ان علاقة وسائل الإعلام بحل الصراعات وبناء السلام المجتمعي هي احدى الموضوعات المهمة التي تربط بین مجال العلاقات الدولية والدراسات الاعلامیة، وفي النضال ضد الحرب العدوانية والعنصرية والفصل العنصري والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان، التي تعود ببعض أسبابها إلي التحيز والجهل، تسهم عن طريق نشر المعلومات عن مطامح جميع الشعوب وتطلعاتها وثقافاتها ومتطلباتها و في إزالة الجهل وعدم فهم الشعوب لبعضها البعض وتسهم بدورها الأساسي في تربية الشباب بروح السلام والعدالة والحرية والاحترام المتبادل والتفاهم، بغية تعزيز الحقوق والمساواة في الحقوق بين جميع البشر وجميع الأمم وتعزز التقدم الاقتصادي والاجتماعي. ولها أيضا دور هام تؤديه في التعريف بوجهات نظر الجيل الناهض وتطلعاته.
دخل مفهوم ” السلام والإعلام “مدخلا جديدا للإعلاميين ومكنهم من البحث في الأسباب البنائیة والثقافية للصراع ومدى تأثيره علی حیاة المواطنین و تقدیم المضمون الذی یعکس القواسم المشترکة بين کافة أطراف الصراع وطرح مقترحات ومبادرات لتخفيف حدة هذا الصراع في المجتمعات التي تعاني منه.
لا شك فيه ان انتشار ثقافة بناء السلام يخلق بيئة ملائمة للإبداع الثقافي والفكري، ويحد من الخطابات التي تنمي الكراهية ويساعد على عدم نشوب النزاعات، أو إمكانية حلها بالطرق السلمية، مثلما يسهم في إحداث التغيير بنحو يعزز قناعة الإنسان بأن السلام هو ،نقطة الانطلاق نحو الرفاهية والسعادة وممارسة حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الإعلام، المعترف بها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية و هو عامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدولي.
دور الإعلام بكل انواعه يعيد بناء المجتمعات في نشر ثقافة بناء السلام بعد الحروب في زيادة الاهتمام بالبرامج السياسية والثقافية المتعلقة بثقافة بناء السلام، واستحداث وحدات متخصصة فيها لإعداد مؤتمرات وبرامج ذات الصلة، وتضمين مبادئ وأفكار بناء السلام في المقررات التربوية والتدريسية لنشر هذه الثقافة بين الاجيال القادمة وجعلها مجتمعية ومتاحة للجميع والعالم يشهد أحداثا في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية كافة.
يتسم العالم بالتأرجح بين السلم والحرب في الكثير من الحلات، ولا شك أن فكرة نشر ثقافة بناء السلام في المجتمعات التي عانت طويلاً من الحروب والأزمات والنزاعات و اجه مصاعب جمة، وإن نشر تلك الأفكار يحتاج إلى وقت وجهد إستثنائيين من خلال قنوات مختلفة مهامها في أن يكون لها دور في بناء السلام ونشر ثقافته في مناطق النزاع كافة، كي يتحقق الأمن والإستقرار، فضلا عن أنها قد تكون عاملاً مهما في تصعيد النزاع أو تخفيفه، وتوجيه الأوضاع العامة سلباً أو إيجاباً، لذلك تستدعي الحاجة إلى دراسة هذه الوسائل الاعلامية من منظور علمي وتشخيص جوانبها السلبية والايجابية ، في ضرورة تقويم عملها ، والتعمق بالدور الذي يجب أن تلعبه في بناء السلام .
من الواضح على خلفية تبادل الآراء والمعلومات وتدفق الأفكار وتنوع الثقافات، التي لا تتوفر في حالة الحروب والنزاعات،يصبح من الضروري التفكير في كيفية جعل السلام واقعاً ملموساً، وعدم الفصل بين بناء السلام وثقافة السلام، لأن بناء السلام ليس بغاية نهائية، بل الغاية هنا هي ترسيخ ثقافته للحد من عدم نشوب الحروب مجددا، أو يجعل من حلها بالطرق السلمية أكثر إمكانا دون اللجوء الى العنف، لكي تسهم في إحداث التغيير من الجذور لكي يوصل الفرد والمجتمع معا إلى حالة يتم فيها التعبير عما هو موجود في المكنونات الداخلية بعيدا عن اللجوء إلى استخدام العنف.
إن من أهم الأشياء التي تخدم هذه الثقافة ، قناعة الإنسان بأن السلام هو نقطة الانطلاق نحو الرفاهية والسعادة، وبناءً على ذلك فإن لثقافة بناء السلام قواعد كثيرة ومتعددة، إلا أنها تفرض وجود وسائل وأطر تخدم قناعة الفرد وترسخ في أعماقه مبادئ السلام عبر الطرح الإعلامي الهادف والمتوازن، فثقافة السلام لا بد أن يوازيها رفع الجهل ومحاربة الأمية والابتعاد عن مبدأ إلغاء الآخر.
من الطبيعي أن تجد كل فئات المجتمع مساحة تعبير عن همومها في مثل هذه الوسائل، وكلما وجد المواطن مساحة تعبير ملائمة عن همومه في الإعلام المتنوع ، كلما كان ذلك مؤشرا علي أن هذه المؤسسة الإعلامية ذات طبيعة ديناميكية تفاعلية مع المواطن.
وعلى العكس هناك إعلام يلعب دوراً ضد ثقافة المواطنة، سواء بتجاهل هموم مواطنين في المجتمع، أم بتفضيل التعبير طبقيا أم سياسيا أم ثقافيا أم دينياً، عن هموم مجموعات معينة من المواطنين دون غيرهم ، وقد يصل الأمر إلى أبعد من ذلك، حين يوظف الإعلام ذاته، كأداة صراع سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا أو دينيا، من خلال تحريك مجموعات من المواطنين علي بعضهم البعض، أو نشر ثقافة البغضاء في المجتمع، أو تصوير قطاعات من البشر بصورة سلبية مما يدفع المواطنين إلى التعامل معهم بتعالِ غير مبرر.
تتبنى بناء السلام في القنوات الفضائيات عبر الأداء الطبيعي في القنوات المرئية ، تشمل الموضوعية والتوازنات والحيادية والدقة في تطبيق المعايير الاخلاقية البعيد عن السيطرة المباشرة للحكومات، كلما كان إسهامها في تعزيز بناء السلام اوسع واكبر، إذا لم تكن مخطئة في طريقة الأداء و الغرض.
عندما تدخل القنوات الاعلامية ضمن البرامج المتعلقة بالنزاعات ، فإن بإمكانها أن تسهم في بناء السلام، على شرط أن تكون قد اكتسبت مسبقاً سمعة جيدة وحازت على ثقة الجمهور ولا ينظر إليها كأداة للدعاية، ولها دور بناء لا يُستهان به في تغذية أو دعم أو ظهور العنف والإرهاب والتطرف، فبعض وسائل الإعلام تتبنى منهج التطرف، وعدم احترام العقول والشعائر الدينية والاخلاقية، أو تسعى إلى زرع الفتن وإثارتها من خلال بعض البرامج أو الافكار والتهويل والتضخيم ،ولعل من أبرز الاستنتاجات التي تم التوصل اليها هي الاهتمام من قبل البعض من الفضائيات بالبرامج السياسية العامة، والموضوعات ذات الصلة ببناء السلام واتجاهاته بخاصة وهي مع الاسف قليلة ، وقد أكدت عليه نتائج التحليلات المضمونة ويعود ذلك الاهتمام حسب المعطيات العامة إلى الوضع السياسي الجديد الذي شهده العالم عامة ورافق ذلك من العملية السياسية بمعطيات ذات طبيعة أمنية واقتصادية.
ان التركيز الكبير عبر البرامج السياسية في القنوات الفضائية بالقضايا ذات الصلة بالسلم المجتمعي وبناء الثقة بين مكونات الشعب العراقي أمر مهم في هذا الوقت ، وهو يجب ان يحتل المرتبة الأولى ضمن سلم الاهتمام والأولويات في هذه البرامج فضلاً عن التركيز الكبير على قضايا ومفاهيم حقوق الإنسان في العراق والعالم بوصفها قضايا باتت تشكل أسس ومبادئ في العملية السياسية العراقية، وهو ما تجسد إلى حدود بعيدة عبر البرامج السياسية والثقافية .
ان التركيز عبر مضامين البرامج السياسية في وسائل الإعلام على الاتجاهات المختلفة مثل إرساء الأمن عبر محاربة الإرهاب والتطرف وسيادة القانون والمساواة تقود إلى البناء السليم للمجتمعات وحل النزاعات سلميا، وهو ما ينسجم مع التجاذبات السياسية التي يشهدها العالم والمنطقة الإقليمية في المجالات والقضايا ذات الصلة.
لعل الاهتمام بدور المراة في تحقيق السلام في المجتمع، هو ما يجب تجسد عبر البرامج السياسية التي تعرضها القنوات الاعلامية لتدخل في سياق النظرة الايجابية للنظام السياسي الجديد في العالم للمكانة المتميزة للمراة في المجتمع والدور السياسي الذي تلعبه،، وتشخيص مواقع الضعف والقوة لتقويم العمل وتفعيل الأداء.
نجد اليوم هناك صراعاً دولياً في عصر العولمة، وعصر القفزات الإعلامية الهائلة، مما يجعل الإعلام الدولي خاضعاً لسيطرة الأقوى و الأكفأ والأقدر مالياً وخبرة. مما يستوجب إعادة النظر في هيمنة أمريكا وبعض الدول على الإعلام الدولي وليس من الغريب في هيمنة الدول الغربية على محتوى الرسائل الاعلامية و التي تملك زمام أدوات الهيمنة الثقافية من وكالات أنباء ومراكز انتاج برامج تلفزيونية وأفلام سينمائية وأخبار صحافية عالمية ، وبالتالي إنّ الكثير من الرسائل الإعلامية التي تنقلها الدول المسيطرة على الإعلام إلى الدول النامية فيها من المحتوى ما يضر بقيم وثقافة الشعوب النامية، والمسمى بالغزو الثقافي سببه الخلل الحاصل في الإطار القانوني الدولي المتصل بالاعلام حيث أنّ التشريعات الدولية السائدة وتطبيقاتها تعطي النصيب الأكبر لعدد من الدول الراسمالية على حساب أغلبية دول العالم والتي تساهم دائماً في خلخلت السلام ومن هنا فلابدّ من تصحيح مسارات ضرورية في التشريعات الدولية التي تساهم في تهيئة الظروف عبر النشاطات المشتركة للمنظمات المتخصصة لتكفل تداول المعلومات تداولا حرا ونشرها علي نطاق أوسع وبصورة أكثر توازنا، وتهيئة الظروف التي تكفل حماية العاملين وغيرهم من المساهمين في الإعلام أثناء تأدية مهامهم. ولعل ان منظمة اليونسكو مؤهلة تماما لتقديم إسهام ثمين في هذا الميدان.