مع دخول مواجهة حرب الصواريخ البالستية والقصف الجوي بين إسرائيل وإيران يومها السادس، والتطور الذي حصل بإستهدف الطيران الإسرائيلي مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي في طهران، بعد ظهر يوم الثلاثاء 16 حزيران 2025 والذي أدى بمقتل عدد من الموظفين بالتلفزيون جراء هذا الاستهداف.
في خضم الحرب المستعرة حاليآ ، التي دخلت منعطفًا خطيرًا مع تصعيد غير مسبوق قد تنجر بسهولة المنطقة برمتها الى حرب شاملة , بالأخص أذا شعر النظام الإيراني بأن أيامه أصبحت معدودة كما هدد فيها صراحة يوم امس للصحفيين رئيس الوزراء نتنياهو :” أن القصف الجوي المتواصل قد يؤدي الى سقوط النظام وهذا ما ننتظره من الشعب الايراني” بالمقابل , لقد برز الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعية كسلاح استراتيجي فعال ومؤثر لا يقل أهمية عن الصواريخ البالستية والطائرات والمسيرات والذكاء الاصطناعي. القصف الإسرائيلي الأخير لمبنى التلفزيون، تزامنا مع تهديدات إسرائيلية بإسكات صوت إيران و”بوقها الإعلامي” يكشف عن معركة موازية شرسة تُخاض حاليا من على الشاشات القنوات الإخبارية وجميع منصات التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا. في هذا السياق، تتجلى قدرة الإعلام وسطوته لتشكيل سردية تخدمه و تقنع الراي العام على تحويل الخسائر العسكرية إلى انتصارات، أو العكس، وذلك عبر الترويج المكثف للدعاية الحربية وصناعة القصة والرواية , التي يتلقاها المواطن وكيفية فهمها له. وفي هذا السياق سوف نحاول قدر الإمكان ,ونسلط الضوء حسب ما نتابعه عن كثب لهذا الحدث ونحلل دور الإعلام في هذه الحرب، وكيف يُستخدم من قبل إيران وحلفائها لمواجهة الضغط الإعلامي الإسرائيلي والغربي ومواجهة وطريقة طرح كل من سرديته، وعلى استراتيجيات الدعاية وتأثيرها على حسابات النصر والخسارة الختامية.
تشهد الساحة الإعلامية حاليا ومن خلال متابعتنا للقنوات الإخبارية والصحافة والمواقع الالكترونية التابعة لبعض أحزاب قادة “الإطار التنسيقي” بحملة إعلامية مكثفة ومنظمة تهدف إلى تعزيز الترويج لروح سردية الرواية الإيرانية في مواجهة التصعيد العسكري المتصاعد مع إسرائيل. وعلى سبيل المثال وليس الحصر ومتابعتنا خلال الأيام الماضية لقنوات “العهد” و” بلادي” و ” أفاق ” و ” الفرات ” وغيرها تلفت لديك الانتباه وبوضوح شديد كيف تقوم هذه القنوات ومن خلال برامجها السياسية الحوارية بتعزيز الخطاب الإيراني الموجه , حتى تشعر بان هناك فرض وصاية على ضيوف البرامج الحوارية , من خلال طريقة صياغة الأسئلة وطرحها من مقدم البرنامج والرد الجهاز من قبل الضيف وكأنما يردد ما هو مكتوب أمامه على الطاولة , ولكن الأخطر أن تنحاز بصورة ملفتة وتثير الكثير من الريبة والشك القنوات الرسمية للدولة العراقية والممولة من خزينة الشعب , التي يجب أن تكون لديها الحيادية والنزاهة والشفافية في طريقة طرحها لموضوع هذه الحرب , ويخيل اليك بانك تشاهد وتستمع الى اخبار وتحليلات لقناة إيرانية وليس لقناة عراقية رسمية , وكذلك من خلال التركيز على العامل العاطفي بذكر مصائب أل البيت (ع)، وان إيران الحصن الحصين للدفاع عن “بيضة الشيعة” تجاه عقود وقرون طويلة من التهميش والعزلة؟ والتركيز عن مصالح الشعب تجاه ما يجري من تطورات في المنطقة. وكمثال نلاحظ طريقة ببث خطابات دعائية تُبرز “صمود إيران” ونشر بيانات عسكرية تُؤكد على قدرة الحرس الثوري على “الرد الموجع” حتى لو كانت هذه البيانات مبالغ فيها أو غير مدعومة بأدلة حسية مرئية على أرض الواقع.
وبالتوازي، إذا تجولت بين مواقع منصات التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا ومن خلال ما تسمى بـ ” الجيوش الإعلامية الإلكترونية ” وطريقة لنشر محتوى مكثف يشمل مقاطع فيديو مُعدلة عن طريق الذكاء الاصطناعي لتعزيز صورة سردية الانتصار الايراني للمتلقي، والعشرات والمئات من هاشتاغات مثل #إيران_قوية أو #المقاومة_مستمرة، هذه الحملة صحيح إنها تهدف إلى تحويل الخسائر العسكرية إلى “انتصارات رمزية” وتعزيز الدعم الإقليمي لإيران، خاصة في العراق ولبنان واليمن ، مع إضعاف الرواية الإسرائيلية قدر الامكان والتشكيك بها وضرب مصداقيتها حتى وان كانت حقيقة . ولكن ليس بهذه الصورة المبالغ فيها لان اذا استمرت القنوات الموالية لإيران بهذا المنهج سوف يأتي بمرور الساعات والأيام الى نتائج عكسية تماما من قبل الراي العام , والمتلقي ليس العراقي فقط , ولكن العربي والأجنبي وحتى المتعاطفين مع إيران سوف يضطرون بان ينسحبوا من التأييد الى المواجهة لغرض فضح هذه المبالغات التي تروجها لها حاليا هذه الجيوش الإلكترونية بصورة مكثفة وعشوائية وبصورة اعتباطية وارتجالية , ويجب أن تكون إعادة لدراسة وبسرعة لغرض إنقاذ ما يمكن إنقاذه لتغير هذه الاستراتيجية الإعلامية ولتُظهر مدى قدرة إيران على استخدام الإعلام كسلاح لتعويض الضعف العسكري، لكن نجاحها يعتمد على مدى فعالية التنسيق مع حلفائها وقدرتها على مواجهة الدعاية الإسرائيلية المدعومة غربيًا.
في الحروب الحديثة، لا يُقاس النصر بالسيطرة على الأرض أو تدمير الأهداف العسكرية فحسب، بل بقدرة الطرف المتحارب على فرض سردية روايته على الرأي العام. إيران، التي تُعاني من خسائر عسكرية وبنيوية كبيرة نتيجة الضربات الجوية الإسرائيلية المتواصلة على مدار الساعة ، تسعى عبر إعلامها الرسمي وقنواتها التابعة إلى تحويل هذه الخسائر إلى “انتصارات رمزية” يجب ألا يتم التركيز على الخطاب العاطفي فقط لتعبئة الرأي العام داخليًا وإقليميًا. ولكن يجب تغير هذه الاستراتيجيات الاعلامية في تعزيز القوة الصاروخية لقصف اسرائيل لتُساعد إيران على الحفاظ على التماسك الداخلي، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والاحتجاجات الشعبية. كما تُعزز من دعم حلفائها في “محور المقاومة والممانعة”، الذين يعتمدون على الرواية الإيرانية لتعبئة أنصارهم.
إن حقيقة الضربة الإسرائيلية على مبنى التلفزيون الإيراني ينبع من أنها ليست فقط مجرد هجوم على هدف عسكري، بل محاولة لتعطيل قدرة إيران على التحكم في سردية الرواية الإعلامية. ويُعد أداة مركزية لنشر دعاية الحرس الثوري وبث خطاب المقاومة. واستهداف هذه البنية التحتية يهدف إلى إضعاف القدرة على تعبئة الرأي العام داخليًا وإقليميًا. وكذلك تعطيل التنسيق الإعلامي بين إيران وحلفائها بالمنطقة، خاصة في العراق ولبنان واليمن، ولذا ردًا على هذا الاستهداف، سوف تُكثف إيران وحلفاؤها استخدام الإعلام الإقليمي التابع لهم، خاصة في العراق ولبنان واليمن، حيث تُسيطر فصائل موالية لإيران وهذه القنوات اصبحت قبل اسام منصات مهمة وحيوية لبث بيانات الحرس الثوري، وخطابات قادته، وكما ستُستخدم البرامج الحوارية السياسية لتعزيز سردية الرواية الإيرانية، مع استضافة شخصيات سياسية موالية لهم لتبرير التصعيد ولغرض شيطنة إسرائيل.
وعلى عكس استراتيجية الإعلام الإسرائيلي وبالأخص البرامج الحوارية المترجمة للعربية ونلاحظ فيها تتمتع بإعلام متقدم ومنسق، وتستخدم وسائلها الإعلامية لتضخيم إنجازاتها العسكرية وتقليل خسائرها. على سبيل المثال: طريقة تُروج ضرباتها على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية إنجازات تاريخية” تُعيد تشكيل التوازن الإقليمي. وتُقلل معها من أهمية الرد الإيراني، وتصفه بالفاشل” أو “المحدود”. وتُستخدم تقارير استخباراتية انتقائية لإظهار تفوق إسرائيل العسكري والتكنولوجي وكذلك طريقة تحويل النصر إلى هزيمة إعلامية وعلى الرغم من تفوق إسرائيل الجوي العسكري الواضح، فإنها قد تواجه تحديات إعلامية إذا نجحت إيران وحلفاؤها في فرض سردية رواية مضادة تكون فعالة ومؤثرة. على سبيل المثال، قد تُستخدم صور ضحايا قصف مبنى التلفزيون في طهران لتصوير إسرائيل كـ”معتدية”، مما يُثير انتقادات دولية ويُضعف دعمها الغربي. ويجب ملاحظة كيفية قيام إسرائيل تعتمد على علاقاتها الوثيقة مع وسائل الإعلام الغربية، مثل “سي إن إن” و”بي بي سي”، لنشر روايتها الرسمية الموجهة. هذه القنوات غالبًا ما تُعيد صياغة التقارير الإسرائيلية، مما يُعزز من مصداقيتها لدى الجمهور الدولي والغربي والداخل الاسرائيلي. في المقابل، تواجه إيران صعوبة في اختراق الإعلام الغربي، مما يُحد من قدرتها على فرض روايتها.
تُبرز لنا اليوم التفاعلات عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي , كيف يمكن للإعلام أن يكون أداة فعالة في التأثير على الرأي العام إذا أُحسن استخدامه. ومن خلال متابعتنا لمختلف القنوات الإخبارية العراقية والعربية، وحتى العبرية، إلى جانب رصدنا تعليقات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي، يتضح أن هناك وعيًا متزايدًا بمحاولات الترويج لروايات إعلامية معينة، لا سيما تلك المرتبطة بالتصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل. أثارت لدينا هذه الظاهرة تساؤلات واسعة وحتى ما نشاهده ونطلع عليه بين الجمهور، حيث يُبدي الكثيرون حساسية تجاه المبالغات أو التزييف باستخدام الذكاء الاصطناعي في الصور والفيديوهات. ونحن نرى بأن الإعلام الناجح يعتمد على تقديم سرديات مقنعة بعيدة عن التضليل والخداع والمبالغة، إذ إن أي محاولة للتلاعب قد تؤدي إلى نتائج عكسية، مما يفقد الرسالة الإعلامية مصداقيتها لدى المتلقي.
لاحظ حاليا ونحن نتابع مباشرة من على شاشات التلفزة العربية والغربية , ما تنقله من طريقة صياغة الكلام وكيفية طرحه وتوجيه إلى إيران مباشرة من قبل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ودخوله الان مباشرة على خط المواجهة والتخلي عن الحياد الذي كان يروج له قبل ساعات ولغرض اجبار ايران على “الاستسلام غير المشروط ” وعن تخليه ” ترامب” عن اللغة الدبلوماسية واستبدالها بلغة التهديد والوعيد وبصورة ملفتة للنظر من على منصة “تروث سوشل” حيث ما يزال يكتب فيها من قبيل :” إن المرشد الأعلى على خامنئي هدف سهل ولن نقضي عليه على الأقل في الوقت الحالي، مؤكدا أن صبره بدأ ينفد” و “نعرف تماما أين يختبئ المرشد الأعلى في إيران” وقد يكون تغير النظام الايراني قد أتخذ حاليا فعلآ أو ما يزال قيد المناقشة وهو قاب قوسين أو أدنى في صدور القرار النهائي والملزم.
الحرب الإسرائيلية-الإيرانية ليست مجرد صراع عسكري، بل معركة إعلامية شرسة تُشكل فيها الرواية سلاحًا لا يقل خطورة عن الصواريخ. قصف إسرائيل لمبنى التلفزيون في طهران يكشف عن استراتيجيتها لإسكات صوت إيران، بينما تجنيد إيران للإعلام الإقليمي والجيوش الإلكترونية يُظهر عزمها على تحويل خسائرها إلى انتصارات. في هذا السياق، يتجلى دور الإعلام كأداة لصناعة النصر أو الهزيمة، حيث السيطرة على سردية الرواية تُحدد من يُكتب اسمه في سجل التاريخ كمنتصر. مع استمرار التصعيد، يبقى السؤال: من سيفوز في هذه المعركة الإعلامية، وكيف ستُشكل الرواية مصير المنطقة؟.