23 ديسمبر، 2024 10:08 ص

لم تزل فكرة إصدار قانون العفو العام، تشكل عائقاً عند بعض الكتل السياسية، مع أن هذا القانون، أصبح من ضروريات الحل السياسي للأزمة العراقية، وتحقيق المصالحة الوطنية المنشودة.
وبرغم أن القانون في العرف الدولي يشمل المدانيين بإرتكاب أفعال جرمية، الا أننا لم نعد نطالب بالعفو عن المجرمين، وإنما عن الأبرياء الذين جرى إعتقالهم عشوائياً،  بدافع طائفي، أو مناطقي، أو عشائري، كذلك أولئك الذين أعتقلوا بوشاية مخبر سري، أو دعوى كيدية مغلفة بمآرب خاصة، وهؤلاء بشهادة القريب والبعيد كثيرون، ومنهم من قضى سنوات في المعتقل من دون أن توجه اليه تهمة مستوفية الأركان، وآخرون لم يعرضوا على محكمة مختصة أصلاً، لعدم توفر أدلة لإدانتهم، مع أن غياب الأدلة يجب أن تفسر لصالح المتهم، وليس العكس، غير أن مفتاح عرض المتهمين الى
القضاء، كما يروي بعض المفرج عنهم، مرهون في المحاجر، ولعل هناك من أصبح في حكم المنسي، وسط زحمة المعتقلين، ربما، أو بسبب قصر اليد في الأرجح.
من يسمع قصص بعض المعتقلين الذين نالوا حريتهم بعد سنين وراء القضبان، لثبوت براءتهم، أو لعدم كفاية الأدلة، يصاب باليأس والخوف، ولاسيما أنهم يرفضون، مجرد الحديث، عما جرى لهم داخل السجون التي تقلبوا فيها، بين هذا السجن وذاك، وكان لهم في كل موقع، ” تشريفة” على حد قول إخواننا المصريين، وكأنهم يريدون أن ينسوا تلك الأيام بلياليها، وكلها ليال ، بحسب وصف بعضهم، فيما تتسرب من بعضهم الآخر قصص ومواقف، من دون أن يشعر،  وكأنه يحاول أن يخفف عن كاهله بعض المعاناة، لكن سرعان مايصمت، فالصور العالقة أمام ناظريه تثير إشمئزازه، ويخشى أن يعاد ولو
بالحلم الى تلك الزنزانة الرهيبة، مرة أخرى، فالداخل اليها مفقود، والخارج منها مولود، لكن أية ولادة، ومشاهد تلك الأيام لاتمحى ولا ” تفرمت”.
تذكر أحدهم، سجيناً تجاوز عمره الثمانين عاماً، كان معه في الزنزانة، وكان لايقوى على المشي، لذا كان يحمل الى المحقق كلما استدعي اليه، وآخر مثله هدته شيخوخة السنين، وثالث مريض لايرجى شفاؤه، ثم قطع همسه، وراح يجول في ناظريه الى ذلك الملاذ الذي إختاره خارج الوطن.
إستوقفتني همساته، وتساءلت : لماذا لايفرج عن كبار السن، والعاجزين ، بموجب قانون الإفراج الصحي؟.
لاأدري إن كان هناك قانون للإفراج الصحي في بلادي، مثلما في دول أخرى، لكن أرجو أن نشرع مثل هذا القانون الذي يتفق مع حقوق الإنسان، مع عدم نسيان قانون العفو العام .