23 ديسمبر، 2024 6:15 م

الإصلاح أوالتغيير..أي ضياع

الإصلاح أوالتغيير..أي ضياع

لماذا يريدون الإصلاح ولا يريدون التغيير؟، لماذا الطرف الآخر يريد التغيير ولا يريد الإصلاح؟، كان هذا جوهر الجدل بين دعاة الإصلاح ورافضيه، الإصلاح جاء لرفض بزوغ قيم جديدة في العمل السياسي يدعو “التغيريون” الى بعثها فيه، بينما يصرّ “الإصلاحيون” على أن في العمل السياسي ما لا ” يُغيّر”، ما للناس لو بقيت هاتان الجبهتان تتراطنان حتى قيام الساعة على أي الحسنيين ننال؟!، وما للناس لو حصل الإصلاح ولم يحصل التغيير – وكذلك العكس – فالأمر في تقديرهم لا يخرج من نزاع على السلطة و”التريس”؟!. 
قد تتلخص قصتنا باختصار في قدرتنا على استيعاب قيم “التحوّل” التي لا تقف عند حدود ما يجري بنا، وكلّ ما يجري بنا مرده الى هذا الاصرار الدائب على رفض أي قيم تتعارض مع الثبات الغريب الذي يشدنا من أذاننا ما إن نلتفت الى جهة أخرى، تلك أشياؤنا التي نناضل في سبيل أن تبقى كما هي، على حالتها الأولى، ليس في السياسة فحسب تبدو هذه الصفة ملازمة لنا، نحن نطلب الثبات ولا نستوعب التغيير حتى في عمران مدننا السيّئ وشكلها الرث، في نهايات القرن العشرين يبرز الاستثمار كناحت جديد لخارطة المستعوبين للتحوّل وتبدو دول الخليج على قمة الهرم، أخفت رأسها في بدايات القرن وفتحت ذراعيها في نهاياته، بينما يقف العراق بتجهم أمام كلّ ما مرّ، لم يتحوّل، لم يتغيّر، لم يتسلل الى شعبه شيءٌ من السأم مما هم فيه، كلّ ما فعله أنه بقي يراقب العالم كيف يتغيّر وهو جاهز لتتبع الامثولة الابرز في وجدانه، …لا تتغيّر!.
كلّ ما يمكن أن يقال الآن إن التغيير أو الاصلاح اذا شاء السياسيون أن يحدث؛ فإنه سيمسّ الجوهر المتغيّر لا الثابت، التغيريون لا يريدون تغييرا جذريا كالذي حدث في 2003 لأن ذلك مستحيل وهو يهدّد الجوهر الثابت، لكن الاصلاحيون يراهنون على كسب الوقت ما دامت قضايا الإصلاح عائمة ومتداخلة ومعقدة، يمكن لقضية واحدة من السبعين المقترحة للإصلاح أن تأخر تمامه، أن تبدل قناعاتنا بجدوى الاصلاح باستفزاز غريب للمخيلة، يخبرنا أن القضايا الثابتة في جدول السياسيين التي لا تتزحزح تلك التي تتعلق بمصالحهم لا بمصالح الذين يمسهم الاصلاح، يمكن لهذه القضية من بين التسعة والستين المتفق عليها أن تجعل التغيير يمسّ الجوهر الثابت لا المتغير، فنسمع بمن يقبل التقسيم مثلاً.
المشكلة إذن في استيعاب قيم الديمقراطية، الإصلاح مفردة تتضمن خللاً عميقاً في مفاصل الدولة يوحي أننا نعرفه وندرك خطره، فلماذا نتأخر في إصلاحه إذن؟، مثلما ندرك أن ما يؤخرنا عن الإصلاح يقع في الجزء الرخو من قدرة السياسيين على المواجهة، إنه الجزء المتعلق بالمصالح “العليا” لهم، كما أن التغيير ما دام خارج نطاق الجوهر الثابت فمن حقّ الآخرين النضال من أجله، هل هو من يديم الديمقراطية؟، قد يكون الإصلاح منوطاً بالدكتاتوريات والاقتصاد، أما التغيير فبالانظمة الديمقراطية التي تعرف أن صناديق الاقتراع هي من يستطيع أن يغيّر، والناس لا تنتظر من أي أحد تغييراً أو إصلاحاً، هي من تفعل ذلك فقط.