في حرب إيران ، وبالرغم من أن الأحزاب السياسية كانت محظورة ومنظمات المجتمع المدني كانت مفقودة ، إلا إن علماء السنّة وسياسييهم وجماعاتهم الدينية تواطأت جميعاً على حرمة الدم الإيراني باعتباره مسلماً ، وأنّ الشعب الإيراني يُساق بالترغيب والترهيب إلى معركة لم يخترها بنفسه .
هرب من هرب من سنّة العراق ، وامتلأت اللجان الطبية بأولئك الذين يرتّبون الأعذار كي لا يلتحقوا بالحرب ، وكثير منهم ، سيما المتدينون ، ما كانوا يخافون بل يعملون بالفتوى . والدليل أنهم هم أو أولادهم قاتلوا قتالاً شرساً ضد المحتل الأمريكي .
لم تكن ثقافة سفك الدم موجودة قبل حرب إيران ، وكنا في مجالسنا الخاصة نتفهم حرج الشيعي العراقي في قتل الإيراني لأنه يشعر بإثم وعاطفة دينية أكبر . وكان الضباط السنّة يهرّبون الشباب الشيعة من فرق الإعدامات .
بعض العلماء الذين كانوا يرتقون المنابر ليجاملوا صدام ، نُبذوا من أهل السنة . والكل يذكر كيف تراجعت شعبية الشيخ شاكر البدري والشيخ صبحي الهيتي والشيخ عبد الوهاب الشماع نتيجة لمواقفهم الممالئة للسلطة .
وكم من خطيب سنّي دخل السجن لأنه لم يدعُ للحرب ولم يُصعّد ، وهل نسينا المرحوم الشيخ المصري محمود غريب الذي رفض ضغوط الدولة ، وكان يدعو دعاء ينبطق على كل ظالم : (اللهمّ اجعل من أوقد هذه الحرب حطباً لنار جهنم)، وكانت نتيجته الاستدعاء للأمن ثم التسفير .
دخل الشيعة في دوامة بعد 1991 وبدأ التمايز يظهر ، لكننا لم نجد من السنّة من كان ينشر في الإعلام أن الشيعة خونة وأنهم ضد الدولة . وإنما كانت الدولة هي التي تهاجم عبر أجهزتها ، وهي ذاتها الدولة التي أعدمت عبد العزيز البدري واتهمته بالخيانة ، ولم تفرّق بين سني وشيعي طالما وقفوا ضدها .
كان بإمكان السنّة أن يستفيدوا من الفرص ويهمشوا الشيعة ويهجروهم ، ويغروا صدام ويتزلفوا له ، لكنهم لم يفعلوا . وأتمنى من كل عاقل أن يفكّر ولو قليلاً ، أليس أمام السنة فرص ذهبية ليفعلوا ذلك ؟
في 2003 وقف السنّة ثلاث مواقف واضحة ، منهم من رفض دخول المحتل ودعم ما تبقى من الجيش اعتذاراً لله أو استلم المقاومة مباشرة بعد 9-4 ، وهل نسينا شباب الخضراء والغزالية والعامرية الذين استخدموا أسلحة بدائية مضحكة كي يصدّوا دبابات المحتل ؟ هل كانوا قاعدة أم أبناؤنا الذين كان لهم غيرة عفوية ؟ الصنف الثاني آثر الصمت واعتبر وآمن أن صدام كان ظالماً وأمريكا أظلم ، وفي هذا الفهم شاطر الصنف الأول لكن من دون مقاومة . الثالث هم من تعامل مع الواقع ، مرة يُمازح الأمريكي ومرة يعاديه بحسب ما تميل الريح .
الذي حصل بعد 2003 من جهة الشيعة متوقَّع لأنه ردّة فعل للإعلام المسموم الذي شحن جماهير الشيعة ضد السنة كما شحن الأكراد ضد العرب .
قال بعض الناس ، سينطفئ الغل بعد (الحواسم) ، لكن لم يحصل ، قالوا بعد حكومة الجعفري لكن ازداد . وفي كل مرة كانت إيران تذكي الجمر وتزوّد القاعدة والمليشيات بالنار . وطبعاً تورّط مسعود بعملية غبية سيدفع ثمنها حين سمح لضباط مخابراته أن يتدربوا على يد إسرائيليين متقاعدين ليحموا مرقد الإمامين عليهما السلام حتى تتم القاعدة عملية التفخيخ ، والقصة معروفة وقد سمعت تفاصيلها من الأكراد بالكامل .
المهم ربما يقال إن الشيعة برءاء ، نقول نعم ، ولكن ألا ترون أيها الشيعة أنكم تماديتم في السكوت عن الحق ؟ ألا تعلمون أن ما يحصل في العراق مؤامرات دولية تورطت فيها الحكومة وبعض الأحزاب الكبيرة ؟
يعني لو أخذنا المسألة بتجرد ، هل يعقل عاقل أن القاعدة تملك هذه الترسانة ؟ وهل يعقل عاقل أن المالكي لا يعلن استقالته بعد هذا الفشل الأمني ؟ وهل يُعقل أن السنّة مجرمون إلى هذه الدرجة ؟
لم نرَ موقفاً قوياً من الشيعة إزاء عمليات الخطف والقتل على الهوية . ولا إزاء عدم تنفيذ المطالب ، ولا إزاء الأكاذيب الحكومية والإيرانية وغيرها .
على الأقل ينبغي أن تخرج مظاهرات حقيقية في محافظات الجنوب . لكن لا وجود لذلك . الكل مسيَّس أو مستفيد أو خائف .
ولو فرضنا أن السنة كانوا أزلام صدام ، وهو باطل بلا شك ، فقد انتقمتم منهم . أم تريدون إبادتهم !! أم نسيتم دعوة المظلوم التي دعوتموها في 1977 وفي 1991 وما بعدها ؟
أخشى أننا اليوم نقرأ السلام على شيعة العراق .
إنها الفرصة الأخيرة لكم كي لا تكتب في التاريخ أن شيعة العراق لا إرادة لهم .