كل المتظاهرين في الشوارع العراقية يعرفون جيداً أن الدولة العراقية ،تصغر وتنحلّ، يوما بعد اخر، لسبب واحد وحيد هو أن الذين استلموا السلطة خلال العقد الماضي لم يكن لهم غير هدف واحد وحيد هو خدمة مصالحهم الشخصية أولاً ، والحزبية ثانياً، و الطائفية ثالثاً، واضعين أذرعهم وسيوفهم ومذاهبهم وديانتهم دعامة رئيسية لتغطية شرورهم ونزعاتهم في العنف ونهب المال العام .
منذ 31 تموز الماضي ارتفع صوت الاغلبية العراقية الصامتة بقوة مذهلة. هي المرة الأولى بعد ثورة العشرين ومظاهرة 1 – أيار عام 1951. كان لتفوق الصوت الحالي نتائج واسعة جداً تجاوزت أكثر من 10 محافظات رفعت شعارات متفاوتة ،لكنها جميعا متوحدة بمطلب إصلاحي واحد لترتيب علاقة جديدة بين (المواطن) و(الدولة) تقوم على الحرية والمؤسساتية الديمقراطية وإعلاء شأن حقوق الانسان.
العلاقة الجديدة بين (الدولة) و(المواطن) لا يمكن ان تقوم بسحر ساحرٍ، ولا بخطوات لترقيع ما هو متمزق من ثوب الدولة ، بينما أغلبية قادتها ما عرفوا فعل الخير الحقيقي ، الذي يريده الشعب لـ(كل الشعب) وليس للفئة الحاكمة ،التي تريد ان تستحوذ على جميع عوائد الثروة الوطنية رغم بؤس الشعب وفقره .
هل تستمر المظاهرات الى ما لا نهاية ..؟ هل يستمر رئيس الوزراء حيدر العبادي بإجراءاته خطوة خطوة ، خطوة (عاجزة) بعد خطوة (فاكَسة) ..؟ السؤال الأكبر المتعالي في الشوارع العراقية كلها هو : هل يمتلك الرئيس حيدر العبادي شعورا مشاركا لشعور المواطنين بانهم يملكون روحا وطنية واحدة ام انه مثل قادته الاخرين في التحالف الوطني وفي حزب الدعوة يمتلكون مواطنة مزدوجة بخليط (عراقي – طائفي) اهم ما فيه عنصرية المواطنة الحزبية ..؟
المطلوب من الجماهير المتظاهرة دعوة الرئيس العبادي اعلان انتمائه الواحد لكل الشعب والتخلي عن مواطنته الحزبية. المطلوب من الجماهير المتظاهرة ان تتوحد حول شعار (الاصلاح الجذري) وليس (الإصلاح الجزئي) بالمبادرة فوراً إلى تشكيل حكومة تعرف مسارب شمس الارض العراقية، وملوحتها، وسماتها، وافضالها، والحفاظ على عطائها وثرواتها.. حكومة قادرة على الاستفادة من افضل اشكال الحكم العادل والمجرب والناجح في دول عديدة اخرى غير اسلامية ، حكومة الأبواب المفتوحة للشعب كله، للحق كله ، للعدل كله، حكومة تتكون من مجموعة وطنية لا علاقة لها بأحزاب الإسلام السياسي، التي احتجزت نفسها كليا خلال السنوات الاثني عشر الماضية في طريق الفساد المالي والاداري والاخلاقي ومزقت ثوب الدين الاسلامي شرّ تمزيق.
ليست المظاهرات تعبيراً عن مبارزة القوة، ليست صراعاً بين أفكار، بل هي مثال أعلى لصوت (الاغلبية الصامتة) ضد السلطة التي يعتبرها البعض انها (مقدسة). المظاهرات شكل من اشكال الغليان الفكري ضد تقسيم المجتمع وافساده ، وهي شكل من أشكال المطالبة العادلة لمحاكمة العنيفين والفاسدين والسراق والزانين واللصوص من كل نوع ومذهب.
المطلوب من الجماهير الشعبية ان تكون يقظة ازاء محاولات الذين يريدون تخريب مؤسسات الدولة ومعاملها ومزارعها وموانئها ومطاراتها وطرقها بحجة تأديب قادتها الفاسدين.. المطلوب من الجماهير ان تعظ كل شرطي وجندي ليعرف حقيقة أن وضعه ومقامه هما مع الشعب.. المطلوب من الجماهير الشعبية أن لا تسمح لأحد من الانتهازيين والمخربين أن يركب موج البحر الهائج في الشوارع العراقية كافة، بل التفوق على كل من يتجاوز على مبادئ النضال وحكمتها.
ان النضال المشترك المزدوج بين المتظاهرين والجنود والشرطة الوطنية سيكون المثال الانساني الاعلى وسيكون مطرقة واحدة لكسر رؤوس اعداء الوطن من المخربين والسارقين والدواعش .
كما المطلوب من حيدر العبادي أن يكون اكثر ايماناً بقوة شعبنا ووعيه وأن يبادر ، فوراً، إلى أن يكون ممثلا لطموحات شعبنا الموروثة عن معاناته القاسية المروعة خلال قرن مضى من البؤس والفجيعة .
هذا الأمل لا يتم إلاّ بــ(قفزة اصلاحية واحدة) بأعلى مما هو الواقع الحالي المر .كما لا يمكن خلق وايجاد الوقائع الوطنية المفضلة إلاّ بــ(قفزة لامعة) لتصحيح مسار الحكم والدولة ،كي تستعيد الجماهير الشعبية قوتها ونظارتها وبراعتها ،لتحقيق اعجوبة حقيقية واقعية في قيادة الدولة وتحرير بلادنا من احتلال وارهاب تنظيم الدولة الاسلامية الباغية (داعش) كما تحريرها ، بذات الوقت، من تنظيم مافيا الفساد المالي والإداري والقضائي (ماعش).
هل يستطيع حيدر العبادي ان يجتاز المرحلة الصعبة المتميزة في الشارع العراقي بالحماس والرجاء والذكاء الجماهيري.. هل يستطيع تحقيق (قفزة ثورية) حكيمة و سريعة، ضد الجهل الحكومي والقضائي والتشريعي وضد كل نوع من ممارسات أمراء الفساد المالي.. هل يعتمد على افضل عقول العصر العراقي الحالي هل يتخلى عن (سلطة البعض) ويؤسس (سلطة الجميع) .. هل يستطيع تحويل مجتمعنا من الفِرقة الى الوحدة ..؟
أم سيحدث ما لا يخطر على بال ..؟