الإعلام الديمقراطي , إعلام وطني حر , يرتكز على المصلحة الوطنية الخالصة , وأخلاقياته ذات معايير وقيم وطنية إنسانية , تراعي الثوابت والضوابط اللازمة لمسيرة تفاعل الأجيال وتواصلها , وإطلاق ما فيها من القدرات الإبداعية الحضارية لبناء الوجود الوطني الأرقى.
ولا يمكن للإعلام الديمقراطي أن يكون متطرفا , أو معبرا عن وجهة نظر حزبية أو فئوية أو مذهبية , بعيدا عن المصلحة الوطنية الجامعة العليا.
ولا يمكنه أن يكون إعلام صراعات وتبادل إتهامات ووجهات نظر ضيقة وتصفية حسابات سياسية.
الإعلام الديمقراطي إعلام وطني معتدل!
ينشد الحقيقة والمعرفة والتنوير العقلي , ولا يؤسس للتضليل والأفك والأكاذيب والخداعات , والتبريرات اللازمة لمواصلة السلوك المشين.
الإعلام الديمقراطي , يجب أن يكون خاليا من المفردات الضارة بالنفس والسلوك , وأن يكون تحت رقابة مستشارين نفسانيين ولغويين مهرة محنكين , يدرسون تأثير المفردات على المتلقي.
وهو لا يمكن أن يتحقق في مجتمع تكون القيادات الحاكمة فيه ذات توجه متطرف وفئوي , ولا تملك الثقافة الكافية للتعبير عن الديمقراطية بسلوكها السياسي.
ومما يثير الدهشة والإستغراب , أن مجتمعاتنا حسبت الإعلام الديمقراطي , أن تتكلم على هواك , وتعبر عن إنفعالاتك وعواطفك , وغضبك , وعدوانك عبر الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئيات , وكأن الديمقراطية , أن تتحلل من الضوابط والمعايير الأخلاقية والوطنية والمسؤولية الإنسانية والسلوكية.
وأصبح الإعلام عندنا يتسم بالملامح الغابية , ويعبر عن سمات جاهلية بدائية , مشبعة بالأمية والإنفعالية والإندفاعية , والسلوكيات التهجمية التهكمية المشحونة بطاقات العواطف السلبية , مما تسبب في تحويله إلى سوح تلاحي وإضطراب وتشويش وتشويه للحقائق , وتسويغ للبدع والأكاذيب, ففقد الناس ثقتهم بالإعلام , واضطربت مفاهيمهم , وتفاعلاتهم وفقا لما يتم حشوه في رؤوسهم , بواسطة هذا الإعلام السيئ المبرمج والموجه لقتل الإنسان!
ولا يمكن الخروج من هذا المأزق التدميري للإنسان والوطن والمعتقد , إلا بالإلتزام بالمعايير الصحيحة الصالحة لبناء الوطن والإنسان , فلا يمكن لإرادة الحزب أو الفئة أن تعلو على إرادة الوطن والشعب كحالة واحدة , ذات قيمة حضارية ومسؤولية مشتركة عن الحاضر والمستقبل.
فالإعلام الديمقراطي عندنا بحاجة إلى تنقيح ثقافي , بمعنى إعادة تركيب الوعي , ويقظة القائمين على الإعلام , بالإلتزام بالكلمة المعتدلة النقية الطاهرة , الطيبة الساعية إلى الخير والمحبة والألفة والأخوة والسلام والأمن , والتفاعل الوطني الأصيل , بعيدا عن أي توجه للإضرار بالحياة , ويمكن إختصار فلسفة الإعلام الديمقراطي بالقول أن “الكلمة الطيبة صدقة”.
فاصدقوا في كلماتكم , وتخيّروا أطيبها للكتابة والقول والخطابة!!
وأية خطوة غير ذلك ستكون لا ديمقراطية , ولا يمكن لحكومة تتكلم بمفردات سلبية أن تصنع إعلاما ديمقراطيا مهما حاولت , فلتبدأ الحكومات بنفسها أولا , وتراجع وتراقب مفرداتها ومحتويات خطابها , وتشذبه من جراثيم البغضاء والكراهية والتحزبية , وتداويه بالمفردات الوطنية الساطعة الناصحة الشافية , لعلل السلوك الدامي الأليم!!
وعندها فقط يحق لنا أن نقول بأن إعلامنا ديمقراطي!!