الإعلام هو مصطلح يطلق على أي وسيلة أو تقنية أو مؤسسة تجارية خاصة أو عامة رسمية أو غير رسمية وظيفتها نشر الأخبار ونقل المعلومات … ويمكن حصر مهامه الرئيسية في عدة محاور هي …تمثيل الرأي العام والمؤسسات والتواصل مع الجمهور والتواصل السياسي ، الترفيه مثل التمثيليات والرياضة والموسيقى والقراءة العامة ، تقديم الخدمات للجمهور كالإعلانات … وتقسم وسائل الإعلام إلى …( الصحف ،المجلات ، التلفاز ، المذياع ، المطبوعات ، الانترنيت )… وقد لعب الإعلام دورا مهما في تغيير دفة الأحداث عبر التاريخ وترجيح ميزان القوى في الصراعات القائمة بكل أشكالها ، بطريقة تخضع لظروف الزمان والمكان اللذان حدثت فيهما هذه الصراعات اعتمادا على التطور الحضاري والتكلنوجي الذي رافقها ، وقد استغل الإعلام في توجيه الرأي العام في المفاصل المهمة التي تمر بها الدول والشعوب سلبا أو إيجابا ، ويمكن اعتبار مقولة ( كذب كذب حتى يصدقك الناس) … علامة فارقة في مسيرة الإعلام العالمي الحديث ، وتحت هذا الشعار بدأ جوزيف غوبلز وزير الإعلام النازي حملته الإعلامية أثناء وقبل نشوب الحرب العامية الثانية عام 1939، وتحت عباءته انطلقت النازية الألمانية اتجاه جمهورها والمتعاطفين معها ، في محاولة لتضليل الرأي العام الداخلي والعالمية ، ورسم صورة جميلة للفكر النازي السادي والاقصائي اتجاه الأجناس الأخرى من الشعوب ، والذي نظر له زعيمها أدولف هتلر في كتابه (كفاحي) … لتكون غطاء لحملته العسكرية الدموية التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسين مليون إنسان في أربعة سنوات من الحرب … وقد شكلت هذه الظاهرة سابقة جديدة وخطيرة في تاريخ الإعلام في عصرنا الحديث ، فتح الباب لبروباغندا إعلامية ساهمت بشكل كبير في تسير دفة الأحداث في عالمنا المعاصر ، بالشكل والصورة التي تراهما الأطراف المتصارعة عسكريا و أيدلوجيا ، لا كما هي الحقيقة على الأرض …وبذلك يعد غوبلز مؤسس لفن الدعاية الإعلامية بلونها الرمادي … ويمكن تعريف الإعلام المضاد على انه …(هو عملية قصدية تستهدف تغييب الحقيقة وتزييفها ، واستبدالها بكل ماهو غير حقيقي وباطل ومزيف )
… وقد عبر رئيس الوزراء البريطاني أبان الحرب العالمية الثانية ونستون تشرشل عن هذا النوع من التضليل الإعلامي بقوله … ( إن الأكذوبة تقوم بدورة كاملة حول العالم قبل أن تنتهي الحقيقة من ارتداء سروالها ) … ويعتمد تأثير الدعاية والإعلام المضاد في المجتمعات ، على عدة عوامل … منها درجة الوعي ومقدار الثقافة التي يتمتع يهما أبناء هذه المجتمعات ، ومقدار التطور الحضاري والتكلنوجي لها … إضافة إلى العوامل الدينية والبيئية والاقتصادية التي تتحكم بالحراك الإنساني لها … وقد استغل عامل الوعي بصورة كبيرة في عملية التضليل الإعلامي وقيادة الشعوب وفق ديماغوجية سياسية ولدت التباس وتشويش فكري لدى الفرد … يذكر المسعودي في كتابه (مروج الذهب ) .. حين وصل خبر استشهاد الإمام علي بن أبي طالب (ع) إلى الشام وهو قائم يصلي ، تساءل الشاميون الذين كانوا يخضعون لبروباغندا أموية قلبت لهم حقائق الأمور ..( أو كان علي بن أبي طالب يصلي ) …لذلك كان أكثر ما يثير حفيظة الطغاة والمستبدين من الحكام هو الإنسان المثقف الذي يمتلك درجة من الوعي يستطيع من خلالها التمييز بين الحق والباطل والحقيقة والزيف ، وهذا الأمر الذي دعا غوبلز أن يردد مقولته الشهيرة …( كلما سمعت بكلمة مثقف تحسست مسدسي )… بعد التاسع من نيسان عام 2003 وما حدث من هزة عنيفة في الواقع السياسي والاجتماعي العراقي ، نتج عن زوال الصنم تحت وقع هدير مجنزرات الجيش الأمريكي الذي قال انه جائنا فاتحا ، ثم تحول بإرادته هو إلى محتل غاشم ، بعد هذا التاريخ تغيرت الكثير من المعادلات التي كانت قائمة لقرون طويلة في الواقع العراقي وانقلبت موازين القوى الاثنية والقومية فيه ، وظهرت إلى الواقع نمطية اجتماعية وسياسية لم يألفها العالم و المحيط الإقليمي وجزء من المجتمع العراقي كان يجد لنفسه الأحقية التاريخية في قيادة العراق تبعا لتراكمات فرضتها على الواقع الطبيعة الاثنية للمحيط الإقليمي والإرث السياسي الطويل في حكم هذا البلد … وهذا بدوره ولد صراعا خفيا عبر عن نفسه بأشكال عدة ، ساهم في إذكائه والتحريض عليه بصورة رئيسية الإعلام العربي والعالمي وبعض الإعلام المحلي ، والذي اخذ أشكالا مختلفة ، مرئية ومسموعة ومقروءة ، إلا إن التأثير الأكبر كان للمحطات الفضائية والتي هي أكثر انتشارا ومتابعة من قبل الجمهور العراقي والتي لم يعرفها إلا بعد سقوط النظام عام 2003 … حيث عمل هذا الإعلام المضاد على محاولة إفشال التجربة الديمقراطية الفتية في العراق وتعطيل بناء الدولة الحديثة ومؤسساتها من خلال بث روح الفرقة والتناحر بين أبناء المجتمع الواحد ، وإثارة النعرات الطائفية والقومية ، محاولة منها في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ، وتصوير ما حدث على انه هزيمة لمكون ما اتجاه المكونات الأخرى للمجتمع العراقي ، مخافة من تصدير هذه التجربة إلى المحيط الإقليمي الذي تحكمه في الغالب أنظمة شمولية لا تؤمن بالديمقراطية كأداة لقيادة مجتمعاتها … من خلال التركيز على الجوانب السلبية وإبرازها وتصويرها على إنها هي الصورة الحقيقية للمشهد العراقي ، والدعم والتبرير للعمليات الإرهابية التي حصدت الآلاف الأرواح البريئة من أبناء هذا الشعب والترويج لها تحت مسميات تأخذ بعدا وطنيا نبيلا … متخذة أساليب عدة في سعيها الحثيث هذا منها … استخدام وسيلة العامل النفسي وتكرار الأكاذيب والترويج لها وتصويرها على إنها حقائق مؤكدة من خلال دعمها بشواهد ليس لها وجود لأيهام المتلقي بجدية ومنطقية هذه الأكاذيب … تغييب المنطق والترويج للخرافات وتحويل الوعي النظري إلى وعي دعائي قائم على ما تصوره وسائل الإعلام هذه للناس لا كما هو واقع … إتباع عملية التسقيط الأخلاقي والاعتباري لشخصيات دينية وسياسية لها تأثيرها الايجابي في الشارع العراقي وتلفيق التهم عليها دون الاستناد إلى أدلة حقيقية للضغط عليها والتقليل من شأنها لتغيير مواقفها الوطنية …إشاعة روح النكتة والتهكم على الواقع وخلق حالة من الكوميديا السوداء تثير مشاعر الازدراء لدى الفرد ، القيام بنشر مفاهيم دينية واجتماعية وسياسية مخطوئة وتصويرها على إنها من البديهيات لإيقاع أصحاب الحظوظ البسيطة من التعليم والإدراك في شراك التعصب والتطرف والعداء لكل ماهو قائم ، من خلال الاتفاف عليه تحت شعارات ذات أبعاد سامية … التركيز على وهم الحقيقة على إن كل ما جاء بعد التاسع من نيسان 2003 هو من صناعة المحتل الأمريكي ، ووفق المبدأ القائل … إن كلما بني على باطل فهو باطل … ان هذا الترويج الإعلامي المضاد الذي استمر لأكثر من احد عشر سنة ساهم في تدهور الوضع العراقي على جميع الأصعدة واخذ بعدا سيتراتيجيا في نفسية وسلوك الفرد العراقي ، ككرة الثلج المتدحرجة ، فولد الإحباط واليأس لديه ، إضافة إلى انه ساهم في تعطيل معظم مرافق الحياة وتأخر العراق عن ركب الحضارة ، وتفشي ظاهرة الإرهاب بصورة خطيرة وملفتة للنظر فيه ، مما أتاح للفساد المالي والإداري أن ينخر جميع مفاصله الحيوية وحتى الأمنية منها … بغياب واضح وملموس للإعلام الوطني على الرغم من كثرته في أيامنا هذه ، إلا إن معظم هذا الإعلام صبغ بألوان الطيف الحزبي والاثني والقومي ، وابتعد عن عنوانه الوطني العريض إلا ما ندر منه ، وتقاطع مع بعضه البعض بسبب اختلاف الرؤى والتوجهات الحزبية والعقائدية … مما ساهم في زيادة المشكلة واستفحالها ، لذلك فالعراق بحاجة إلى مشروع إعلامي وطني كبير يتجاوز ويتجرد المشرفون عليه من كل عقدهم وتراكماتهم الطائفية والقومية ، وان ينصهر الجميع فيه في بوتقة العراق ، يأخذ هذا الإعلام على عاتقه عملية سحب البساط من تحت أقدام الإعلام المعادي للعراق ، ويسلبه المبادرة … عن طريق إشاعة روح المؤاخاة والألفة والتعايش بين أبنائه وترسيخ ثقافة السلم الأهلي ، والتصدي بالحجة والخبر الرصين لكل أشكال الدعاية المغرضة والأكاذيب التي تروج لها وسائل الإعلام المعادية للتجربة العراقية … ونقل الحقيقة المجردة البعيدة عن كل أشكال الزيف والتدليس والتهريج الإعلامي الرخيص ، ومحاربة الإرهاب وفضحه بكل إشكاله وعناوينه ومن خلفه الفساد ، ليتمكن المواطن العراقي من معرفة أين يقف هو الآن وماله وما عليه … في ظل هذا الزخم الإعلامي الكبير المحيط به .