هناك مثل دارج أراني اليوم مجبرا على ذكره في مقالي هذا، بعد أن تحفظت كثيرا على إدراجه في مقالات سابقة، لالشيء إلا لأني أعتز كثيرا بمنبري هذا، وأحرص دوما على إخراجه بأبهى حلة وأنصع صورة وأحسن هيئة، فأزينه مااستطعت بمفردات ممشوقة وعبارات أنيقة، وأسعى دوما الى اصطفاء كلمات وضاءة، أنير بها سطوره، وما هذا كله إلا لسببين؛ أولهما كي أكون بمستوى الثقة التي منحني إياها العاملون على هذا الموقع المحترمون. وثانيهما لأني على يقين أن قارئي الكريم، يعي فحوى ماأتناوله في مقالي جيدا، ويدرك تمام الإدراك ماالهدف الذي أرنو اليه، والغرض الذي أصبو الى تحقيقه، والغاية التي أبتغي الوصول اليها، لاسيما فيما يخص ساستنا ومسؤولينا في مجالس الدولة القليلة في عددها، الكثيرة في مشاكلها وتقاعسها وآثارها السلبية على البلاد وملايين العباد.
ولاأظنني آتي بشيء جديد على القارئ حين أشير الى واحدة من تلك السلبيات، فهي مطروحة ومعروضة في الشارع العراقي وعلى مسمع ومرأى الجميع، وهي أيضا (على قفا من يشيل)، ولعلها أقرب الى المواطن العراقي من خبزة يومه، وأدنى من قوت عياله، لكنها رسالة تحكمني فيها المهنية وقبلها الإنسانية والوطنية.
بعودة الى مابدأت به مقالي، فإن المثل الدارج يقول: (غنم ماشايفين.. بعرور هم ما شايفين!). وما ذكرني بهذا المثل، هو انحياز ساسة بلدي الى مصالحهم الخاصة والخاصة فقط، والتفاتهم الى مآربهم ومشاربهم دون الاهتمام بشؤون البلاد وملايين العباد، بل حتى دون مراعاة عرف، أو الالتزام بخلق، أو التمسك بعقيدة، فضلا عن النأي عن كل التقاليد والقيم التي عهدها التأريخ بالإنسان العراقي، ولعل ماذكرته كله يحتاج مقالا أو أكثر كلا على حدة.
وما يؤلم ويحز في النفس، أن ساستنا -دون استثناء- لايولون الجانب الإعلامي إلا بما يصب في بواتقهم، ونراهم على الدوام يركنون الى الصحافة الصفراء، حيث تخدم غاياتهم والتي عادة ماتكون دنيئة. حيث نقرأ ونسمع ونرى العجب العجاب في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فمن عهدنا به من السياسيين التزلف والتملق والخديعة -وهم كثر- يظهره الإعلام على أنه نبي منزّل، أو ولي منتقى، أو تقي مصطفى. في حين نرى المعتدل والوطني والشريف -وهم قلة- يظهر بصورة غير لائقة، وأشهر تلك الصور وأكثرها انتشارا صورة الفاسد، وما أسهل الأخيرة إن أراد الإعلام إخراجها وبثها على الملأ، فأركان الفساد متوافرة في عراقنا على قدم وساق، وفي كل واد وناد.
وبذا يجانب الإعلام الدقة والشفافية والمصداقية، ويشط عن شرف المهنة أيما شطط، في وقت وظرف يحتم على الساسة إيلاء الإعلام كسلطة رابعة أهمية قصوى، ليمارس دوره الرقابي بما يجدي نفعا، لينهض البلد ويرتقي الى حيث يليق به كبلد عريق، فإن من المعيب جثومه في خانة الدول الفائزة دوما بإحصائيات الفساد والجريمة.
الإعلام -ياسامعين الصوت- هو سلطة الشعب الذي انتخبكم وسلطكم على حاضره ومستقبله، واختاركم كي تنصفوه حقوقه بعد أن بخسها سابقوكم.
الإعلام هو صوت الفقراء المغمور خلف بيوت الصفيح والطين في العراء، وتحت الجسور وفي المقابر والـ (تجاوزات).
الإعلام هو نداء الثكالى اللائي فجعن بفلذات أكبادهن، بسبب صراع بينكم وعراك بين (زعاطيطكم).
الإعلام هو آهات وتأوهات كبار السن من الذين أفنوا ريعان شبابهم في مؤسسات الدولة العراقية، متأملين اتكاءهم على مرتب تقاعدي يغنيهم عن (مَدة الإيد) ويعينهم على متاعب الكبر والمرض والوحدة.
الإعلام هو مطالبات الشبان الخريجين الذين يبحثون عن ثمرة دراستهم ومثابرتهم في (مسطر العمالة) و (چنبر الجگاير)، تاركين شهادات الدبلوم والبكلوريوس شاخصة في إطاراتها على الحائط يعلوها التراب والغبار.
الإعلام هو صوت تلاميذ الصفوف الابتدائية وهم يرددون: دار دور.. داران.. نار.. نور.. نيران. حالمين بدفء النار، وأسنانهم تصطك من زمهرير الشتاء، في صفوف تئن فيها رياح الـ (چلة) والـ (عجوز) وشباط الـ (أزرگ).
الإعلام ياساستنا هو الذي يكشف أغطيتكم التي أدمنتم النوم تحتها منذ انتخبكم شعبكم، لعلكم تصحون قبل فوات الأوان.
الإعلام ياجلادون هو ثلة من أناس حملوا أرواحهم فوق راحاتهم، لكشف حقيقة او إيصال صوت او عرض مشكلة وبحث حلولها، متحملين معارضتكم لهم ومحاربتكم إياهم.
الإعلام هو الكوكبة التي فاضت روحها، وهي تؤدي مهنتها من جراء بطش قادة وظلم ساسة أصنام، سقط بعضهم، وأصنام آخرون لاحقون بهم لامحالة.