بدأت ظاهرة الاعلام الخليجي منذ ان ظهر تلفزيون الشرق الاوسط mbc كمرحلة اعلامية حساسة جاءت بعد العدوان الثلاثيني على العراق شتاء 1991 واشتداد الحصار الاقتصادي الظالم على العراق، و كانت المحطة التي بدأت تبث كفضائية اخبارية، موجهة اساسا لمسح الصورة السلبية الخليجية التي ترسخت في اذهان جماهير عربية واسعة، وخاصة في بلدان المغرب العربي، التي استنكرت الهجوم الامريكي على العراق بمشاركة عدد من الدول العربية في ذلك العدوان تحت شعار “تحرير الكويت” او “عاصفة الصحراء” كما سماها الامريكيون.
وتلعب الفضائية الامريكية CNN في مرحلة الحرب الامريكية الساخنة ومعها شركة MSNBC ادوارا هامة ، كونهما الناطقتان باسم الأجهزة العسكرية والمخابراتية الأمريكية، وقد تراجعتا لاحقا نسبيا ، تماشيا مع الظروف السياسية والتجارية الجارية في العالم ، لتعطي بعضا من مهماتهما وادوارهما الى قنوات فضائية إقليمية، منها ناطقة بالعربية والانجليزية، كالجزيرة القطرية وعدد من الفضائيات الأخرى مثل العربية وابنتها الحدث وأخريات مثل سكاي نيوز وBBC البريطانية .
الفضائيات الخليجية الناطقة باللغة العربية يمولها المال النفطي العربي ، الخليجي خاصة، انطلقت معتمدة على الجانب الاشهاري السياسي والبرامج الحوارية من خلال الندوات وتوزيع المراسلين لتغطية الاخبار العاجلة على شاكلة القنوات الاخبارية الامريكية والغربية، ولكنها اعتمدت اسلوبا واضحا في محاولاتها على تسويق بعض وجهات النظر المطلوبة منها، والعمل على صناعة أسماء وعناوين سياسية معينة على امتداد الساحة العربية، وخاصة خلال الأحداث التي ظلت تعصف بالمنطقة منذ غزو العراق 2003 وما تلاها من أحداث ما سمى الربيع العربي.
والغريب في الأمر ان تتصرف مثل هذه الفضائيات ، بنفس الطريقة الأمريكية وكأنها مؤسسات مستقلة غير خاضعة لمموليها من الأشخاص والامراء والشيوخ وحتى من بعض الحكومات الخليجية التي يفترض ان تشرف عليها، كدول ،وتحدد سياسة نشرها ونشاطها، وهذا ما يلاحظ من مواقف عديدة تفردت بها هذه الفضائيات وبدت وكأنها لا تعبر عن مواقف حكومات مثل المملكة العربية السعودية والإمارات في فضائيات ” العربية” و”الحدث”، وقناة “الجزيرة” في حالة دولة قطر، وبدرجة اقل من الناحية الاجتماعية والاخلاقية والفنية ما تفعله مجموعات MBC وروتانا بكل أنواعها وتخصصاتها حيث بدت وكأنها منفلتة عن حالات المحافظة المعروفة لدى مجتمعات دول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية.
وإذا ما عالجنا الأمر من زاوية مبدأ حق توفر الحريات للإعلام المكتوب والسمعي البصري فالبلدان الخليجية معروفة، حيث تحكمها اسر وأفراد من الأمراء والشيوخ، لا يؤمنون أصلا بحرية الإعلام، ويتعاملون مع مؤسساتهم تلك كملكيات فردية او عائلية، لهذا فان التناقض بما تطرحه تلكم الفضائيات التي اشرنا اليها اعلاه يبدو غريبا في كثير من المواقف والاحداث العربية، وخاصة في معالجات الحصار و الحرب وغزو العراق 2003 واحداث الربيع العربي وما تلاها من مواقف في شهدها العراق وسوريا واليمن والبحرين وليبيا، فشتان ما بين الدعوة للحفاظ على هيبة السلطة والدولة في النظام العربي الرسمي، واحترام النظام الحاكم في كل دولة خليجية، حيث انفلت الاعلام الخليجي ما بين التحريض الاعلامي على التمرد والانتفاضة وحتى الثورة على الحكام والحكومات في بقية البلدان العربية، وخاصة ذات الانظمة الجمهورية خاصة.
فاستنكار حالة التوريث في بعض الانظمة الجمهورية الذي كان يشكل هاجسا لدى الجماهير والنخب العربية في مصر وليبيا وسوريا واليمن كان مرفوضا ومستهجنا في ثنايا برامج الاعلام الخليجي؛ لكن ذلك التوريث للحكم يبقى شرعيا في دول الخليج.
حتى الانقلابات الناعمة والخشنة للوصول الى الحكم والامارة التي تمت بدول الخليج كانت مقبولة ومبررة في الاعلام الخليجي، في حين ظلت مدانة ومرفوضة خليجيا في البلدان الاخرى، وما حدث من تغيرات في هرم بعض الامارات والممالك والمشايخ الخليجية مر دون اعتراض من قبل هذا الاعلام ، وحتى من قبل الاسر الحاكمة في دول الخليج، رغم ان اغلب هذه الدول قد شهدت صراعات على السلطة وتم تغيير العديد من الحكام والشيوخ والامراء بانقلابات قصور، كانت مدبرة في البحرين وقطر وعمان وغيرها.
قد لا تكون مؤسسات الإعلام العربي الخليجي بضخامة الإعلام الأمريكي،ولا تشكل مصدر ضغط سياسي على السلطات الخليجية، الا انه بدى في حالات عديده وكأنه يغرد خارج السرب الرسمي والموقف الرسمي لسياسات تلك الدول وعلاقاتها العربية العربية.
ورغم ان الإعلام الخليجي قد حظي بأموال سخية من الدعم فتكونت بداخله لوبيات صارت نافذة في توجيه الاعلام في تلك القنوات، وخاصة تواجد بعض الإعلاميين العرب، في ادارتها وفي هيئات تحرير موادها وبرامجها الاعلامية، وخاصة مجموعة من الاعلاميين اللبنانيين، ممن باتوا يوجهون هذا الإعلام بوجهات تشير حالة من الريبة والشك، حيث اضح الكثير من برامجها وصياغات اخبارها وعواجلها المنقولة على المباشر تخدم قوى وتوجهات سياسية أجنبية ، غير عربية. وفي مواقف كثيرة اظهرت مجموعات صحفية في تلك القنوات نشاطاتها للعلن وكأنها باتت تعمل بالوكالة لخدمة النفوذ الأمريكي وتوجهاته في المنطقة والعالم او التعاطي مع واقع النفوذ الإيراني الممتد باذرعه الطائفية ومليشياته المسلحة، ولا يستبعد كذلك سكوت هذا الإعلام عن التغلغل الصهيوني ايضا للعمل على تكييف الحالة العربية لقبول التطبيع مع إسرائيل وإضعاف وتراجع حضور القضية الفلسطينية وإظهارها كحالة ممزقة ميئوس منها ، تتراجع الى الخلف من أولويات الاحداث العاصفة في الوطن العربي.
ان الحملة على الارهاب وبعد مؤتمر القمة الخليجية الامريكية الاسلامية الاخير في الرياض وما افرزه بعدها من خلاف مع الدولة القطرية لوحظ دور الاعلام الخليجي المنقسم طوليا وعرضيا في محاربة بعضه بعض وكأن الحرب والحصار والقتال كاد يقترب من جزيرة قطر ، وقناتها الفضائية الجزيرة، ان صيغة خطاب التحريض في كل هذه الفضائيات كتبه صحفيون معروفون موظفون بجهاز الاعلام الخليجي لكنه كان يخدم توجهات لوبيات معينة لاىيمكن استبعادها من نفوذ حزب الله اللبناني وارتباطاتها مع ايران، وانعكس ذلك تماما في تحريف الحملة ضد ايران وارهابها الى حملة ضد او مع قطر ودول الخليج.
ولا شك ان تساؤلات عدة سبق ان وجهت الى المسؤولين السياسيين في دول الخليج العربي، عن مدى خطورة توظيف مؤسسات الاعلام الثقيلة، العائدة لها، ودورها نحو اضعاف وحدة دول الخليج العربي نفسها، من ناحية، وكذلك عدم مقبولية خطابها الاعلامي ومعالجاتها في كثير من القضايا العربية، كالاحداث الجارية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا.
واذا كانت هناك الفوضى الخلاقة التي اعتمدتها السياسة الامريكية تنفذ في المنطقة العربية فعلا ، فان الاعلام الخليجي يبرز وكأنه المشاغب الاول في لعبة نشر الفوضى الخلاقة، وحتى التضليل احيانا عن تحديد اتجاه البوصلة لكشف الاخطار المحدقة بالعرب، ولخطورة مثل هذا اللعب في قضايا المصير العربي لا بد من اعادة النظر في ادارة هذا الاعلامة وتطهيره من نفوذ المافيات واللوبيات الايرانية والغربية وحتى الاسرائيلية.