23 نوفمبر، 2024 4:46 ص
Search
Close this search box.

الإعلام المستقل والإعلام المملوك بين المال والمعايير المهنية

الإعلام المستقل والإعلام المملوك بين المال والمعايير المهنية

بسعى الإعلام العراقي جميعه اليوم الى إنتهاج سبل متعددة لتحقيق نسبة قراءة أو مشاهدة أو إستماع عالية ومحاولة التوجه وإستمالة الكثير من الشرائح الواقعة ضمن خارطة تأثيرها أو ساحة فعلها الحقيقي معتمدة على عناصر كثيرة من تقنيات ، كفاءات بشرية مهنية ، وجمالية الإخراج وأحيانا إنتهاج عنصري المخالفة والصدمة والمقصود في الأولى الخروج عن إجماع أغلب الوسائل الإعلامية حيال حادث أو خبر والصدمة الخروج عن المعايير المهنية والثوابت والأعراف والقيم الإجتماعية مهما كانت النتائج ونوعية الجمهور المكتسب أو قيمة الجمهور المفقود .

وتتميز الساحة الإعلامية العراقية بعامل واحد يكاد يكون قاعدة حسابات رياضية لأسباب نجاح وديمومة هذه الوسائل ، وهو التخصيصات المالية الكبيرة الكافية والمستقرة التي تمكنها من تنفيذ برنامجها ومخطط عملها وإختيار العناصر البشرية المناسبة المؤهلة وأصحاب الخبرة والكفاءة والقدرات الناجحة المعروفة ونجوم الإعلام والفن والثقافة ، ويمكنها الوضع المالي المستقر كذلك من توفير وشراء المواد الإعلامية المنتجة داخل وخارج الوطن وكذلك إنتاج مواد أخرى بمعايير كبيرة ومدروسة دون النظر الى التكلفة وعاملي الربح والخسارة وبما يخلق متابعة ومواضبة جماهيرية ولإقتفاء أثرها ونتاجها على مدار إنتظام تفاعلها وإنتاجها ، وكذلك مايمكنها من رصد الأخبار والأحداث حال وقوعها حتى في غياب مراسليها ومصوريها إذ تعمد الى شراء الخبر والصورة والفلم حصريا والإنفراد به كمكسب وتميز مهني  ، مما يشكل عامل جذب ومتابعة جماهيرية لهذه المؤسسة الإعلامية أياً كانت خلفيتها .

وفي خضم تعاظم الموارد المالية للأحزاب العراقية وبغض النظر عن أصول هذه الموارد فإن القائمين عليها دون تمييز قد وعوا قيمة مفصل الإعلام هذا بمختلف ألوانه المقروءة والمرئية والمسموعة وقدرته في التأثير وتحقيق المكاسب التعبوية الكبيرة والترويج للخطاب السياسي بصور شتى مباشرة أو غير مباشرة ، وإنتهجت بعض الشخصيات من رجال المال هذا النهج في إستحداث وسائل إعلامية متنوعة تنضوي تحت مؤسسات ضخمة كبيرة برواتب مغرية للترويج للتوجه الإعلامي المرسوم ولتكون صدى أفكار صاحبها بل وأحيانا وسيلة للضغط والفضائح التهديد و الإبتزاز للشخصيات المناوئة ، وتتوفر للقنوات التي يملكها الأشخاص مؤهلات ومزايا أخرى أهمها الإغداق الأكبر المتفاعل مع الأحداث وبصورة أكبر من القنوات الحزبية لكون صاحب القرار شخص واحد وليس مجلس إدارة وإن كان الأخير موجودا فهو تنفيذي وليس صاحب قرار وسيادة ادارية ، وبهذا الجانب تعمل القنوات الشخصية ( وإن لم تسمى ظاهريا بإسم صاحبها  بل بإسم مهني معنوي متميز) بمنطق المنح والرعاية الآنية والهبات الإنسانية والمكارم الإجتماعية وتكريم المبدعين والرواد والفائزين وغيرها الكثير ووفق الحدود المالية التي يخصصها صاحب المال والقرار ، وفي بعض الأحيان تعلن المؤسسات عن تبرع أو رعاية أو هبة أو تكريم أو تبني الأستاذ صاحب القناة وبالإسم الصريح . 

وتبقى الصحف والمجلات ووكالات الأنباء والإذاعات والقنوات التلفزيوتية المستقلة الممولة من محرريها والعاملين فيها ومؤسسيها من غير ذوي المال عرضة للنكبات المادية والمديونية والتوقف والإفلاس بسبب نضوب المال المخصص لها لتخلو الساحة من الإعلام المحايد المستقل وفي قسم كبير منها الوطني ولتبقى مفتوحة لمالكي المال والفكر فقط بغض النظر عن القرب أو البعد عن هموم الوطن ومصالحه .

ولعل في إستمرارية القنوات الفضائية الحزبية دليل واضح على هذه الصورة وأسباب إستمرارها رغم عدم وجود دليل على جدواها المادية وتحقيقها المردودات المادية الحقيقية أو جدواها الإقتصادية لأنها في الأساس لم تبنى على دراسة جدوى مادية بل دراسة جدوى فكرية وهو محصلة ناجحة في هذا الإتجاه بالتأكيد .

  ومن خلال تتبعنا لكثير من المؤسسات المستقلة التي أنشئت بدءاً من العام 2003 وحتى الآن تلاشت نسبة كبيرة منها وأعلنت إفلاسها وتوقفت لغياب  السياسة الحكومية الداعمة للاعلام المستقل في العراق والذي لو توفر لخلق حالة من الإستقرار المهني التنافسي الذي يخدم الوطن من خلال الرقابة الشعبية والتقويم والنقد ومتابعة الأجهزة التنفيذية والإرتقاء بالإداء الحكومي الى مراتب متقدمة وتنمية الشعور بالمسؤولية والثواب والعقاب .

أحدث المقالات

أحدث المقالات