أليس أمراً يدعو للإستغراب ــ بقدر مايدعو للألم والأسف ــ عندما نجد فَرَحَاً خفياً ـــ ليس من السهل إخفاءه ويكشف عن حقيقته ـــ عبر هذا الكم الكبير من الاخبارالكاذبة والمزيفة التي باتت تروّج عن الموصل بعد سقوطها تحت سلطة تنظيم داعش الارهابي ! ؟
هو فرحٌ بما جرى ويجري لأهلها من مصائب .. فما عاد هنالك من يوم واحد يمر علينا من دون أن نقرأ في بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي(الفيس بوك)الكثير من التعليقات والاخبار الكاذبة،لتتحول فجأة: صورة مقاتل داعشي،وهو يقف الى جانب طفلة صغيرة بعد ان اكملت دورة لحفظ القران في مدينة سورية يسيطر عليها التنظيم،الى حفل زواج لهذا الداعشي من الطفلة المسيحية الموصلية ! !!!
وتتحول صورة مشهد تمثيلي قام به مجموعة من النشطاء المصريين تابعين للأخوان المسلمين في مدينة الاسكندرية،عندما وضعوا مجموعة من زميلاتهم في الحزب داخل قفص حديدي،فوق احدى السيارات للسخرية من السلطة المصرية التي كانت قد اعتقلت عددا من النساء الاخوانيات الى موكب لبيع النساء الأيزيديات في شوارع الموصل !!!! )
وهكذا،يمضي على قدم وساق،مسلسل التزييف والتظليل للرأي العام قويا وسريعا،وعادة ماتكون وراءه مثل هذه الحملات اسباب ودوافع وجهات سياسية تجند لها الاموال والاشخاص الذين يتولون إدارتها والاستمرار بها.
هنا في مثل هذه الحالة المتعلقة بمدينة الموصل،اجد أن الاسباب لاتخرج عن إطارالصراع السياسي/ الطائفي،الذي تقف خلفه احزاب ممسكة بالسلطة،بعد أن اثبتت عجزها وفشلها لأكثر من ثمانية اعوام ــ طيلة فترة حكم المالكي ــ من ادارة دفة البلاد،بل ارتكبت اخطاء وخطايا كبيرة ستخضعها اليوم أو غداً للمساءلة امام المجتمع الدولي.
الاحزاب الشيعية الحاكمة بقيادة حزب الدعوة،لم تتردد في استعمال اسوأ الاساليب لتسقيط خصومها من الطائفة الاخرى،أولها وابسطها:أن تصدر بحقهم مذكرة اعتقال وفق المادة 4 ارهاب، خاصة اولئك الساسة الذين عادة مايصبح لديهم قاعدة وجمهورا كبيرا يصغي لهم ويثق بهم.وقد جندت لأجل بناء هذا المناخ المسموم بالتظليل،عديد من الاشخاص والمواقع الالكترونية، مهمتهم الرئيسة كانت ولازالت خلق هذا العالم المزيف،حتى وصل الامر في قضية الموصل الدرجة التي لم يعد فيها الاهتمام مُنصبَّا على الجرائم الحقيقية التي ترتكبها داعش ضد اهلها،وباتوا بين ليلة وضحاها مابين مطرقة داعش بكل همجيتها ،وسندان أكاذيب السلطة ومهرجيها.
ومن ابسط التهم التي اعتاد أن يروجها هذا الاعلام الاصفرعن سكان الموصل:تواطئهم مع داعش وتسهيل أمر دخولها،وهي فرية تهدف الى ابعاد مسؤولية ماحدث عن القوات الامنية والعسكرية التي كان قوامها اربع فرق عسكرية بكل معداتها الثقيلة و000 30 الف شرطي ! . بينما الواقع على الارض يؤكد بأن القوات الحكومية تتحمل كامل المسؤولية في دخول داعش الى المدينة لأنها لم تطلق رصاصة واحدة ضدها،بل انسحبت فجأة من المدينة بغير سابق انذار بعد أن تلقت أوامر من قيادتها العليا في بغداد ومن المالكي شخصيا بأعتباره القائد العام للقوات المسلحة .
إن مسلسل الكذب والتزييف في نقل الوقائع والاحداث سيستمر ولن يتوقف طالما استمرت عوامل الصراع الدموي قائمة مابين الاحزاب الشيعية الحاكمة
و بقية القوى والاحزاب السياسية السنية سواء التي كانت مشاركة في الحكم أو التي كانت خارجها.
و طالما هنالك أموال طائلة مخصصة لهذه الحرب الاعلامية الوسخة، سيكون هنالك العديد من الاقلام المعروفة وغير المعروفة اضافة الى المواقع والصحف،لديهم كامل الاستعداد للمشاركة فيها ،وسيسقط في مستنقعها كثير من الاشخاص العاديين الذين لايدركون خفايا هذه اللعبة ،وليس لديهم القدرة على التمييز والفرز مابين الخبر الصحيح والخبر المفبرك،وهؤلاء بدورهم ودون أن يقصدوا سيعيدون ترديد ونشر ماقرأوا من اكاذيب على انها حقائق ،وهكذا يتم صنع واقع مزيف جديد،اشد قذارة ووساخة من الواقع الحقيقي، يبدو فيه ــ الواقع الحقيقي ــ إزاء الواقع المزيف اكثر قبولا وانسانية !.