مرة أخرى ، إن مصدر هذه المقالة هو قناة (DW) الألمانية ، وهي تتحدّث عن الكثير من السلع المكملة التي نتداولها يوميا ، غذائية منها وصناعية ، دون علم منا ، إنها ملطخة بالدم وبالآلام والأنين ، تبين لنا كيف أن تلك الشركات الكبرى ، على علم تام بحالات الأستغلال الى درجة العبودية الحقيقية في البلدان التي تشكل مصادر المواد الأولية لتلك الشركات ، وتغض الطرف عن إنتهاكات مروّعة لحقوق الإنسان ، طالما أن ذلك يصب في مصلحتها ، ولا يهمها سوى ديمومة تدفق تلك المواد الأولية على مصانعها ، الى درجة أن كل شركة من هذه الشركات ، تمتلك سطوة تامة على تلك البلاد وكأنه إحتلال ، إلا أنه غيرمعلن ، شركات تحصل على الخدمات والموارد والسلع الأستهلاكية والمواد الخام ، وبالمقابل مصادر لا تحصل على حقوقها !.
من هذه الشركات ، شركة (نستله Nestle) السويسرية ، وهي شركة عريقة إلى درجة أن حلوى الشوكولاتة لدينا في العراق نسمّيها (نستلة) تيمنا بها ، لكني لا أقصد (النستلة) تلك الظاهرة المضحكة المبكية التي يعرفها الجميع والتي إتضح إنها تستنزف رواتبنا ! ، هذه الشركة المختصة بمشتقات الألبان والقهوة والكاكاو ، وقد حاول أحد منتجي البرامج الوثائقية الألمان ، أن يتقصى حقيقة مواردها من الأصل ، فوصل الى (ساحل العاج Ivory Coast) ، المصدر الرئيس لتلك الموارد ، فأنصدم بما شاهده من جيوش العبيد الذي يزرعون ويحصدون (الكاكاو) ، وكيف يُعاملون من قبل المرتزقة بمنتهى القسوة ، وبأجور متدنية للغاية ، وتمكن من إصدار فيلم وثائقي عن تلك المعاناة والممارسات اللاإنسانية ، وقد عرضه التلفزيون الألماني ، لكنه أراد أن يكمل سلسلته الوثائقية تلك ، فأراد العودة الى (ساحل العاج) ففوجئ بالسلطات وهي ترفض إصدار تأشيرة دخول له !.
تُعتبر الكونغو (زائير سابقا) ، من أرخص البلاد من ناحية تصدير الذهب الذي يدخل في الصناعة ، وبالذات الهواتف النقالة ، فالمعروف أن الذهب أحسن مادة موصلة على الأطلاق ، وتوجد بضع (ملليغرامات) من هذه المادة الثمينة في شرائح (Chips) هذه الأجهزة كضرورة صناعية ، أراد مُنتج الوثائقيات (فرانك بياسيك) الوقوف على حقيقة الأمر ، فأرتاع هو الأخر من منظر معسكر من مناجم الذهب يعج بالعبيد ، يحرسه مرتزقة بيض ، ومتمردون سود ! ، كان هنالك أطفالا يعملون بظروف غير إنسانية ، رغم وجود بند في (اليونيسيف UNICEF) بمنع تشغيل الأطفال ، وقد وصفهم منتج الفيلم بأنهم كانوا يبدون كالتماثيل لأنهم مغطون بالطين اليابس من قمة الرأس إلى أخمص القدم ! ، أما مناجم الماس الذي يزيّن رقاب الجميلات الثريّات ، فتلك قضية أخرى يُمارس فيها القتل شبه اليومي !.
ونفس الشيء ينطبق على بلدان أمريكا الجنوبية ، وبالذات (تشيلي) ، الغنية بمادة (الليثيوم) المشهورة ، المعدن الأساسي لصنع البطاريات والموجودة في كل بيت ، ومزارع الموز التي يعمل فيها العبيد في بلدهم لكن بأراضٍ يمتلكها البيض في (الإكوادور) ، والقهوة في (البرازيل) ، وهنالك جيوش من الأفارقة اللاجئين في جنوب إسبانيا ، وقد تحولوا رغما عنهم إلى عبيد بلا حقوق ! ، من هذه الدول أيضا (فنزويلا) ، تلك الدولة الفقيرة التي يعتمد إقتصادها على النفط الذي يؤلف 94% من دخلها ، ونرى (السعودية) وهي تشتري مئات الآلاف من الدوانم من أراضيها ، لا لشيء سوى لزراعة (العلف) الذي يقطع مسافة 13 ألف كيلومتر ليصل للسعودية لمجموعة شركة (المراعي) ! ، وحولها الكثير من الأراضي (العربية) العطشى !.
تلك الشركات التي تستأجر المرتزقة ، ولا تتورع عن تسخير العملاء وتمويل المتمردين وزعزعة الأنظمة ، بل قد تقودها مصالحها إلى التنسيق مع المافيات ، أو تلجأ الى خدمات المنظمات سرية ، موضوع مقالتي السابق ! ، شركات همها الربح ، وتقع عليها مسؤولية كبيرة عن تلك الأنتهاكات قبل المستهلك .بلدان يتحول سكانها إلى عبيد وأجَراء ، لا ذنب لهم سوى أن بلدانهم غنية بالثروات ، ويكونون آخر من ينعم بها ، بلدان تحولت ثرواتها إلى نقمة عليها ، وهي تجذب الوحوش النهمة من كل أصقاع الأرض ، وبالواقع هذا هو الجواب عن السؤال الأزلي عن سبب كون العراق أفقر بلد في العالم وأقلها استقرارا ، وهو أغنى بلد في العالم ، ولكن بمقياس أكبر بكثير من هذه الشركات ، يتلائم مع ضخامة ثرواته !.
الألماني (كيفين بيليز) ، الخبير في شؤون العبودية ، يقول أن عدد العبيد ، أو المرشحون للعبودية ، يبلغ 600 مليون شخص ! ، فأي عصر هذا الذي نعيشه ، هل حقا نحن بشر ، أم مستعمرات من النمل المفترس والذي يعتاش على غزو الأعشاش الأخرى ؟