توالت تصريحات فريق الحزب الحاكم في إتهام هيئة المسائلة والعدالة بالإقصاء السياسي لرئيس مجلس القضاء الأعلى السيد مدحت المحمود، وذلك في الظرف المربك الذي تلا إقرار مجلس النواب لقانون تحديد ولايات الرئاسات الثلاث بدورتين.
الإتهام بصراحة لايخلو من صلة بالواقع، فالضربة الإستباقية للفريق المعارض التي تستهدف إجهاض سعي الفريق الحاكم الى إفشال القانون المذكور من خلال المحكمة الإتحادية معتمدين على وجود السيد مدحت المحمود على قمة هرم السلطة القضائية.
طبعاً فريق السلطة يسعى بكل ما أوتي من قوة ” سياسية ” أو ” قانونية ” الى إفشال قانون تحديد الولايات، ويظهر ذلك جليّاً في إصدار قرار تنحية السيد رسول شنشل من منصبه “وكالة” من قبل رئيس فريق السلطة أقصد المالكي، كمقدمة لإعادة المحمود الى منصبه رئيساً للمحكمة الإتحادية، لكي يفنِّد القانون المذكور.
القضية تُظهر الإصطراع القائم بين الفرقاء لاعلى قانونية أو دستورية عملية بناء الدولة، فهذه العناوين لاتعني شيئاً الا بمقدار الفائدة المتحققة لكل طرف بما يسوغ دعم هذا القانون أو تلك الفقرة الدستورية، إن ملامح الإصطراع تذهب الى الإقصاء السياسي ” متعكزين” على حزمة قوانين “هَـرِمة” وعلى “صبغة فساد وإنحراف” تلقي بظلالها على أداء المؤسسة القضائية العراقية بدءاً من رأس السلطة وليس إنتهاءاً بجسمها المتهالك.
وإن كانت الوصمة التي رفعتها كتلة السلطة بوجه المعارضة وهي ” الإقصاء السياسي” حقيقة واقعة فتلك بالتأكيد لها ما يبررها، ولكن ذلك نصف الحقيقة فقط، أما نصفها الآخر فهو أن الإقصاء السياسي جاء حلّاً لمعضلة باتت لاحل لها لإستغلال ” سياسي ” من فريق السلطة للقضاء والمحكمة الإتحادية ومن خلال شخص السيد مدحت المحمود.
لقد تعددت المآخذ على القضاء ومحاباته للسلطة، وإذا كان هذا الخلل مؤشراً على ” مرض معد” أصاب العملية السياسية وبناء الديمقراطية الوليدة فإن التجاوز على الدستور وآلية التشريع التي تفتح الباب أمام تداخل الإختصاص بين الدستور والبرلمان يعد أيضاً مرضاً معدياً يصيب العملية السياسية.
وإذا كانت الأمراض التي تصيب العملية السياسية وبناء الدولة أمراضاً معدية فسيتجه البناء نحو تنامي الأمراض واستشرائها الى حد ” عقم ” العملية السياسية وبالتالي فنحن قدام دولة تتجه نحو الفشل وستلقى حتفها بلاشك.