أطلقت القوى السياسية العراقية المنضوية تحت ما يعرف بـ “الإطار التنسيقي”، اليوم الأحد، مبادرة لحل الأزمة السياسية الراهنة، تضمنت دعوات لتسوية ما اعتبرته اختلالاً في نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وجاءت المبادرة، في ختام اجتماع استثنائي لقوى “الإطار التنسيقي” في منزل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بالعاصمة بغداد.
وقال مصدر سياسي رفيع في تحالف “الفتح”، الجناح السياسي لـ”الحشد الشعبي”، لـ”العربي الجديد”، في بغداد، إنّ الاجتماع الاستثنائي الذي انتهى قبل قليل تضمّن مناقشة القرار المرتقب للمحكمة الاتحادية المؤمل صدوره يوم غد الاثنين، كما نوقشت كيفية التعامل في حال رفضت المحكمة الطعن المقدم بنتائج الانتخابات أو أنها قبلت الطعن. كذلك تضمّنت إطلاق مبادرة لحل الأزمة باتفاق جميع قوى الإطار التنسيقي”.
وتضمنت المبادرة 9 نقاط؛ أهمها الدعوة إلى “استيعاب الطعون والشكاوى المقدمة بخصوص نتائج الانتخابات من قبل الجهات القضائية، وألا يكون التركيز على شكل الحكومة المقبلة، وإنما على البرنامج الحكومي لها”.
وشددت المبادرة على ما وصفته بـ”معالجة اختلال التوازن البرلماني الناتج عن الخلل في نتائج الانتخابات من خلال إيجاد معالجات دقيقة لضمان عدم التفرد بسن القوانين أو التشريعات والتغيير المقر منها أو إبطاله مع ضرورة أن تخضع الرئاسات الثلاث لاتفاق القوى السياسية مع مراعاة العرف الدستوري السائد”.
وضمّت المبادرة أيضاً “إيجاد آليات رصينة لمعالجة أزمة رفع سعر صرف الدولار، وتفعيل الزراعة والصناعة وتشجيع الاستثمار والقطاع الخاص ومعالجة أزمة المياه الخطيرة، ودعم التشريعات التي تعالج المشاكل الأساسية للمواطنين وتعمل على رفع المستوى الاقتصادي وتحافظ على الهوية الثقافية للشعب العراقي”.
كذلك طالبت بـ”رفع مستوى القدرات القتالية للقوات المسلحة بكافة صنوفها من جيش وشرطة اتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي والبشمركة ودعم جميع الأجهزة الأمنية مع الحفاظ على الحشد الشعبي ورفع قدراته ومأسسته واستكمال بناءاته وفق القانون”.
و أنّ “الاجتماع ركّز كذلك على مناقشة انسحاب القوات الأميركية القتالية من العراق، وتمت خلال هذه القسم استضافة مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، كونه المعني بهذا الملف، وحضر الاجتماع أيضاً عدد من قيادات “تنسيقية المقاومة العراقية”.
“قيادات “تنسيقية المقاومة العراقية” طالبت الأعرجي بتقديم أدلة تؤكد وجود انسحاب بشكل حقيقي من العراق، وبخلاف ذلك سيكون للفصائل المسلحة قرار بتصعيد الأعمال العسكرية ضد الأميركيين، ورفض أي هدنة جديدة معهم، وفق المصدر.
وإنّ “المبادرة التي أطلقها الإطار التنسيقي، تدل وتؤكد على أنّ الدعوى المقامة من قبل الإطار سوف ترفض، ولهذا هو بدأ بتقديم التنازلات بشكل استباقي حتى يكون ضمن الحكومة العراقية المقبلة، وليس ضمن قوى المعارضة للحكومة”.
أنّ “مبادرة الإطار التنسيقي، ستلاقي ترحيباً سياسياً من قبل قوى سياسية أخرى، كونها لا تتعارض مع ما تطرح هذه القوى في كل الاجتماعات التي حصلت، أخيراً، لكن هذه المبادرة ستلاقي رفضاً من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، كونها تدعو إلى حكومة توافقية وهذا ما يرفضه الصدر، والذي يصرّ على تشكيل حكومة أغلبية وطنية”.
و أنّ “الصدر يريد خلال المرحلة المقبلة، تقسيم القوى السياسية العراقية بين قوى موالاة وقوى معارضة ومع كل طرف من الطرفين، حتى لا يتم الاختصار على قوى معينة تكون خارج الحكومة أو داخل الحكومة”.
قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، بإيقاف عمل هيئة رئاسة البرلمان المنتخبة مؤقتا.
ووفقا لوكالة الأنباء العراقية، فقد قررت المحكمة العليا قبول الدعوى المقدمة من النائبين باسم خزعل خشان ومحمود داوود ياسين ضد رئاسة مجلس النواب العراقي، قاضية بإيقاف عمل هيئة رئاسة البرلمان مؤقتا.
وقد تقدم النائبان بدعوى إلى المحكمة الاتحادية في العراق أكدا فيها أن الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي والتي انعقدت بتاريخ 9 يناير/ كانون الثاني الجاري، ونتج عنها انتخاب النائب محمد الحلبوسي رئيسا للبرلمان قد شابتها مخالفات دستورية عديدة، حسب الدعوى.
وعليه طالب النائبان المحكمة أن تصدر أمرها الولائي بإيقاف عمل هيئة رئاسة البرلمان حتى يتم حسم الدعوى التي تم رفعها أمام المحكمة.
وكان مجلس النواب العراقي قد انعقد في جلسته الأولى، الأحد الماضي، وتم انتخاب محمد الحلبوسي رئيسا للمجلس بأغلبية الأصوات، حيث حصل على 200 صوت مقابل 14 صوتاً لمنافسه محمود المشهداني، بينما جاءت 14 بطاقة اقتراع باطلة.
وتنافس الحلبوسي رئيس المجلس السابق مع محمود المشهداني أكبر أعضاء المجلس سنا.
من المرتقب أن تعقد المحكمة الاتحادية العليا في العراق، اليوم الثلاثاء، جلسة جديدة للنظر في الدعوى المرفوعة بشأن شرعية جلسة البرلمان الأولى (عُقدت في 9 يناير/ كانون الثاني الحالي)، التي نتج عنها التجديد لولاية ثانية لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي واختيار القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي نائباً أولاً له، وعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني شاخوان عبد الله نائباً ثانياً.
ويدور حديث عن احتمال حصول تأجيل آخر للحكم مع استمرار الانسداد السياسي في البلاد، بما يتعلق أزمة تشكيل الحكومة والاتفاق بين المعسكرين السياسيين الشيعيين حيال الملف
وكانت المحكمة الاتحادية العراقية قد قررت في 13 الشهر الحالي، وقف عمل رئاسة البرلمان، بعد أقل من أسبوع على انتخابها، وذلك على خلفية طعنين في المحكمة الدستورية تقدم بهما النائبان باسم خشان ومحمود داود، بشأن ما قالا إنها خروقات حدثت في الجلسة الأولى للبرلمان.
وتوقع ذهاب المحكمة الاتحادية إلى قرار إلغاء الجلسة الأولى والحكم بإعادة عملية انتخاب رئيس البرلمان.
و إن الحوارات بين القوى السياسية شبه متوقفة، والجميع ينتظر قرار المحكمة الاتحادية بخصوص شرعية جلسة البرلمان الأولى”.
و”في حال إلغاء الجلسة أو لا، إلا أنها ستغيّر من شكل خريطة التحالفات السياسية خلال المرحلة المقبلة”.
“الأوساط السياسية اليوم، تراقب ما سيصدر عن المحكمة الاتحادية، فأي قرار يصدر، سيكون دافعاً للقوى السياسية لإكمال الحوار والتفاوض حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة”.
ويأمل “الإطار التنسيقي” الذي يضم القوى السياسية العراقية الحليفة لطهران والتي تتبنّى موقفاً مناوئاً لإجراءات الجلسة الأولى للبرلمان، أن يصدر القضاء حكماً بإلغاء مخرجات الجلسة، وخصوصاً انتخاب رئاسة البرلمان.
و “في حال صدر قرار من المحكمة الاتحادية بشأن إلغاء جلسة انتخاب هيئة رئاسة البرلمان، فتحالف تقدم سيعاود ترشيح زعيمه محمد الحلبوسي لهذا المنصب. كما أننا ندرك جيداً أن الحلبوسي سيحصل على أصوات النواب من جديد، بل هذه المرة ربما قد يزداد عدد النواب المصوّتين له”.
وبعد صدور قرار المحكمة الاتحادية سيكون هناك حراك سياسي قوي بين كل الأطراف لحسم قضية التحالفات وملف تشكيل الحكومة”.
توقع أن تصدر المحكمة الاتحادية، اليوم الثلاثاء، قراراً بعدم دستورية الجلسة الأولى للبرلمان والتي شهدت اختيار هيئة رئاسته، بسبب ما قال إنه “الأدلة الكثيرة المقدمة منه بالدعوى ووجود أخرى جديدة بهذا الصدد”.
و: “تم توسيع الدعوى مع إضافة أدلّة جديدة إليها ستُعرض على المحكمة”، مستدركاً “ربما تؤجل المحكمة الجلسة من جديد وفق الأدلة الجديدة التي ستقدم إليها، فهذه الأدلة تحتاج إلى دراسة وتدقيق من قبل قضاة المحكمة قبل صدور أي قرار”.
وأن “تأجيل بت المحكمة في الدعوى الأسبوع الماضي، كان سياسياً، فالمحكمة رغبت من خلال هذا الأمر إعطاء فرصة جديدة للقوى السياسية للاتفاق في ما بينها قبل صدور أي قرار منها بشأن رفض الدعوى أو قبولها”.
و أن “عدم اتفاق القوى السياسية، وخصوصاً التيار الصدري والإطار التنسيقي، حول شكل الحكومة العراقية الجديدة، والتحالفات بين الطرفين لتشكيل كتلة كبيرة، قد يدفع المحكمة الاتحادية العليا من جديد إلى تأخير حسم هذا الدعوى من جديد، كما حصل في دعوى إلغاء الانتخابات، إذ سبق أن أجلت الجلسة أكثر من مرة لإعطاء فرصة للكتل للتوافق في ما بينها”.
إن “دعوى إلغاء نتائج الانتخابات المبكرة أوقفت كل الحوارات بين الأطراف السياسية، والدعوى حالياً ضد جلسة البرلمان أيضاً أوقفت هذه الحوارات، كما أن أي قرار يصدر عن المحكمة الاتحادية سيكون له تأثير كبير على الحوارات في المرحلة المقبلة”.
و أن “خريطة التحالفات السياسية ربما تتغير بشكل كبير إذا ما تم إلغاء جلسة البرلمان الأولى، فالقوى السياسية السنية والكردية ستجبر على التحاور من جديد مع قوى الإطار التنسيقي، من أجل تمرير مرشحيهم لرئاسة مجلس النواب”.
و أن “رفض المحكمة الاتحادية العليا للدعوى سيعطي قوة كبيرة للتيار الصدري بالاستمرار مع حلفائه الجدد من القوى السياسية السنية والكردية لإكمال تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وفق مبدأ الأغلبية، مع تبيان وجود أكثر من 200 نائب يدعمون هذا التوجه”.
وتأخذ أزمة تشكيل الحكومة في العراق منحى تصاعدياً بين “التيار الصدري”، الذي يتزعمه مقتدى الصدر، الساعي لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية”، وقوى “الإطار التنسيقي” الحليفة لإيران، والتي ترفض طروحات الصدر وتريد حكومة توافقية.
ويثير التقارب الواضح بين “التيار الصدري” وتحالفي “عزم” و”تقدّم” والقوى الكردية، وتوجهها نحو تشكيل حكومة أغلبية وطنية، مخاوف “الإطار التنسيقي” من تحجيم خياراته للمرحلة المقبلة، ما دفعه إلى البحث عن مخرج للأزمة.
عاد الخلاف يتمحور مُجدّدا حول تفسير مفهوم الكتلة الأكبر في البرلمان التي يحق لها تشكيل الحكومة الجديدة بعد الإعلان عن النتائج الأولية لانتخابات الدورة الخامسة لمجلس النواب العراقي والتي أجريت الأحد الماضي.
وأظهرت النتائج الأولية فوزا كبيرا للتيار الصدري بـ73 مقعدا، لتُطرح عدة سيناريوهات بشأن الآلية التي سيُعتمد عليها في تشكيل الحكومة المقبلة.
وبعد وقت قصير من إعلان النتائج، وصف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الانتخابات بأنها “يوم النصر على المليشيات”، مؤكدا أن الأوان قد آن لحل المليشيات وحصر السلاح بيد الدولة، داعيا الشعب للاحتفال بهذا النصر بالكتلة الأكبر.
في غضون ذلك، طعنت ما تسمى مجموعة “الإطار التنسيقي” -التي تضم قوى سياسية وفصائل مسلحة تطلق على نفسها فصائل المقاومة، أبرزها “تحالف الفتح” و”دولة القانون” و”عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله” والنهج الوطني وتحالف قوى الدولة- بالنتائج الأولية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات.
الكتلة الأكبر والدستور
الدستور العراقي لسنة 2005 منح أحقية تشكيل الحكومة للكتلة النيابية الأكثر عددا، إذ ينصّ البند (أولا) من المادة 76 منه على الآتي: “يُكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية”، لكن الآراء ما زالت منقسمة حتى الآن حول مفهوم “الكتلة النيابية الأكثر عددا”، هل المقصود منها الفائزة في الانتخابات أم التي تتشكل داخل قبل البرلمان من تحالفين أو أكثر بعد إعلان النتائج؟
فسّرت المحكمة الاتحادية العليا هذا المفهوم بقرارها الصادر بالعدد (25/اتحادية/2010) يوم 25 مارس/آذار 2010 قائلة “إنّ تعبير الكتلة النيابية الأكثر عدداً يعني: إمّا الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، وإما الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة، ثمّ تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب، أيهما أكثر عددا، فيتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة النيابية التي أصبحت مقاعدها النيابية في الجلسة الأولى لمجلس النواب أكثر عددا من الكتلة أو الكتل الأخرى، بتشكيل مجلس الوزراء استنادا إلى أحكام المادة 76 من الدستور”.
وسحبت على إثر هذا التفسير البساط من تحت رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي زعيم القائمة العراقية في انتخابات الدورة الثانية لتشكيل الحكومة عام 2010، رغم أن قائمته كانت حصدت آنذاك 91 مقعدا، وتمكن رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي -الذي حصلت قائمته “ائتلاف دولة القانون” على 89 مقعدا- من تشكيلها بعد تحالفه مع قوى مختلفة.
تفسير المحكمة الاتحادية أعلاه كان يُعمل به في السابق، لكن بعد تشريع قانون جديد للانتخابات رقم 9 لسنة 2020 والذي منع في المادة 45 منه انتقال النائب أو الحزب أو الكتلة المسجلة ضمن قائمة مفتوحة إلى ائتلاف أو حزب أو قائمة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة، يمنح التيار الصدري أحقية التكليف بتشكيل الحكومة
وكما جرت العادة بعد كل انتخابات، فقد بدأت قوائم الترشيحات، أو بالأحرى الترويجات، تترى، وكل يوم تظهر أسماء لا علاقة لها بالسياسة أو الإدارة أو الحكومة، من الطامحين بتولي منصب حكومي، حتى أن بينهم دبلوماسي يمثل دولة أخرى يعمل ممثلا لبلده في العراق! وهذه الفوضى من أخطر عيوب النظام السياسي العراقي، أن يتولى من لا عهد له بالسياسة أو الحكومة منصبا سياسيا، فالنتيجة ستكون الفشل المؤكد.
يجب أن يكون تشكيل الحكومة العراقية مختلفا هذه المرة. فالانتخابات استثنائية وأجريت بسبب انتفاضة الشعب العراقي ضد الفساد والمحاصصة والتبعية لإيران. وقانون الانتخابات هو الآخر جديد، أتاح الفرصة للمستقلين وأعضاء القوى الجديدة الذين يتمتعون بشعبية في مناطقهم أن يصلوا إلى البرلمان، وهناك الآن كتل ثلاث كبرى تمثل كل مكونات الشعب العراقي، يمكنها أن تأتلف لتشكل الحكومة الجديدة التي ستتولى مهام إصلاح السياسة والاقتصاد والخدمات واستعادة الأمن وجلب المجرمين والسراق إلى العدالة ولجم المليشيات الخارجة على القانون.
لا يمكن الفاشلين الذين تولوا مناصب سابقا أن يحققوا نجاحا هذه المرة، أولا لأنهم لا يستحقون فرصة جديدة، بل كان يجب أن يحاسبوا على أدائهم السابق، خصوصا التساهل والتواطؤ مع الفاسدين والقتلة، وعدم تفعيل القانون ضدهم. وثانيا لأنهم على الأكثر امتنعوا متعمدين عن تقديم أي إنجاز للبلد، مفضلين تقديم إنجازات للقوى التي أتت بهم إلى مناصبهم، وثالثا لأنهم أساسا غير مؤهلين للقيادة والإدارة ولم يتعلموا من تجاربهم السابقة، إضافة إلى كثيرين منهم ليس لديهم مشروع وطني، خصوصا وأنهم كانوا جزءا من جماعات سياسية أثْرت على حساب المال العام واستولت على مقدرات البلد وعقارات الدولة وهرَّبت العملة وقربت الفاسدين وعملت بوقاحة لخدمة دولة أخرى لديها مشروع أيديولوجي تخريبي في المنطقة.
إن إعادة تدوير السياسيين الفاشلين وجلبهم من جديد في الحكومة المقبلة دليل على فشل ذريع للكتل السياسية الفائزة التي يجب أن تبدأ بداية جديدة وتشكل فريقا من المخلصين المتحمسين لخدمة البلد كي يحققوا تغييرا حقيقيا ويؤسسوا لدولة حقيقية يمكن أن يكافئهم الشعب على نجاحهم وينتخبهم مرة أخرى. أما التجمد في الماضي والدوران حول رموز الفشل، فلن يحل المشكلة العراقية ولن يؤدي إلى إحراز تقدم في أي اتجاه. القوى الفائزة تخاطر بشعبيتها ومستقبلها السياسي إن هي سمحت للفاشلين في إدارة البلد من جديد، خصوصا مع وجود مئات العراقيين الأكفاء المستعدين لخدمة بلدهم والتضحية من أجل تماسكه واستقلاله وتقدمه.
ولاكن تجري الرياح بما لاتشتهي السفن
*#*#*# استمر الاستثمار السياسي للمحكمة الاتحادية والتواطؤ على ذلك لسنوات كثيرة، ويبدو اليوم ان ثمة محاولة منهجية لوراثة سلطات المحكمة الاتحادية، أو بالأحرى إعادة استثمارها على يد مستثمرين جدد!
لقد تحدثنا كثيرا، وعلى مدى أكثر من 13 عاما! عن عدم شرعية المحكمة الاتحادية القائمة في العراق، فقد تشكلت هذه المحكمة بموجب المادة 44 من قانون إدارة الدولة المؤقت للمرحلة الإنتقالية (2004) الذي أقر تشكيل محكمة اتحادية عليا تتولى اختصاصات عدة من بينها البت في دستورية القوانين او الانظمة او التعليمات، والبت في الدعاوى بين الحكومة المركزية وحكومات الاقليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية، فضلا عن منحها صلاحية محكمة استئناف عليا (المادة 44). وبموجب هذه المادة صدر القانون رقم 30 لسنة 2005 الذي أقر تشكيل محكمة اتحادية عليا تتكون من رئيس وثمانية قضاة، يجري تعيينهم من مجلس الرئاسة بناء على ترشيح من مجلس القضاء، وقد حددت صلاحيات هذه المحكمة بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والانظمة والتعليمات والاوامر، والفصل في المنازعات بين السلطات الاتحادية وسلطات الأقليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وكذلك النظر في الطعون المقدمة على الاحكام والقرارات الصادرة من محكمة القضاء الإداري، واخيرا النظر بالدعاوى المقامة أمامها بصفة استئنافية ينظم اختصاصها بقانون اتحادي (المادة 4). وأشارت المادة 7 من القانون إلى أن أعضاء المحكمة التسع يجب ان يؤدوا اليمين أمام رئيس الجمهورية. وقد جرى تعيين القاضي مدحت المحمود رئيسا لهذه المحكمة، مع ثمانية قضاة آخرين كأعضاء بموجب قرار جمهوري صدر في 1 ايار/ مايو 2005.
في العام 2005، تحدث الدستور العراقي عن محكمة اتحادية مختلفة تماما؛ من حيث بنيتها وصلاحياتها عن المحكمة الموصوفة في القانون السابق؛ فالدستور قرر أن تتكون من «عدد من القضاة، وخبراء في الفقه الاسلامي، وفقهاء القانون، يحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب» (المادة 92/ ثانيا). كما قرر ان هذه المحكمة تختص بالرقابة على دستورية القوانين، وتفسير النصوص الدستورية، والفصل في المنازعات التي تنشأ عن تطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات، وفي المنازعات بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات، وبين حكومات الأقاليم والمحافظات، والفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، والمصادقة على نتائج الانتخابات البرلمانية، واخيرا الفصل في تنازع الاختصاصات بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية في الأقليم والمحافظات، او بين الهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات.
هذه المحكمة أصبحت موضوع مواجهة بعد تبدل علاقات القوة التي تحكم الدولة، وبعد ظهور «مستثمرين» جدد يريدون مصادرة المحكمة الاتحادية لمصلحتهم
وكما هو واضح ثمة اختلاف كبير بين المحكمة الموصوفة في القانون وتلك الموصوفة في الدستور من حيث البنية والاختصاصات، لكن تواطؤا بين السلطات الاتحادية العراقية (رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ومجلس النواب) والمحكمة الاتحادية العليا القائمة، جعلها تتولى دون أي تسويغ دستوري أو قانوني أو منطقي، الصلاحيات المناطة بالمحكمة الاتحدية العليا الموصوفة في دستور العام 2005 ، رغم اختلاف بنيتها بالكامل عن المحكمة الموصوفة فيه! مع استمرار ممارسة صلاحياتها الواردة في القانون رقم 30 لعام 2005 الذي تشكلت بموجبه! هكذا ظلت المحكمة العليا تمارس اختصاصها كمحكمة إدارية عليا، مع ان الدستور لم يتحدث عن هكذا اختصاص للمحكمة التي أقرها! والمفارقة اللافتة هنا أن النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية ما زال هو نفسه النظام الذي صدر في أيار/مايو 2005، أي قبل إقرار دستور العام 2005 نفسه! هكذا قررت المحكمة الاتحادية أنها لا تقبل تفسير أي نص دستوري ما لم يقدم من (مجلس الرئاسة/ رئيس الجمهورية أو مجلس النواب او مجلس الوزراء أو الوزراء (القرار 26/ اتحادية 2008) من دون ان يعرف أحد ما الأساس الذي اعتمدته المحكمة الاتحادية في هذا التحديد!
والمفارقة اللافتة الثانية هنا أيضا، ان المحكمة الاتحادية نفسها، قررت هي بنفسها أنها المحكمة الاتحادية الموصوفة في الدستور العراقي! ففي القرار (37/ اتحادية/ 2010) قررت المحكمة الاتحادية نفسها أن المادة الدستورية رقم (93) عندما وصفت «مهام» المحكمة الاتحادية، ضمنت فيها «ممارسة الاختصاصات التي وردت في قانونها وأية مهام اخرى تنص عليها القوانين على اختصاصها وفي مقدمة هذه القوانين دستور جمهورية العراق»! أي أن المحكمة الاتحادية قررت أن «الاختصاصات الدستورية» ليست سوى مهام أخرى لها تضاف إلى مهامها الواردة في قانونها السابق على الدستور، في تدليس غير مسبوق! وكانت المحكمة الاتحادية تستند في إصدار هكذا قرارات، غير دستورية وغير منطقية، إلى النص الدستوري الذي قرر أن «قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة»!
لذلك وجدنا المحكمة الاتحادية تخرج بقرارات متناقضة خاضعة لعلاقات القوة، وإنفاذا لإرادة الفاعل السياسي الأقوى، ففي العام 2006 تقرر المحكمة الاحادية أن الهيئات المستقلة «لا تتبع أي من سلطات الدولة وأنها مسؤولة أمام مجلس النواب»، لكنها تعود في العام 2011 لتقرر أنها «يجب أن تتبع السلطة التنفيذية بوصفها جهات غير مرتبطة بوزارة». وفي العام 2011 قررت هذه المحكمة أن مجلس النواب لا يمتلك صلاحية تقديم مقترحات قوانين من دون موافقة الحكومة المركزية عليها، ولكنها تعود في العام 2015 لتقرر أن من حق مجلس النواب تقديم مقترحات القوانين! وفي العام 2008 ايضا قررت ان رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب أو أحد نائبيه او رئيس مجلس الوزراء او أحد الوزراء أو الجهات غير المرتبطة بوزارة، هم حصرا من يحق لهم طلب تفسير دستوري واستمر هذا القرار بين عامي 2008 ـ 2013، لكنها قبلت طلب تفسير دستوري مقدم من أحد النواب العام 2017! بل وصل الأمر إلى إصدار قرارين متناقضين لا يفصل بينهما سوى 110 أيام فقط حين أصدرت قرارها 113/ اتحادية/ 2017 الصادر في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 ليقدم تفسيرا «مسيسا» للمناطق المتنازع عليها ينص على أن «الأراضي المتنازع عليها هي تلك الأراضي التي كانت تدار من حكومة اقليم كردستان بتاريخ 19/ 3/ 2003»! وهو تفسير ينسف كل التفسيرات المعتمدة منذ العام 2004، ويلغي عمليا محتوى المادة 140 من الدستور العراقي ويناقض قرار سابق للمحكمة الاتحادية (11/ اتحادية/ 2013) الذي نصت فيه انها لا تختص بإعطاء الرأي بشأن المناطق المتنازع عليها»! لتعود المحكمة لإصدار القرار 43/ اتحادية/ بتاريخ 11 آذار/ مارس 2018 قررت فيه «وتجد المحكمة الاتحادية العليا ان المناطق المتنازع عليها من وجهة نظرها هي التي لم تكن تدار من قبل حكومة اقليم كردستان في 19/ 3/ 2003 الواقعة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى»! ولا يمكن فهم هذه السلسلة من التناقضات إلا في سياقها السياسي، وتحولات علاقات القوى وقدرتها على التأثير في قرارات المحكمة الاتحادية العليا!
وخلال هذه الفترة من القرارات المتناقضة، أقرت هذه المحكمة الكثير من القرارات التي تنتهك الدستور انتهاكا صريحا (مثل سحب صلاحية التشريع من مجلس النواب)، وكانت تتعمد ايضا لي عنق النص الدستوري بطريقة مفضوحة (مثل تفسير فكرة الاستقلالية)، وقرارات أخرى مسيسة تبعا لإرادة الفاعل السياسي الأقوى (مثل تفسير الكتلة الأكثر عددا)، ولم نكن طبعا نشهد تدخلا من سلطات الدولة لوقف هذه الانتهاكات في سياق التواطؤ الجماعي الذي كان يمارسه الجميع.
ولكن هذا التواطؤ بدأ يوشك على الانتهاء مع مجرد اقتراب المحكمة الاتحادية من إصدار قرارات تتعلق بتغيير أعضاء في مجلس النواب محسوبين على الفاعلين السياسيين الرئيسيين. فمن الواضح اليوم أن هذه المحكمة اصبحت موضوع مواجهة بعد تبدل علاقات القوة التي تحكم الدولة، وبعد ظهور «مستثمرين» جدد يريدون مصادرة المحكمة الاتحادية لمصلحتهم.
بدأ الأمر مع «مقترح» في مجلس النواب لتعديل قانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لسنة 2005 بتحديد اعمار قضاة المحكمة الاتحادية من مدى الحياة إلى عمر 63 سنة فقط، وهو تعديل قد يطيح بجميع أعضاء المحكمة الاتحادية الحالية الأصيلين! ثم تصاعد مع قرار غير دستوري أصدره مجلس النواب يوم 17 نيسان/ أبريل 2019 باستضافة رئيس المحكمة الاتحادية والاعضاء الثمانية الآخرين، وهو قرار يفضح جهل مجلس النواب بصلاحياته الحصرية بأن رقابته تشمل «أداء السلطة التنفيذية»، كما يفضح ايضا الصراع المفتوح على وراثة المحكمة الاتحادية نفسها! وربما سيتم تتويج هذا المسعى بتمرير قانون المحكمة الاتحادية العليا بما يضمن إزاحة القاضي»مدحت المحمود» من رئاستها، وتغيير قضاتها، في حال عدم تمرير مقترح القانون السابق! ولكنه لن يضمن بكل تأكيد نصا قانونيا محكما يضع حدا لتسييس المحكمة الاتحادية مستقبلا، فالصراع هنا لا يتعلق برفض التسييس، وانما يتعلق بالطرف المستثمر لهذا التسييس. وهو ما يعني في الواقع استمرار الإطاحة بمنطق الدولة!*#*#*#
منطقة المرفقات
معاينة فيديو YouTube تأجيل إعلان قرار المحكمة الاتحادية بخصوص شرعية الجلسة الأولى للبرلمان