25 فبراير، 2025 8:54 ص

الإعلام العربي بين تحديات التضليل ومسؤولية الوعي

الإعلام العربي بين تحديات التضليل ومسؤولية الوعي

مما لا شك فيه بأن المعلومة أصبحت في وقتنا الحالي سلاحًا بيد من يتقن توظيفها، وهذا الأمر أصبح يستدعي جهودًا مكثفة من المعنيين لمراجعة جادة لدور الإعلام في صياغة المشهد السياسي والاجتماعي العربي، وهذا ما أكده المؤتمر العام للاتحاد الخليجي للإعلام في بغداد الذي جاء ليضع النقاط على الحروف بشأن كثير من القضايا التي ظلت لعقود محل تجاذب بين الرؤى والتوجهات المختلفة.
حيث كانت فكرة انعقاد المؤتمر في العاصمة العراقية بغداد ؛ كان رسالة واضحة بأن العراق، بتاريخ ثقله الحضاري، لا يزال في صلب المشهد الإعلامي العربي، وأن الخليج، بمنظومته المتسعة، يدرك ضرورة توحيد الجهود لمواجهة التحديات المتسارعة، كما أنه يحمل  في الوقت ذاته دلالاته العميقة،  لمدينة كانت لقرون عاصمة للمعرفة وصوتًا للحضارة، والتي تعود اليوم لتكون نقطة التقاء بين الإعلام الخليجي والعراقي، في محاولة لصياغة خطاب جديد يتجاوز الخطوط الحمراء التقليدية التي عطلت لسنوات قدرة الإعلام العربي على أن يكون قوة تغيير حقيقية.
وفي أروقة المؤتمر، بدت الحاجة ملحة إلى مراجعة جذرية للخطاب الإعلامي العربي، بحيث يكون أكثر وعيًا بمسؤولياته، وأكثر قدرة على التصدي لمحاولات استهداف الوعي الجمعي للشعوب، ومنذ انطلاق جلسات المؤتمر، بدا واضحًا أن هذا المؤتمر لا يشبه غيره من المؤتمرات التي اعتادها الإعلام العربي، والتي تقتصر في معظهما على اجتماعات لإلقاء الكلمات والاستماع إلى التصفيق، بل كان ساحة حقيقية للحوار، حيث اصطدمت الرؤى، وتشكلت مسارات جديدة قد تعيد ترتيب الأولويات في صناعة المحتوى الإعلامي العربي. التحديات التي تواجه الإعلام اليوم لم تعد تقف عند حدود المصداقية أو المهنية، بل باتت تشمل معركة كبرى ضد التضليل والتزييف الممنهج، ومحاولات توجيه الرأي العام وفق أجندات مشبوهة.
لم يكن النقاش في هذا المؤتمر تقليديًا، بل اتخذ طابعًا نقديًا جريئًا، حيث طرحت تساؤلات جوهرية عن قدرة الإعلام العربي على مواجهة التحديات الجديدة، وعن مدى التزام المؤسسات الإعلامية بالمسؤولية الأخلاقية والمهنية في ظل الاستقطاب الحاد الذي تشهده الساحة الإقليمية. كان هناك إدراك جماعي بأن الإعلام العربي، لكي يكون فاعلًا، يحتاج إلى إعادة تعريف دوره، والانتقال من موقع المراقب إلى موقع المؤثر، دون أن يفقد بوصلته المهنية.
المؤتمر خرج بجملة من التوصيات ، لتكون بمثابة خارطة طريق لإعلام عربي أكثر تماسكًا وتأثيرًا، كان هناك إجماع على أن مستقبل الإعلام الخليجي والعراقي يتطلب آليات واضحة، أبرزها إنشاء منصات مشتركة بين الإعلام الخليجي والعراقي، تعكس الواقع بموضوعية، وتتصدى لحملات التضليل التي تستهدف استقرار الدول العربية، ووضع ميثاق شرف إعلامي يضمن التزام الصحافة بالحياد، والابتعاد عن الخطاب الطائفي أو التحريضي، وكذلك تأسيس لجنة إعلامية متخصصة لرصد الأخبار الكاذبة والتعامل معها وفق معايير مهنية، ودعم الصحافة الاستقصائية لمكافحة الفساد وتعزيز ثقافة الشفافية والمساءلة والتأكيد على ضرورة تفعيل آليات التدقيق الإعلامي، لمواجهة التضليل الرقمي والأخبار المفبركة التي تنتشر كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ورغم أهمية هذه التوصيات إلا أنها بحاجة إلى إرادة حقيقية لترجمتها إلى واقع ملموس، فالإعلام العربي لن يكون قادرًا على حماية استقراره إن لم يحمِ أولًا مصداقيته، ولن يكون قوة مؤثرة إن لم يمتلك الأدوات الكفيلة بجعله صانعًا للأحداث، لا مجرد ناقل لها.
ومن خلال متابعتي للمؤتمر فقد كان لنائب رئيس الوزراء العراقي السابق الدكتور صالح المطلك حضور لافت، حيث قدم رؤية متكاملة لما يمكن أن يكون عليه الإعلام العربي في هذه المرحلة المفصلية، وطرح أفكارًا تذهب بعيدًا عن الطروحات التقليدية، مؤكدًا أن الإعلام، في جوهره، ليس مجرد صناعة خبر، بل هو مشروع وعي يجب أن يكون قادرًا على بناء إدراك مجتمعي يحمي الأوطان من الانزلاق في فخ الأجندات العابثة.
كلماته حملت تحذيرًا ضمنيًا من أن الإعلام العربي، إن لم يعِ خطورة المرحلة، قد يجد نفسه عاجزًا عن مواجهة التحديات التي تهدد المجتمعات من الداخل قبل أن تأتيها الأخطار من الخارج، كما دعا المطلك إلى إعلام مسؤول، يرتقي بالخطاب، ويبتعد عن الاستقطاب، لم تكن مجرد شعارات، بل كانت قراءة واقعية لمشهد يحتاج إلى إعادة ضبط إيقاعه بما يتناسب مع المتغيرات الجديدة.
إننا نتطلع الى ما بعد المؤتمر من تطبيقات على أرض لواقع ونهضة ملموسة في الإعلام العربي لأننا مللنا من المؤتمرات التي تخرج بتوصيات رنانة، تُلقى بعد ذلك في أدراج النسيان، دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ ..

أحدث المقالات

أحدث المقالات