21 نوفمبر، 2024 8:39 م
Search
Close this search box.

الإفلاس الدعائي لمحوري “الديمقراطية” و”المقاومة”

الإفلاس الدعائي لمحوري “الديمقراطية” و”المقاومة”

يقول لينين قائد ثورة أكتوبر الروسية ١٩١٧ “هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وأسابيع تحدث فيها عقود”.

لم نحتاج سوى اكثر من عام كي تتسارع الاحداث بشكل دراماتيكي، كي يكتشف العالم مدى الإفلاس الدعائي لدعاة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان الذين أصموا آذاننا طوال قرن من الزمان.

وبموازاته، ومنذ السابع من أكتوبر، تكشف الأحداث أيضا بشكل جلي ودون أي لبس عن الإفلاس الدعائي أيضا لمحور المقاومة والممانعة، التي رفعت شعارات “تحرير فلسطين” و”رمي إسرائيل في البحر” خلال عقود من القرن العشرين، بما فيها مرحلة انتقال البندقية من كتف الحركة القومية العربية عرابة “الأمة العربية ” الى كتف الإسلام السياسي حاليا، وفي خضمها أي خضم تلك المرحلة، فمصير من حاول المطالبة برغيف خبز او فسحة من الحرية فبركة تهمة العمالة للصهيونية والامبريالية والزج في السجون والمعتقلات.

يمكن تفهم قتل يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحماس وقائد عملية السابع من أكتوبر في ساحة المعركة، وهو يرتدي الزي العسكري مدججة بالعتاد، بأن هناك حرب بين طرفين ولا بد لأحد منهما تصفية الآخر. إلا أن ما لا يمكن استيعابه القبول به لكل من صنف نفسه في خانة الإنسان والادمية، هي التعليقات والتصريحات على مقتل السنوار من قبل البيت الأبيض ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوئيل غالانت، حيث تكشف لنا؛ على ان أسلوب عصابات المافيا هي معيار تحقيق “العدالة” الأمريكية والإسرائيلية في تصفية المعارضين والمخالفين لسياسة البلطجة التي تمارسها.  

رسالة جون بايدن الى الكونغرس الأمريكي قبل أيام قليلة، بأخباره على إبقاء القوات الامريكية في الشرق الأوسط لحماية مصالح إسرائيل وامريكا، تميط اللثام عن مرحلة جديدة مفادها سعي جديد لعودة اخرى للولايات المتحدة الامريكية الى الشرق الأوسط، ولكن هذه المرة بقوام عسكرية كبيرة وضخمة من غواصة النووية والمدمرات والبوارج البحرية وحاملات الطائرات والدفاعات الجوية وأنواع مختلفة من الأسلحة المتنوعة والمتطورة. وتلك الرسالة وما ادلى به بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بعيد اعلان حربه على لبنان بعزم حكومته على تغيير خارطة الشرق الأوسط، هي محاولة جديدة لترميم النفوذ الأمريكي في المنطقة بعد فشل الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الامريكية بتأسيس مشروعها “شرق أوسط جديد” بنكهة أمريكية مرتين في السابق. وكان قد وضع أسس المشروع المذكور لأول مرة بعد غزو واحتلال العراق في عام ٢٠٠٣، في عهد ما سمي إدارة المحافظين الجدد التي كان يقودها جورج دبليو بوش. والثاني بعد هبوب نسيم الثورتين المصرية والتونسية على المنطقة و سمي بالربيع العربي٢٠١١ وسعيها لترسيخ سلطة (الإخوان المسلمين) التي سمي زورا وتزيفا بالإسلام المعتدل لقيادة المشروع الأمريكي في المنطقة وشمال افريقيا وكان بزعامة باراك أوباما. والحق يقال فكانت سياسة جهنمية للالتفاف على الثورتين واحتوائها وعبر تكليف رسمي للجماعات الإسلامية لوأد الثورتين. أما المحاولة الثالثة هي اليوم، التي اعطى السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ كما أعطى الحادي عشر من أيلول ٢٠٠١ فرصة ذهبية للانقضاض على العالم عبر الهيمنة والغطرسة الامريكية، واليوم وبأدواتها الكاسرة التي تسمى إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط.  

 وإذا ما اختبأت الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية من مراكز الدراسات والإعلام المأجور ورجالات البنتاغون ومجالس إدارة شركات (لوكهيد مارتن) وول ستريت وموظفيهم الذين يمثلونهم في البيت الأبيض تحت يافطة القانون الدولي وحماية سيادة الدول وحقوق الإنسان والديمقراطية في دعم الطغمة الفاسدة في أوكرانيا في حربها ضد تمدد الامبريالية الروسية، ففي غزة ولبنان مزقت الطبقة الحاكمة الامريكية جميع اقنعتها الزائفة التي كانت ترتديها في حرب الوكالة في أوكرانيا. لقد أسدل الستار عن مسرحية النفاق التي طالت فصولها بتباكيها على أهالي غزة من قبل الإدارة الامريكية والغرب الديمقراطي. أن إدارة جون بايدن تتحدث اليوم علانية عن حق إسرائيل في حربها على لبنان تحت عنوان تدمير البنية العسكرية لحزب الله. وقد ارجأت مشروعها مع فرنسا الى اشعار اخر بإيقاف الحرب وحتى تغاضت عن تطبيق قرار ١٧٠١. وأبعد من ذلك فقد وصلت إدارة جون بايدن الى وضع نهاية لمسلسلها السمج والممل عن التسريبات الممنهجة اليومية حول زعلها او امتعاضها او انزعاجها أو عدم علمها بما فعله ابنها الضال بنيامين نتنياهو. والاثنان بايدن ونتنياهو يعيشان اليوم منسجمين تحت سقف واحد، وهو سقف الأحلام والتمنيات بتحقيق “شرق أوسط جديد”. وكل القرارات الدولية مثل محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية ومجلس الأمن نثرت في الهواء واخذتها الرياح، ولا شيء يوقف تحقيق استراتيجية أمريكا-إسرائيل في المنطقة، مهما بلغ الانحطاط السياسي والأخلاقي لما يسمى بالمجتمع الدولي، الذي يقف متفرجا أمام جرائم إسرائيل التي لم تضاهيها في التأريخ الحديث سوى جرائم النظام النازي في ألمانيا. 

على الجانب الآخر يقف محور المقاومة الذي في حالة لا يحسد عليها. فقضية فلسطين والقدس وضع جانبا، والخطوط الحمراء في ضرب حزب الله من قبل إسرائيل تحولت الى خطوط خضراء، وأصبحت القضية المحورية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أي انقاذ الجمهورية الإسلامية من خطر نشوب اية حرب ضدها، وخاصة عندما افشى نتنياهو بالسر في خطابه للشعب الإيراني بسعيه لإسقاط النظام السياسي في إيران. وتدور الماكنة الدبلوماسية الإيرانية بسرعة اكبر من السرعة اللبنانية، لإيقاف الحرب في لبنان وتطبيق قرار ١٧٠١، وكل ذلك من اجل انقاذ رأس حزب الله، السد الدفاعي، عن النفوذ القومي الإيراني والمطل على البحر المتوسط وبوابة التمدد الى الشرق الذي سمي بالعربي.

واكثر من ذلك يصف لنا خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في الخارج في خطابه بمناسبة الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر بأن ما قتل ودمر في غزة على يد الفاشيست الإسرائيليين واطلاق اياديهم في الضفة الغربية هي خسائر تكتيكية. ويبدو ان معيار النصر والخسائر الاستراتيجية التي لم تمنى بها حماس هو استمرارها تحت الأرض وفي خارج قطاع غزة. فموت العشرات آلاف من الأطفال وجرف الأراضي وتحويل غزة الى منطقة غير قابلة للعيش  وترحيل حل القضية الفلسطينية وتأسيس دولة مستقلة للشعب الفلسطيني الى اجل غير مسمى، فلا تصب في قائمة الخسائر التكتيكية. 

لا شك أن دولة إسرائيل الفاشية هي من تتحمل المسؤولية على ما حدث وما يحدث من جرائم سواء قبل السابع من أكتوبر او ما بعده. بيد ان استخفاف قادة حماس بكل هذه الخسائر الهائلة وتسميتها بالتكتيكية، فاي معيار للإنسانية لها، ولشعب قدر العيش تحت سلطتها، وهل للقضية الفلسطينية ستكون لها وقعها وتكون ملهمة وتكتسب مصداقية في صفوف الشعب الفلسطيني! إذا كانت كل هذه الخسائر تعتبر تكتيكية ولا قيمة لها في الاستراتيجية الدعائية والسياسية لحماس. وبنفس السياق، يسمي نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله تهجير أكثر من ثلث لبنانيين من بيوتهم ومنازلهم بالانتصار، ويغض الطرف عن كل يحدث من جرائم على يد إسرائيل في لبنان ويلخص إنجازاته بعدم السماح لعودة ٦٠ الف نازح إسرائيلي الى مستوطناتهم في شمال إسرائيل، ويجدر بالذكر انهم يسكنون الفنادق. في حين مئات الاف من اللبنانيين يفترشون العراء في شوارع المدن، وهؤلاء وضعهم حزب الله كبش فداء للدفاع عن وجوده السياسي في لبنان وحماية حلفه مع ايران في المنطقة. وتحول الان خطاب قاسم من المساندة لسكان غزة الى الدفاع عن لبنان. ومنذ الأيام الاولى اشرنا ان حزب الله دخل في خط المواجهة مع إسرائيل عبر تحديد قواعد الاشتباك، ليس من أجل الدفاع عن سكان غزة ولا على عدالة القضية الفلسطينية، بل كان يخشى من اليوم الذي يعيش رحاها الآن. كان يحاول درء خطر دولة إسرائيل الغارقة بوحشية جرائمها بعد التخلص من حماس. ويصل خطاب نعيم قاسم الى ابعد مديات السخرية عندما يقول لمريديه لولا دعم الولايات المتحدة الامريكية لإسرائيل لهزمت الاخيرة، ولكن ماذا عن دعم ايران لحزب الله هل دون دعمها كانت قادرة على الانتصار على إسرائيل، او لنقل على الأقل الاستهتار في طول لبنان وعرضه على مدى عقود من الزمن والحفاظ مثل أقرانه في المعادلة السياسية اللبنانية على الخطاب الطائفي المقيت، وهو المسؤول الأول عن ما حدث من تفشي الفقر والبطالة والفساد واحلال قانون المليشيات مثلما هو يحدث لدينا في العراق! 

ان المعطيات المادية لكلا الطرفين، يكشف لنا عن مديات التحقير للإنسان بكل ما تعنيه هذه الكلمة. ان الالة الدعائية لقطب الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحور المقاومة، عبر بشكل جلي ودون أي لبس عن إفلاس مطلق بامتياز. وكلاهما يحاربان من اجل صياغة معادلة جيو سياسية جديدة، لكل واحد منهما مكانة وموطأ قدم فيها، بينما الشعب الفلسطيني واللبناني يدفعون حياتهم وأمنهم وحريتهم ثمن على مذبح نفاقهم وكذبهم الفاضح. وفي خندق المحورين، الغرب الديمقراطي وحقوق الإنسان الداعم للسياسات النازية لإسرائيل، وخندق التمدد القومي الإيراني وحلفائه من المليشيات في المنطقة، لا مكان للإنسان ولا لقيمته واعتباره. وفي كلا الخندقين لن تجد ابدا حل القضية الفلسطينية سوى في سياق الدعاية السياسية، لان بحل القضية الفلسطينية عبر تشكيل دولة مستقلة للشعب الفلسطيني، ستتغير خارطة الشرق الأوسط أيضا، لكن في غير لصالح هيمنة وغطرسة الامبريالية الامريكية ولا لصالح النزعة التوسعية القومية للجمهورية الإسلامية في ايران، ومحورها المقاوم والممانع، ولذلك نجد كلاهما يقاومان بشكل او باخر حل القضية الفلسطينية. 

أحدث المقالات