الإعلام هو السلطة الرابعة إن لم نقل هو الأولى في توجيه وتثقيف المجتمع وإرشاده إلى الأمام من الناحية العلمية والثقافية والموسوعية، كما يشترط في الإعلام المصداقية والحيادية التامة بحيث يطمئن له السامع والمتلقي ولا يخدش بعدالته أي شيء, وهذه الثقافة إنما تأتي من ثقافة المجتمع والفرد فإذا كان الفرد صاحب مصداقية في نقله للخبر أو المعلومة وصاحب ضمير حي فانه لا يقبل إن يدلس الحقائق أو ان يفتعل الأقاويل من أجل مصالح معينة أو إن يكون أداة بيد جهات أو مؤسسات وحكومات تفرض عليه ثقافة ولون واتجاه معيّن.
فما نشهده اليوم من اتساع الجغرافية الإعلامية والمحيط الواسع من المنابر الإعلامية التي تغطي أحداث العالم بأسره مما جعل العالم كالقرية الواحدة التي لا يختفي فيها الخبر، وهذه القنوات كما يعلم الجميع بأنها تحتاج إلى عنصر أساسي في إدامتها ونجاحها وهو التمويل المالي المستمر لكي تستطيع ان تغطي نفقاتها الشهرية واليومية مما يجعلها بعجز تام ان لم تكن تابعة لمؤسسة أو دولة أو رجال أعمال يقوموا بتغطية تلك النفقات، ولكن هذه الجهات التي تمول تلك القنوات يفرضوا عليها سياسة ومنهج خاص يتفق تماما مع ما يريدون مما يجعل تلك القنوات بين أمرين إما الحفاظ على المهنية الإعلامية والتضحية من اجل تقديم الرسالة والمعلومة الحقيقية والواقعية ولكن تبقى بعجز مالي مستمر مما يوقع القناة في خلل من ناحية الاستمرارية بالتغطية الحية للأحداث التي تجري في العالم، وإما أن تكون تابعة لتلك الجهة صاحبة التمويل وتقوم بتأدية رسالة خاصة تختلف عن الحقيقة تماماً وعندها فسوف تفقد أخلاقيات المهنة وتكون في مستوى متدني من المصداقية للمشاهد.
ومن خلال ما تقدم يتضح لنا الفرق بين الإعلام المهني صحاب رسالة الحقيقة الذي يستطيع ان يضحي من أجل إيصال الصوت الحقيقي والواقعي للمشاهد من دون أي تضليل او تشويش على المتلقي. وبين الإعلام المؤدلج والتابع لجهات معينة صاحبة غايات وسياسات تفرضها على تلك القنوات من أجل أن تكون بوق لمصالحها وتوجهاتها لا غير.
وبعد كل المعانات التي شهدها العراق في زمن النظام البعثي من التفرد في كل شيء وانقطاعنا عن أي منبر أو جهة إعلامية محايدة تستطيع ان تنقل لنا وجه نظر تختلف عما تريده السلطة أو عن سياستها في كل شيء حتى البرامج العائلية وبرامج الأطفال وغيرها مما يسبب لك التخمة والملل من الرتابة والضعف المهني والقدرة المخزية في قلب الحقائق وتصدير الأوهام للشعب مما سبب ذلك في تخلف كثير من طبقات المجتمع العراقي نتيجة تسلط الدولة ونفوذها وحاكميتها على المنبر الإعلامي آنذاك.
فما ان زال ذلك النظام المجرم عن قلوبنا حتى شهد العراق هجمة إعلامية عنيفة وانفتاح على كل الجهات والثقافات السلبية والايجابية مما توقع المجتمع ربما في كثير من السلبيات التي لا تتماشى مع ثقافته ودينه ومعتقده, ومن أجل توخي الحذر من ذلك قامت بعض الجهات الإسلامية والحكومية والسياسية بإنشاء قنوات وفضائيات إعلامية يراد لها أن تكون هي البديل في مواجهة الثقافة الغربية التي تستهدف مجتمعنا العربي والمسلم فنجح البعض منها وفشل البعض الأخر ولم تستطع ان تكون البديل الحقيقي الناجح في السيطرة على الجمهور وتلبية متطلباته وتوعية ثقافته والرقي به نحو كمال النفس والعقل.
وما شهدناه هذه الأيام بعد الأحداث الأخيرة التي جرت في العراق وتحديداً بعد أحداث محافظة نينوى يكشف لنا ضعف تلك القنوات وعدم امتلاكها القدرة على مواجهة الطابور الخامس أو أي تحدي أخر يواجه العراق من الناحية السياسية أو الثقافية.
فإننا وجدانا الضعف التام والبناء الهش الذي سرعان ما تهاوى أمام مواجه التحديات الإقليمية والدولية ولم تستطع قنواتنا ان تقدم لنا إعلام هادف ومهني يواجه حجم الهجمة الشرسة على العراق بل اكتفت فقد بعرض مشاهد من الأهازيج والاستعراضات العسكرية للعشائر أو لجهات سياسية وأخذت تغدي وتروح بها وقامت أيضاً بتهويل بعض الأخبار والمعلومات مبررة ذلك بأنها تُعطي حماس ودافع معنوي للمقاتلين مما جعلها تفقد مصداقيتها أمام المشاهدين لها من العراقيين فضلاً عن غيرهم ممن يبحث عن المعلومة الواقعية, بالإضافة إلى التهويل والتصريحات الرنانة من قبل السادة المسئولين التي وصل البعض منها إلى درجة الكذب على الجمهور, وتكرار الوجوه القديمة ممن ساند ودعم النظام البائد من المطربين والمنشدين ممن ينعقون وراء كل ناعق ولا هم لهم سوى حب الظهور والإعلام والتبجح بحب الوطن وهو مما يعكس لك ضعف وفشل وعدم مهنية الواضحة تلك القنوات التي هي بعيدة كل البعد عن ميادين المقاتلين الأبطال ولا تصل إلى قلب الحدث إلا مع الحماية المشددة أو بعد تطهير المناطق بالكامل.
وأخيراً أقول لأصحاب تلك القنوات الإعلامية انه لابد من جعل المواطن على اطلاع تام في ما يجري في مناطق الحدث ونقل المعلومة الحقيقية والواقعية ونقل الأحداث كما هي لكي لا يضطر المشاهد والمتابع العراقي إلى متابعة تلك القنوات صاحبت الإعلام المأجور, من أجل الحصول على معلومة واقعية وتحليل علمي وسياسي لما يدور في الساحة، وبالتالي يقع في حيرة وتيه مما يجري ولا يكاد يصدق أحداً من المسئولين أو المحللين.