8 أبريل، 2024 10:03 م
Search
Close this search box.

الإقليم السني فرصة حنين الدم للدم

Facebook
Twitter
LinkedIn

ما الذي يجري في العراق؟ كيف تمكنت القوى المتناحرة في هذا البلد من قهر الروح الوطنية للسنة فيه؟ أين اختفت الدوافع والأسباب التي جعلت خيرة رجال هذه الطائفة العراقية الأصيلة في مواجهة مباشرة مع شخصية سايكوباثية خطيرة مثل شخصية صدام حسين ومحاولات اغتيالها والتخلص من نزعاتها الاستبدادية؟ نعم جميع محاولات الإغتيال انتهت بالفشل وحُكم على أصحابها بنهاية مُثقلة بالحكايات التي لا تختلف كثيراً عن حكايات حرية كتبتها الأمم والشعوب بدمائها، لكنها تركت رغبة ثأر مكبوتة ومشاعر حقد وكراهية مؤجلة في نفوس ذوي الضحايا وعشائرهم ضد شخص الرئيس ومن ساعده في طيِّ صفحاتٍ كادت نهاية حكمه فيها أن تكون مؤكدة.
في السنة الأولى من الاحتلال الأمريكي للعراق لم تشهد المناطق السنية أي مظاهر للرفض أو الاعتراض على سقوط حكم الرئيس السابق صدام حسين بإرادة عربية وغربية. لم تكن الفترة ما بين عام 1995 و 2003 كافية لغسل عار “وعد شرف” منحه لوجهاء وشيوخ عشائر الرمادي، بعد لقاءهم الثاني معه في رابع يوم من أيام عيد الأضحى. كان وعد بالتخلي عن قراره إعدامه 48 ضابطاً برتب مختلفة تم اعتقالهم بتهمة الإطاحة بنظام الحكم ضمن انتماءهم لتنظيم يدعى ” خط الفرقان”. قال الرئيس لملتمسي رحمته بعوائل المتهمين ” أعدكم أن لا أقسو عليهم بأكثر من الإقامة الجبرية في منازلهم”. بعد أربعة أيام من اللقاء، وإثر طلب حكومي بالحضور لاستلام جثث المتهمين، انتفضت الأنبار وتركت مخلفات انتفاضتها يأس وشحوب على باقي المدن العراقية كذاك الذي تركته انتفاضة الجنوب عليها عام 1991. أما عشيرة الجبور، أكبر العشائر التي تنتشر فروعها في معظم المناطق السنية، فقد نالهم من استبداد الحاكم ما يكفي لإبداء غبطة خجولة ومتحفظة على سقوط نظام حكمه بطريقة ربما ما كانت لو تحلى صدام حسين بشيء من الحكمة وحساب العواقب عند اتخاذ قراراته في القصاص من المتهمين بمحاولات إغتياله والانتقام من عوائلهم وعشائرهم. أن يتخلى عن عدد كبير من الضباط والرتب في القوات المسلحة والأمنية بسبب محاولة اغتيال فاشلة خطط لها مجموعة من الضباط والمثقفين الجبور، يعد تهوراً واستخفافاً بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه كرئيس للدولة. فتح الرئيس بقراره إعفاء الجبور من الخدمة ثغرة تبلورت خطورتها في صدمة سقوط بغداد. كانت غصة الحزن والألم في حلوق الرجال بعد تخلي الرئيس عن خدماتهم وحيرتهم في توفير لقمة العيش لعوائلهم في ظروف الحصار القاسية لا تكفي للفرحة بسقوط الحكم ولكن الشماتة بسيده.
وقبل الولوج في الأسباب التي دفعت سنة العراق للانحراف عن مسارهم الوطني وتبنيهم فكرة الانفصال بإقليم خاص بهم، سندرج نص من رسالة وصلتنا من احد اقرباء مفكر حزب البعث، عبد الخالق السامرائي الذي تمت تصفيته في المعتقل على خلفية مؤامرة زَجَّ صدام حسين اسمه فيها للتخلص منه. الرسالة تكشف حقيقة موقف السوامرة الغير ودي لشخص الرئيس ونظام حكمه، جاء فيها ” للتصحيح التاريخي فأن موقف السنة العدائي لصدام حسين لم يبدأ بإعدام اللواء محمد مظلوم الدليمي ورفاقه لكنه بدأ باعتقال وإعدام عبد الخالق السامرائي أولا، ثم أخذت الأحداث بالتتابع فيما يخص الإعدامات والتصفيات الجسدية بتهم مختلفة لتعود إلى سامراء تسعينات القرن الماضي حين عاد صدام حسين ليجهز على ما تبقى من بعثيي الرعيل الأول بإعدام علي العليان ورفاقه فيما يعرف بمؤامرة وفيق السامرائي”.
لا يحتاج كشف الأسباب التي جعلت من حتمية استقلال سنة العراق في إقليم إلى حنكة سياسية استثنائية أو شهادة اختصاص في العلوم الاجتماعية. عوامل كثيرة أولها سياسية وآخرها جغرافية جعلت من الإقليم ضرورة ليس لإنهاء الحرب الطائفية فقط ولكن لإيجاد منطقة عازلة بقوة عسكرية تغلق الحدود أمام التكفيريين وتمنع مرور الفصائل المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني إلى الدول العربية. في بلد صبغت شوارعه حمرة دماء الأشلاء المتناثرة من انفجار المفخخات وجدران بيوته جرائم الذبح على الهوية حتى صار الزوج يطلق زوجته لأنها شيعية والشاب يرفض الاقتران بحبيبته لأنها سنية، هناك ما يكفي من الدوافع السيكولوجية لضرورة الانفصال. لكن منْ يرفض مشروع الأقاليم ويقف حجر عثرة في طريق المحاولات لرسم ملامحه؟ بالتأكيد ليس تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لأن التنظيم مصنف دولياً ضمن قائمة الإرهاب وقادته مطلوبين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وهذا لا يترك لموقف التنظيم الرسمي من المشروع أهمية تستحق الذكر. وبالتأكيد ليست إيران لأن موقفها من الإقليم يعد تدخل في الشأن العراقي، وهذا يُفترض أن يكون مرفوضاً. أن من يقف حجر عثرة لتعطيل هذا المشروع جهات من السنة أنفسهم، جهات تقسم العشائر السنية إلى دواعش أو صحوات تخدم مشروع الولي الفقيه، بينما تبقى الأطراف المؤيدة له ضعيفة ومجردة من الإمكانيات العسكرية والسياسية للحيلولة دون قيامه. كل مشروع توسعي يعتمد القوة والإرهاب في تمدده وانتشاره بحاجة إلى خزانات بشرية تتقدمه، فكيف إذا كانت هذه الخزانات من شعب منهك بالفقر والعوز لكنه يمتلك كفاءات قتالية عالية منحته إياها ثلاثة حروب متتالية؟ لقد وجد مشروع ولاية الفقيه الطائفي في الشعب العراقي ضالته كما وجدها فيه المشروع السلفي التكفيري لداعش. لكن المجتمع العراقي بصورة عامة مجتمع قبلي ومن خصائص المجتمع القبلي الانغلاق على ذاته ورفضه لأي مظاهر للتغيير تُفرض عليه بالقوة، لذلك لم تجد إيران والدواعش وسيلة لاختراق العشائر العراقية غير جهات محلية منها وفيها. جهات إما مشبعة بأيدلوجيتهما أو منسجمة معها. منذ انطلاق الثورة الخمينية وسيطرتها على الحكم أوجدت ودعمت إيران أحزاب ومنظمات عراقية مشبعة بإيديلوجية ولاية الفقيه وسخرتها لاختراق القبائل العربية الشيعية وحصد ولائها الطائفي كمنظمة بدر وحزب الدعوة. ولسوء الحظ أو كما نقول باللهجة العراقية، ما زاد الطين بلة، استحواذ تلك الأحزاب والتنظيمات على السلطة وفق برنامج تعاون مشترك بين أمريكا وإيران جعلها تستغل مقدرات الدولة لتشكيل قوة عسكرية طائفية تعمل لخدمة المشروع الإيراني. لكن ماذا عن تنظيم الدولة (داعش)؟ كيف يمكن لهذا المشروع الوليد اختراق العشائر السنية وتسخيرها لأهدافه؟ لم يكن أمام قادة التنظيم خيار غير الانسجام مع البعث الصدامي لإنجاز المهمة. وما نقصده بالبعث الصدامي هو بعث السيد عزة الدوري المتأرجح بين قيادة حزب قومي يعمل على أساس الانقلاب الجماهيري ضد الحاكم الظالم أو العميل وبين تنظيم طائفي مسلح يُعرف بتنظيم رجال الطريقة النقشبندية.
لقد ساهم تنظيم النقشبندية الجناح العسكري للبعث في احتلال الدواعش للموصل وتكريت كحليفٍ رئيسيٍ إلا أنهما تصادما بعد أن ثبتت داعش أقدامها على الأرض وخيرت أفراد التنظيم بين الموت أو مبايعة البغدادي. وجد معظم مقاتلي النقشبندية في شخصية البغدادي رمزاً حياً يستحق ولائهم وثقتهم أكثر من آخر ميت سخرت عائلته إمكاناتها المادية وعلاقاتها الاجتماعية للحفاظ على شبحه كرمز للقوة والسلطة في عقول السنة. أسقط فن البغدادي في تصوير جرائمه بحق الأسرى العزل وإصداراته الهوليودية وعرضها على الملأ أسطورة صدام حسين التي ظلت راسخة ومؤثرة عند أتباعه حتى ظهور البغدادي. لكن ما ظلت تحمله عشائر الدليم والجبور والسوامرة من الاعتزاز بتاريخها الرافض لشخص الرئيس السابق وأتباعه عقبة أمام المشروع التكفيري كما هو عقبة أمام المشروع الإيراني. هؤلاء القوم بحاجة إلى مشروع يحفظ كبريائهم وكرامتهم بعيدا عن مبايعة صاحب الخلافة المزعومة وضد ولي الثورة الطائفية، مشروع يبدد الأسباب المفتعلة للحرب ويمنح الشعب العراقي فرصة التقاط أنفاسه والتنعم بشيء من السلام تنتصر فيه الروابط المشتركة بين أطيافه وقومياته ويحن الدم إلى الدم، ولا نرى بصيص أمل في كل هذا غير مشروع الأقليم.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب