23 ديسمبر، 2024 11:08 ص

الإعلام والدِّعايةُ السِّياسيَّة والإعلام المُضاد 

الإعلام والدِّعايةُ السِّياسيَّة والإعلام المُضاد 

تَّشْريح حَادثة قَصْف مُخيم للاجئيين مُنْذُ أن صَدَّقْت الجماهير العربية، ما يُسمى بالرَّبيع العربي والذي كان في حَقيقَةِ الأمر خريفا قاتلا،صُمِمّ لتفتيت الأوطان وأضعاف الدول التي تشكل خطرا على إسرائيل حتى لو كان ضئيلا للغاية! وتحويلها الى دُّول فاشلة لن تستطيع أن تتعافى لمدة طويلة من الزمن، فقد تابعتُ الكم الهائل من الموادِ الإعلامية الكاذبة والمفُبرَكَة بحرفية عالية ساهم الاعلام العربي بإعادة نشرها، وقَبِلَ أن يكون مُجَرّد صَدىً لها، أما عن دِرَايَة كَامِلة كما في بعض الصُحُف والقنوات التلفزيونية الخليجية والعربية لأنها تؤدي دورها كما في قناة الجزيرة، وبالنسبة لوسائل الإعلامية العربية الأخرى فقد سَاهَمْتْ  في نَشرِ تلك المواد وقَبْضت الثمن، أو نَشَرتها عن غَبَاء وعدم تَبَصَّر مشاركة في لُعْبَة وصَخَب في نشر الأكَاذِيب ، كما في حالة العراق قبل الإحْتِلال، وليبيا ومصر وسوريا وتونس.  وقد أَصْبَحَت القنوات الفضائية، أخطر وسيلة في نشر حوادث مُلفَّقة ومُخْتلَقة لا أساس لها، خاصة بعد التطور التقني الكبير الذي أصبح في متناول الجميع، في مجال الخدع البصرية والتي تُصنع عن طريقِ الكومبيوتر.      ولنأخذ مِثَال على ذلك، من الحرب على سوريا. في صباح يوم الخميس 5 أيار 2016، أنتشرت وبسرعة كبيرة وعلى كل القنوات الأوربية والأميركية ومن ثم العربية وفي نفس الوقت، مقطع فيديو قصير لمخيم أسمه “كمونة”، نرى فيه أثار حرائق وهياكل لبقايا خيام ومنها هيكل كبيرة لما يفترض انه مدرسة، وبقايا دخان أبيض لحريق ورجال إطفاء، مع وجود خيام سليمة في العمق، ومراسل صحفي يصور المشهد ! مع صوت يعلق ان الطائرات السورية قصفت المخيم وقتلت عدد من المدنيين السوريين اللاجئين من مدينة حلب والمناطق الريفية المحيطة بها والتي كانت قد شهدت قتال عنيف بين القوات الحكومية وجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة وبعض المنظمات الاخرى الحليفة معها. 
يقع المُخَيَّم المؤقت داخل الاراضي السورية وعلى بعد 4 كيلومتر من مدينة سَرمَدا بمحافظة أدلب، و10 كيلو متر من الحدود التركية، والتي تسيطر عليها جبهة النصرة، والجيش الحر، ووقع الحادث بعد يوم واحد من تمديد هدنة وقف إطلاق النار في مدينة حلب. وصرح المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، الذي يتخذ من بريطانيا مَقرّا له، أن عدد القتلى بحدود 30 شخصا وما يقارب من 100 جريح !
وأَسْرَعَت تركيا والدول العربية المعادية للنظام السوري، وفرنسا وانكلترا وأميركا بإِتَّهَام الطيران الحربي السوري بإِستَهدَاف المخيم بالصواريخ واِرْتِكاب مجزرة، وبعض الدول وخاصة تركيا وقطر والمنظمات الارهابية، ذَهَبت أبعد من ذلك بإِتَّهَام الطائرات الروسية بالمشاركة في الجريمة البشعة !  
وكالعَادَةِ  فأن التهمة جاهزة والجهة المتهمة أيضاً، وتوالت ردود الأفعال سريعا، تقول ان الغارة الجوية، يمكن أن ترقى إلى جريمة حرب، كما صَرَحَ مسؤول الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، ولكنه طالب بإجراء تحقيق !  
 وبَدَأ “فريق الاخراج” يعمل بأقصى طاقة في توزيع الأدوار، على القنوات الفضائية في نقل تصريحات وزراء خارجية الدول الأوربية فقد أسرع وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند، بإِتَّهَام الرئيس السوري بشار الأسد ” باحتقار الجهود الدولية لإقرار وقف لإطلاق النار” وقد إِعْتَبَر المتحدث باسم البيت الأبيض جون إرنست ” أن الهجوم على المخيم غير مبرر.” وندد بالواقعة، مستبعدا أن تكون «غارات قوات التحالف الدولي هي من اِسْتَهدفَ المخيمات، حيث أنها لم تنفذ عملياتها في هذه المنطقة»،ودعا بيان لوزارة الخارجية الفرنسية للتحقيق فما وصفته بأنه “عمل مثير للإشمِئزاز وغير مقبول يمكن أن يصل إلى جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.” 
ويبدو أن التقدم  الذي أَحْرَزتهُ القوات الحكومية  في كثير من مناطق القتال، وخاصة بعد اِسْتِعادَةُ مدينة تَدمْرّ التاريخية وبإِسْنادُ الطيران الروسي، والتي كان قد سيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” العام الماضي، دفعت جهات معينة الى أفتعال أما عمدا أو عن طريق الخطأ هذه المجزرة، لإثارة الرأي العام الغربي والعربي المناهض لحكومة الأسد، خاصة وان في مساء اليوم نفسه قدمت فرقة الأوركسترا السمفونية الروسية حفلا موسيقيا بعنوان “باب الشمس” على مسرح مدينة تدمر التاريخية.  
ولكن هذه المسرحية أنطفأت فجأة، بعد تركيز كبير في كمية الأخبار التي بثتها وكالات الأنباء بعد وقت  قصير أستمرَ لأيام قليلة، والسبب هو السرعة في التَصَدَّىِ  لها من قبل الإعْلَامِ والمسؤولين السوريين والروس، وجماعة صحفية مستقلة قامت بتحليل الفيديو والصور للحادث.   
وبَدَأت الحَرْب الإعلامية رغم عدم التَكافُؤ بين الجبهتين، فقد صرح الإعلام السوري بعد فترة قصيرة جدا أن الطائرات السورية لم تك موجودة إِطْلاقا في تلك المنطقة، وأنهم يحترمون الهدنة المؤقتة، ونقوم بالتحضير للإحْتفَال بتحرير مدينة تدمر. وفي مؤتمر صحفي عقد بعد يوم واحد من الضربة أي الجمعة 6 آذار قال ايغور كوناشنيكوف الناطق العسكري الروسي لوسائل الإعلام في بلاده “درسنا بدقة معلومات الرصد الجوي في تلك المنطقة في الرابع والخامس من ايار / مايو 2016، وتبين لنا عدم وجود اي تحليق لطائرات روسية او غيرها.”  وأوضح كوناشينكوف ” إن صور المخيم المنكوب، التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تدل على “غياب حفر ناجمة عن إنفجار ذخائر أطلقت من طيران حربي ومؤشرات أخرى لشن ضربة جوية”. وأوضح أن “طابع الأضرار، التي سجلتها الصور وأشرطة الفيديو المنشورة، تشير إلى أن توجيه ضربة إلى المخيم تم عمدا أو بالخطأ من راجمات الصواريخ المتعددة، التي يستخدمها في هذه المنطقة إرهابيو تنظيم جبهة النصرة”. 
ومع هذا لم تتوقف القنوات الإخبارية العربية وخاصة الجزيرة لَحْظِة واحدة، مع بقية القنوات التركية الرسمية التابعة للحكومة، بينما تراجع الخبر في القنوات الخليجية الأخرى، ربما لانها وجدت أن الخبر لا يصمد أمام الحقائق وأن القنوات الغربية واميركا توقفت عن إِسْتِخْدام تلك الحادثة، خاصة وأنها تملك أَدَوَاتٌ  متطورة في إثبات الحادث عن طريق الأقمار الاصطناعية.  
وقد تناولت مُنَظَّمَة صحفية مستقلة هذه الحادثة بالتحليل وهي حركة من الصحفيين المتطوعين – مهمتها اِسْتِقْصاء الحقائق ونشر الأخبار البديلة، وتعمل من أجل صحافة صادقة ونظيفة، وتكافح من أجل كشف الأخبار الملفقة، ويتعاون معها بحدود 300 صحفي من جميع أنحاء العالم، وتنشر بحدود 20 مادة صحفية في اليوم، فقد كتب الدكتور “أو كولاي” O.Kullie من جامعة كاسل في المانيا وهو مختص بالفيزياء النظرية، وقد توصل الى أن هناك أسباب قوية للاعتقاد بأن هذه ” الضربة الجوية ” لم تحدث من خلال تحليل الصور والفيديو الذي صورته جبهة النصرة ووزعته على نطاق واسع للأسباب التالية : 
أظهرت اللقطات المنشورة في وسائل الإتصال الاجتماعية، إطارات محترقة للخيام التي نصبت في حقل مُوحل، ولا يوجد أي دليل على أنه كان هناك فعاليات لطيران السوري أو الروسي، ولم يتضح كيف يمكن لطائرات سورية الإقْتِراب من الحدود التركية وخاصة ان المخيم، قريب جداً من الحدود وتسيطر على مدينة سرمدا متمردون من منظمات إِرْهابية مختلفة أكبرها النصرة والجيش الحر وهم يسيطرون على سرمدا في محافظة إدلب شمال غرب سورية. وحوالي نحو 40 كيلومترا إلى الغرب من حلب المقسمة. 
وكل الذي نملكه هو إِدِّعاء لناشطٍ من بلدة أطمة المجاورة لوكالة رويترز، أبو ابراهيم السرمدي  “إن غارتين جويتين ضربتا المخيم المؤقت للنازحين من القتال في حلب وتدمر، وتلقى المخيم ضربتين مباشرتين، وسمعت ان العديد من الخيام اشتعلت فيها النيران.”لاحظوا أنه يقول ” سمعتُ ” أن العديد من الخيام ….. ولنأخذ قول مدني من المعارضة، مسؤول أغاثة، نضال عبد القادر، يعيش على بعد كيلو متر واحد من المخيم ” أن نحو 50 خيمة ومدرسة قد أحترقت ” … أي أنه لم يتحدث عن سماعهِ لإنفجارات أو قتلى وجرحى، وهو من الناحية العملية ليس بعيداً من المخيم !  ولم يتحدث عن طائرات…!
لنلقي نظرة على الفيديو، الدليل الذي صوره المتمردون، واستخدموه كدعاية سياسية للإدانة، يقع المخيم في منطقة واسعة إلى حد ما، مسطحة ولكن حجرية. هياكل الخيام هي من ابعاد 15 إلى 30 ياردة من بعضها البعض، وتشير أشرطة الفيديو إلى هيكل لأحد أكبر الخيم التي أحترقت وهناك مواد مدرسية مشتعلة ومبعثرة على الأرض، بينما نرى في عمق المشهد خيام سليمة ! الأن نأتي الى رجال الإطفاء الذين ظهروا مع معدات باهضة الثمن، في تلك المنطقة يعملون على إخماد النار المشتعلة، وهؤلاء عمال الإنقاذ   ( ذو الخوذ البيضاء )، يمثلون جزءاً واسعاً من المشهد وممولين من قبل حكومة الولايات المتحدة، ودورهم معروف للقيام بالحملة الدعائية المناهضة لسوريا.  
 أن حرق الخيام من المفترض ان يكون الهدف منه إثبات حدوث غارة جوية، ولكن الخيام الأخرى وهياكل قماش القنب والأغطية البلاستيكية التي لا تبعد بعضها أكثر من 10-20 ياردة فقط  لم يظهر عليها أي ضرر أو أثار الإنفجار أو الاحتراق، تلك الأغطية البلاستيكية والأقمشة الرقيقة نراها سليمة!وهناك هوائي صغير للهاتف المحمول، وهو مرئي في شريط الفيديو الأول، والذي يظهر أيضا بلا ضرر. والأمر الاخر الذي يثير الريبة والشكوك في حقيقة ما حدث هو عدم وجود الناس حول المكان، فقط عمال الإنقاذ، خاصة إذا عرفنا كما يقولون هناك قتلى وجرحى، فأين المدنيين من الذين يبحثون عن أقرب الأقرباء أو محاولة إنقاذ الممتلكات المتضررة ؟ وليس هناك تأثير لحفرة، ولا حطام للذخيرة، ولا توجد إصابات واضحة، ولا سيارات إسعاف ولا أثار للدماء ولا لأي حُطام للذخيرة. ولا يوجد أيضاً أي هدف عسكري مُحتمل لكي يُستهدف قريب من المخيم !   
اذا كانت هذه غارة جوية كما يدعون، كان الطيار يجب أن يُسقط بعض الاطلاقات النارية من قمرة القيادة، أي قنبلة أو الصاروخ المطلق من الجو نحو أهداف أرضية، ومن شأنه أن يؤدي ذلك الى إنفجار والى نسف الهيكل الكبير للخيمة واحتراق الأقمشة وخلق ضرر كبير في كل مكان . 
إذن ما الذي حدث هنا ؟ كان الجو عاصفا ً في ذلك اليوم، مما قد تسبب في حريق محلي من جراء الطهي، وأشتعلت النار في أسفل بعض الخيام، وربما أصيب بعض الناس بأذى، وتصادف أن مراسلا   كان قريباً من الحادث، وبعض من رجال “الخوذ البيضاء”  الذين يعملون براتب جيد، وبعض الجهات الفاعلة في الخلفية فوجدوها فرصة، واخرجوا عرضا عن هذا الحادث، متهمين الحكومة السورية بالإغارة على المخيم، والصراخ انها جريمة ضد الانسانية ! 
أن الجهات التي تعمل لصالح المُنَظَّمَات الإسلاميَّة المتطرفة، أستغلوا الوضع لإخراج هذا الفيلم ونشره في وسائل الإعلام العالمية، رغم معرفتهم انعدام الأدلة الى الدرجة الصفر للغارة الجوية أو للخسائر البشرية، ولكنهم عملوا منها حقيقة ونشروها.    شخص ما نبهني الى هذا الفيديو، الذي يرمي إلى إظهار ان هناك غارة جوية مزعومة ثانية على المخيم. لكن صوت الطائرة في الفيديو ليس أصيلا أو صحيحا. وليس هناك أثر للإنفجار ولا حتى أي صوت للإنفجارات ولا لسحابة الغبار الذي ينتج من إنفجار القنبلة والصاروخ .    ثم لماذا لم يكن هناك مدنيون في كل أنحاء ذلك المكان ؟ولماذا كان هناك رجال الإطفاء، مباشرة بعد “الإنفجار” المزعوم من غارة جوية ثانية. لذلك نرى المصور مشغول في التقاط الصور بلا أي شعور بالقلق أطلاقا ومن سيارته الغالية الثمن.
هذه القصة، مثل القصص الأخرى، وهو تحول من الهجمات الواسعة النطاق التي كانت تقوم بها القاعدة و”المعتدلين” من المتمردين!، والتي اصبحت مرة أخرى موحدة تحت تسمية جيش الفتح، ضد مواقع للحكومة السورية إلى الجنوب الغربي من مدينة حلب وأماكن أخرى، هذه الهجمات التي استمرت على الرغم من وقف إطلاق النار الذي أعلنه وزير الخارجية الاميركي كيري، الذي وافقت عليه ما تسمى بالمعارضة المعتدلة، الممولة والمجهزة بالعتاد الحربي من قبل الولايات المتحدة.