-1-
في آب / 1934 كان (جميل المدفعي) رئيس وزراء العراق يحتسي الشاي على مائدة الملك (غازي) في قصر الزهور ، واذا بالملك يشير الى بعض الشكاوى من وزارته …
ففهم المدفعي الاشارة وردّ عليها قائلاً :
” انني اعتبر هذه الاشارة كافية لتخلي الوزارة عن الحكم ، وان الوزارة ستستقيل “
تاريخ الوزارات العراقية ج4 ص24
ورغم انّ (غازي) أبلغه بانه لم يكن يقصد هذا المعنى ، إلاّ أنّ (المدفعي) انطلق نحو وزرائه وأخبرهم بما جرى بينه وبين الملك ، فشجعه زملاؤه على المضي في تحقيق استقالة الوزارة فكتب (المدفعي) استقالته ورفعها الى الملك …
-2-
لم يقف أحد من وزرائه ضد رغبته في الاستقالة …
وهذا يعني ان الوزراء كانوا كرئيسهم يستعدون للاستقالة ويعتبرونها حاضرة عند اول اشارة ..
وأين هذا من المتهالكين على حقائبهم الوزارية ؟!!
-3-
ولعلّ الشكاوى التي أشار اليها الملك ، هي ما كان يُثار على الحكومة في بعض الصحف من مواخذات تخص التعيينات في المناصب الإدارية حيث كتبت احدى الصحف تقول :
” ان الحكومة اتبعت في تعيين الموظفين الاداريين وترفيعهم مقاييس قامت على الاعتبارات السياسية والعواطف الشخصية “والمذهبيّة” أكثر مما استندت الى التدقيق في مقدرة هؤلاء الموظفين وكفايتهم .
لذلك أُصيبت البلاد بجمهرة من الموظفين في الادارة لم ينجحوا، ولم يستطيعوا ان يقدّموا خدمة تذكر في اشغالهم هذه المركز “
ونلاحظ هنا :
1 – ان الشكوى كانت محصورة في تعيين الموظفين الاداريين حيث لم تعتمد المعايير الموضوعية في تعيينهم وترقياتهم …
ولم تكن ثمة شكوى من فساد ماليّ على الاطلاق …
2 – والتعيينات التي جرت منذ 9/4/2003 وحتى 9/9/2014 أدّت الى إغراق البلاد بالفساد المالي والاداري معاً ، الامر الذي استغلته عصابات (داعش) فاحتلت الثلث من أراضينا واجترحت من الجرائم والعظائم ما يقصر عن وصفه البيان …
ومع ذلك كله لم يفكر الاستاذ نوري المالكي بالاستقالة، لا بل اعتبر المخالفين لتوليه الرئاسة لدورة ثالثة أعداءً متآمرين ..!!
3 – ولا مجال للمقارنة بين اولئك الاداريين المشكو منهم، وبين معظم مَنْ تَمَّ تعيينهُم في الفترة الممتدة ما بين (2006-2014) من مزوري الشهادات وأشباه الاميين وفرسان الاختلاس والقرصنة …
4 – إنّ التشبث بالكراسي رغم الفشل الفظيع والمصائب والنكسات، انما يكشف عن أنانية مقيتة ، وذاتية مرعبة، لا يهمها الاّ حصاد المكاسب والامتيازات الشخصية والعائلية أيّا كانت أضرار الوطن والمواطنين ..!!
من هنا يشتد وجوب المحاسبة والمعاقبة على كل ما ارتكب من ممارسات واختراقات للقوانين والموازين وأيّاً كان المرتكب ومهما كان عنوانُه ..
5 – ان التشبث بالكراسي يكشف أيضا أن (الكرسي) أكبر من المتَشَبِثِ به ،وانه انما ناله في غفلة من الزمن وفي صدفةٍ غير قابلة للتكرار ..!!
6 – إنّ التشبث بالكراسي رغم بروز الأزمات وسوء الخدمات .. مسلك دنيوي محض يجعل المتشبثين في خندق المتهالكين على حُطام الدنيا ، بعيداً عن التفكير بجسامة المسؤولية وخطورتها، وما ينتظرهم من حساب عسير أمام الله
وأمام التاريخ
وأمام الجماهير .
7 – إنّ هذا التشبث بالكراسي لم يسئْ لأصحابه فقط ، وانما هو انتكاسة كبرى ” للاسلاميين ” العراقيين ، بل لعامة المتدينين .
*[email protected]