاصة والصالونات السياسية وثنايا صراعات الكتل والقوى، عادت اليوم بقوة أكثر من السابق لتنتعش وتقترب خطوات كثيرة من تحقيق هدفها، وبرعاية كذلك من الجانب الكردي والأمريكي من خلال مؤتمر أربيل الذي تحدث بكل صراحة عن “التقسيم” و”الإنسلاخ”، و”التحرير من الاحتلال”، بحسب المشاركين فيه.

الدعوة الجديدة للإقليم السني ترتكز على متغيرين خطيرين تشهدهما الساحة السياسية العراقية، الأول يتمثل بالحرب الدولية ضد ما يسمى بتنظيم الدولة “داعش” الإرهابي، الذي يحتل نحو ثلثي أراضي العراق، والثاني الحضن الأمريكي الدافئ للعشائر والقوى السياسية في المناطق الغربية، وتقديم الدعم اللازم لها للمضي بهذه الخطوة التقسيمية.

فمما لا شك فيه أن الحرب ضد “داعش” الإرهابي، باتت مسوغا ومبررا لتنامي مثل هذه الدعوات في المناطق الغربية، بل وفي المناطق الجنوبية من البلاد، من خلال الدعوة لإقليم البصرة ورفع علم خاص بهم فوق المؤسسات الحكومية.

هذه الحرب ضد التنظيم الإرهابي دفع عدد كبير من الكتل السياسية وعلماء الدين في المناطق الغربية لطرح معادلة تقسيمية غاية في الخطورة، فالمساعدة في إخراج التنظيم الإرهابي من الموصل وباقي المناطق التي يحتلها في صلاح الدين والأنبار، يجب أن يقابلها الحصول على مكاسب سياسية وأقتصادية، تتمحور جميعها بـ “الإقليم السني”، فيما ذهب البعض للمطالبة بـ “الدولة السنية”. 

ومما لا يخفى أن الأخوين أسامة وأثيل النجيفي، ومعهما العديد من الشخصيات السياسية، يتبنون صراحا إقامة حالة “سنية” مفصولة تماما عن الواقع والدولة العراقية، كرؤية تقسيمية واضحة وهو ما تبناه سابقا رافع العيساوي وطارق الهاشمي. فقد طالب أثيل النجيفي في تموز الماضي بتشكيل “إقليم” للسنة لإدارة مناطقهم بأنفسهم وبصورة منفصلة عن الحكومة المركزية في بغداد.

في موازاة ذلك جاء الإحتضان الأمريكي، لعدد من رؤساء العشائر والقوى السياسية في المناطق الغربية، ليزيد من واقع التقسيم والأقلمة في البلاد، ويضفي على المشهد العراقي المزيد من التشظي، خاصة بعد قيام الإدارة الأمريكية بفتح أبواب مستودعات السلاح أمام العشائر والقوى السياسية في المناطق الغربية، التي وجدت في تلك الخطوة محفزا قويا للمضي بمشروع الإقليم السني.

ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة، من خلال تسليح “المنظومات السنية” من أجل الدفاع عن “أراضي السنة”، على خلق حالة عراقية داخلية هي أقرب للكانتونات الصغيرة المستقلة بذاتها ومنفصلة عن كيان الدولة المركزية، تمهيدا لفصلها لاحقا في عملية قيصرية. وهو ما سمعه صراحة شيوخ العشائر والسياسيين العراقيين الذين زاروا الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا، من جو بادين المخطط والمشرف على تنفيذ المخطط التقسيمي في العراق.

ما يجري العمل على ترسيخه اليوم من دعوات ومؤتمرات وأحتضان أمريكي وتسليحي، سيكون القنبلة الكبرى التي سيتم تفجيرها بوجه حكومة حيدر العبادي، والتي ستكون المسمار الأخير في نعش الدولة العراقية الموحدة والواحدة.