الإطار التنسيقي بزعامة دولة مختار العصر نوري المالكي طرح أمس الأربعاء مبادرة في أربيل متكونة من ست نقاط، لذا أسميت هذه المبادرة الفذة بـ«السادوس»، أو «السادوس الإطاسيقي». وسأتناول نقاط السادوس الإطاري هذا، وأسلط عليها الضوء الوطني الكاشف لما بين وما وراء الكلمات.
الأولى من نقاط سادوسهم تريد «معالجة اختلال التوازن في البرلمان»، وهذا يعني مواصلة محاولة التلاعب بالنتائج، حتى يتحقق التوازن بمعيارهم، معيار الغش والتطفيف، ويرون تحقيق ذلك «من خلال إيجاد معالجات حقيقية لضمان عدم التفرد في مجلس النواب»، فواضح أن المقصود محمد الحلبوسي، وهنا نقول ألستم أنتم الذين أتيتم به بصفقة مفضوحة بعد انتخابات ٢٠١٨؟ ثم أنتم موجودون في مجلس النواب، فلماذا سمحتم له بالتفرد، إذا كان قد مارس التفرد، وفي قضايا حساسة، وكيف استطاع أن يتفرد، ولم یجد منكم معترضا على تفرده؟ «بسن القوانين والتشريعات أو تغيير المقر منها أو إبطاله»؟ فهل كنتم نائمين، أم كان سكوتكم من متطلبات الصفقة، والصفقة لا تتم إلا بإلزام أطرافها كلهم، أي كان لسكوتكم ثمن لا نعرف ماهيته.
وفي الثانية من نقاط سادوسهم الذي تفتقت عنه عبقريتهم أنهم اكتشفوا ما لم يكتشفه أحد قبلهم على كوكب الأرض، ذلك أن «المعارضة السياسية حق مكفول للقوى الراغبة»، ويبدو أنهم لأول مرة اكتشفوا أن دستورهم قد كفل حق المعارضة. أما إذا كانوا يعرفون ذلك، فنقول لهم ومن منعكم أو منع غيركم من أن تمارسوا هذا الحق الدستوري؟ ثم ألستم أنتم الذين سننتم السنة السيئة المعروفة بمشاركة الجميع في حكومة الكل عبر المحاصصة، التي أطلقتم عليها مختلف المسميات، آخرها (الحكومة التوافقية)، ثم (حكومة الأغلبية السياسية بالتوافق)، هذا الذي تدعون إليه منذ ظهور نتائج انتخابات ١٠/١٠ وبإصرار؟
وفي الثالثة من نقاط سادوسهم أكدوا مجددا على وجوب أن «تخضع الرئاسات الثلاث لاتفاق القوى السياسية»، مما يعني أنكم ما زلتم مصرين على سلوك طريقة السلة الواحدة سيئة الصيت، بجعل رئاساتكم الثلاث بصفقة واحدة، كابتكار تستحقون عليه براءة اختراع دولية، وأنتم تعلمون جيدا إن هذا يمثل مخالفة صارخة للتقاليد الديمقراطية، باستثناء ديمقراطيتكم العرجاء الشوهاء الحمقاء الرعناء، ولا ندري ما تقصدون باشتراط ما تقدم بـ «مراعاة العرف الدستوري السائد»، ولعلكم تقصدون أعراف الدستور التحاصصي غير المكتوب، بل المعمول به منذ بداية العملية السياسية.
وفي الرابعة من نقاط سادوسهم يدعون إلى «الاتفاق على دعم التشريعات التي تعالج المشاكل الأساسية»، فهم مساكين أبرياء أو سذج أغبياء، لأنهم لأول مرة اكتشفوا أن هناك مشاكل أساسية يجب أن تعالج بتشريعات، وكأنهم يريدون معالجة الداء بالداء، إذا كانوا هم المشرعين. أقول هل تعلمون ما هي التشريعات التي من شأنها أن تعالج المشاكل الأساسية؟ إنه قانون تجريم الفساد وحظر العمل السياسي على الفاسدين وسارقي المال العام بعد مقاضاتهم وإنزال أشد العقوبات القانونية بحقهم، واسترداد الأموال المسروقة منهم، وكذلك يجب تشريع قوانين تحظر تأسيس أو استمرار وجود أحزاب منغلقة على الطائفة (شين) أو الطائفة (سين)، لأن ذلك مخالف لقانون الأحزاب الذي شرعتموه بأنفسكم، والذي يوجب أن يكون الحزب السياسي قائما على مبدأ المواطنة، وكذلك من التشريعات الدستورية ثم القانونية الواجبة هو حظر الأحزاب المسيسة للدين، والمنفذة لأجندات دولة أجنبية جارة على حساب المصالح الوطنية، كما يجب تفعيل المادة من قانون الأحزاب التي تحظر امتلاك الحزب السياسي لجناح عسكري، حتى لو بعنوان فصيل حشداوي. ويريدون فجأة «رفع المستوى الاقتصادي»، وفجأة أيضا يريدون محاربة أنفسهم بـ «محاربة الفساد»، فهل نفهم أنكم مستعدون للوقوف أمام القضاء، لتعترفوا بجرائمكم الاقتصادية، بعدما حصلت لديكم صحوة ضمير بقدرة قادر، حاشا لكم، ولتعيدوا كل المليارات التي سرقتموها من قوت الشعب، لاسيما قوت الفقراء؟ كما يريدون تشريع قوانين «تحافظ على الهوية الثقافية العراقية»، وهذا يعني بالتالي: لا حفلات بعد اليوم، لا فرح، لا موسيقى، لا غناء، لا فن، لا حرية.
وفي الخامسة من نقاط سادوسهم يريدون «الاتفاق على تضمين البرنامج الحكومي تحقيق السيادة الناجزة». أقول عجيب، يعني أنتم توافقوننا على وضع حد لانتهاكات جمهوريتكم الإسلامية التي توالونها للسيادة الوطنية للعراق؟ عفوا، فهمتكم بالخطأ، أنتم تقصدون بالسيادة الناجزة فقط خروج القط الأمريكي ليلعب الفأر الإيراني بكامل حريته، ويواصل قضم ما تبقى من سيادة العراق، فحاشا لكم أن تخونوا الجارة، فخيانة الوطن من أجلها، ذلك هو الأولى، فأنتم تبقون أوفياء لولية أمركم. ويريدون «محاربة الفساد»، فهل يعني هذا فسادكم أيضا، أم هو فقط فساد خصومكم من الطائفة الأخرى، وبعض أكباش الفداء الصغار من طائفتكم؟ والمفاجأة العظمى أنهم يريدون «معالجة البطالة»، فنقول منذ متى تهتمون بالبطالة والعاطلين عن العمل والفاقدين لمورد العيش؟ أما المضحك أنهم فجأة وبعد ١٩ سنة ينتبهون إلى ضرورة «توفير الخدمات». حقا مسكين الشعب العراقي، إذ حرمته عصابات من ذرية عدو الإنسان الأول إبليس من الخدمات، والآن طردتم أولئك الجن، كي تنهوا حرمان شعبكم الذي لا تنتمون إليه، وتريدون فوق ذلك «رفع المستوى الاقتصادي»، فالمشكلة الاقتصادية كانت أيضا بسبب حكومات الجن المعادي للشعب العراقي. أو لماذا تطوير الاقتصادـ وقد خدمتم شيعتكم بمنحهم حق اللطم والندب والمشي المليوني على مدى ٣٦٥ يوما في السنة. ثم يريدون «إيجاد ضبط لقيمة الدولار»، بما يعني أن الاقتصاد العراقي كان من ٢٠٠٣ حتى مجيء حكومة الكاظمي في عصره الذهبي، ولم يجر تدمير الاقتصاد العراقي إلا في عهد مصطفى الكاظمي ووزير ماليته علاوي، دون أن يعني ذلك أننا بدورنا لا نشكل على خفض قيمة الدينار، الذي لم نفهم فلسفته حتى الآن. ثم يبشروننا، وما أسعدنا، ببشارة «تفعيل الصناعة والزراعة وحل مشكلة المياه» (الله أكبر خميني رهبر مرگ بر زد ڤلايت فغيه)، شيء رائع أنكم اكشتفتم مبكرا أي بعد ١٩ سنة فقط، وليس بعد ٩١ سنة، أهمية تنمية الصناعة والزراعة وحل مشكلة المياه. أما مطالبتهم بـ «رفع مستوى قدرات القوات العسكرية العراقية»، نقول كيف وأنتم مصرون على جعل الحشد الشعبي أقوى من الجيش والقوات الأمنية، وأن يكون هو المتسيد والمهيمن عليهما، كما يتضح في سادس سادوسكم؟
وفي السادسة والأخيرة من نقاط سادوسهم، يؤكدون على وجوب «الحفاظ على الحشد الشعبي، ورفع قدراته» بمعنى أن تكون قدراته فوق قدرات القوات العسكرية الأمنية للدولة، «واستكمال بناءاته وفق القانون النافذ»، أي القانون الذي شرعتموه، ليكون الحشد الشعبي هو الامتداد للحرس الثوري الإيراني، تحت إمرة الولي الفقيه أو المرشد الأعلى أو (رهبرَ إنغلاب) لجمهورية ديكتاتورية الفقيه الإيرانية.