في كل الشرائع السماوية كان مبدأ الثواب والعقاب.. أساس التوجيهات والتعليمات المنزلة، قفد شرعه بارئنا في الأديان جميعها، وقد سارت كل الأمم التي نشأت على مر العصور على هذا الأساس، بما فيها الأمم التي لاتعتمد الشريعة الإسلامية دينا لها. ولو أخذنا جانب العقاب من هذا المبدأ واستقرأنا سريعا ماهيته، لرأينا أن الفائدة منه ليست انتقامية، بل هي إصلاحية وتقويمية للمنحرفين الذين شذوا عن الطريق السوي في ظرف من ظروف حياتهم، فهم غُرروا او خُدعوا فانزلقوا في منزلق الجريمة على اختلاف أصنافها. وقد جاء في القرآن الكريم: “ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب”. أي هو درس بإمكان المنحرف الاستفادة منه في حياته، بشكل أكثر صلاحا وأكثر خدمة للمجتمع، وكذلك هو إنذار وتحذير لباقي بني آدم الذين هم حتما كلهم خطاؤون، والتوابون منهم هم المستفيدون من العقوبة.
لكن هناك نفرا من المنحرفين والشاذين لايمكن عقوبتهم بسجن سنة او عشرة او عشرين، وذلك لما اقترفوه بحق الإنسانية سواء أكانت ضحيتهم فردا واحدا ام عشرة ام مليونا!. لذا كان الإعدام سيد الأحكام في بعض الجرائم، ومن غير الإنصاف والعدل تخفيفه إذ في هذا ظلم للمجنى عليه او عليهم لعظم الجريمة المرتكبة.
وبقراءة تاريخ العراق في بلاد وادي الرافدين، فقد سُنّت شرائع في بلاد آشور منها مخطوطة أور-نامو، ومخطوطة إشنونا، ومخطوطة لبت-إشتار ملك آيسن، في إعدام أشخاص اقترفوا جرائم شنيعة بحق الإنسانية، وتشريعات حمورابي سادس ملوك مملكة بابل القديمة التي تعود إلى العام 1700 قبل الميلاد، تُعدّ الأولى في التاريخ في تحديد وتطبيق أنواع القصاص بشكل متكامل وشمولي لكل نواحي الحياة. فمما نصت عليه آنذاك عقوبة الإعدام جرائم سرقة معبد أو ممتلكات حكومية عامة، أو حيازة مسروقات او لمساعدة عبد على الهرب أو إيواء عبدٍ هارب، وإذا ما تهالك بيت فوق صاحبه، فإن باني البيت يُعدم.
وبتطور الحضارات علميا وصناعيا وثقافيا واتساع الرقعة الجغرافية والكثافة السكانية للدول، أصبحت عقوبة الموت رادعا غير ضروري لمنع الجرائم الصغرى كالسرقة والاعتداءات على المال الخاص والعام. كما أن الحجة القائلة بأن أفضلية الردع على العقاب هي المبرر الرئيسي للعقاب تعد الصفة المميزة لنظرية الاختيار العقلاني، وقد أصاب مسؤولو تطبيق القانون عندما اتجه المحلفون إلى تبرئة الجنح غير العنيفة أفضل من الإدانة بما قد يفضي إلى الإعدام. ودعت كثير من المنظمات الإنسانية الى إيقاف عقوبة الإعدام مهما عظم الجرم المرتكب، ولاقت هذه الدعوة تأييدا واسعا، وكذلك معارضة كبيرة لدى أمم أخرى، وقد حددت 300 دولة يوم 30 نوفمبر من كل عام كذكرى لإيقاف عقوبة الإعدام، الذي يطلق عليه (من أجل يوم الحياة).
اليوم في عراقنا.. هناك مجرمون كثيرون تسببوا في أزهاق أرواح، ويتموا أطفالا.. ورملوا نساءً.. وفجعوا أما بابنها، او أبا بفلذة كبده، ومن غير المعقول ولا المنطقي وقوفهم خلف قفص اتهام رخوٍ، يمنح لهم بصيص عذر او مسوغ عما سببوه للمجتمع، لاسيما حين يكون المجرم من المتبوئين مقعدا قياديا ذا مسؤولية كبيرة، إذ منهم من تكفل بتمويل جريمة او التخطيط لها او الإدلال عليها، وكذلك منهم من سكت عنها، بما يفضي الى إحداث الأضرار الجسيمة فضلا عن إزهاق الإرواح، والتي صار السبيل اليها بيد هؤلاء متعدد الأوجه، أبسطها التفجير والتفخيخ والكواتم وما خفي كان أعظم.
إن أمثال هؤلاء حري بالجهات القضائية الإسراع بإصدار الحكم عليهم بما يتناسب مع جرمهم، ومادام جرمهم أودى بحياة شخص واحد على الأقل أو كاد يتسبب في ذلك، فأقصى العقوبات هي أنسب الجزاء لهم، ولمن بُتّ في حكم إعدامه قضائيا، فعلى المكلف بالمصادقة عليه -وهو رئيس الجمهورية- الإسراع في ذلك ليطهر المجتمع من أمثاله، لاالتباطؤ والتماهل في المصادقة، فتُفتح إذاك أبواب لتهريبه قد يصعب غلقها، فيعود الى مسرح الجريمة سالما معافى.