18 ديسمبر، 2024 10:16 م

الإسلام والنظام

الإسلام والنظام

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]

هذا الإسلام العظيم الذي حبانا به اللهُ ربُّنا، جاء مكتملاً في جميع نواحيه وجميع أحكامه. فقد جعله الله مبنيّاً على نظامٍ متينٍ جداً. {إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر : 49]. لا شيءٌ يطغى على شيءٍ آخر، الكون كلّه يسير على نظامٍ ثابتٍ، فقد حدّد الله للإنسان النظام الذي يجب أن يسير عليه في كلّ حياته. والإسلام لم يقتصر على الأمور العبادية فقط، بل جاء شاملاً لكلّ شيءٍ في حياة الإنسان، والآيات والأحاديث الشريفة جاءت لتشرح وتضيء كلّ تفاصيل حياة الإنسان الدينيّة والاجتماعية والإنسانية وما إلى هنالك من حوادث يتعرّض لها…

وممّا لا شكّ فيه أنّ الإنسان يبدأ بتطبيق النظام من داخل منزله قبل أيّ شيءٍ آخر، فهذا المنزل هو عالَم الإنسان المصغّر الذي ينطلق منه لينفتح على العالَم الخارجي بكلّ ما فيه. فتطبيقه للنظام الأُسري سينعكس على سلوكه في مجتمعه، فلا يمكن أن يكون الإنسان منظّماً في بيته وهو يمارس اللاّنظام في عمله أو في تعامله مع النّاس. كما إنّه لا يمكن أن يكون نظاميّاً في عمله أو مجتمعه وهو غير ذلك داخل منزله وأسرته….

على الإنسان أن يعيش النظام كعنوانٍ حياتيٍّ يوميٍّ، فيصبح كالصلاة التي يؤدّيها والهواء الذي يتنفّسه، فما معنى صلاتي وأنا لا أتمثّلها في حياتي اليوميّة؟!! فلا ينفع الإنسان أيضاً أن يتكلف ويتصنّع التنظيم والنظام مرغماً أو حتى طوعاً!

النظام ليس حالةً يعيشها فردٌ دون آخر، أو جماعة على حساب جماعةٍ أخرى، كما لا يجوز أن تُهدَر مصالح الجماعة لأجل حزبٍ أو تنظيمٍ هنا أو هناك.. فهذا ممّا يذهب بالأمم والجماعات إلى الفناء والاندثار، فقد جاء عن الرسول الأكرم (ص) : “إنّما أهلك من كان قبلكم أنّه إذا سرق فيهم القوي تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد”.

وما نشاهده في واقعنا اليوم للأسف أبعد ما يكون عن النظام والالتزام، فالفوضى باتت تعمُّ كلّ شيءٍ لدينا، بيوتنا وشوارعنا وحتى علاقاتنا بالآخرين ممّن حولنا. فيكفي للإنسان أن يتجوّل قليلاً ولفترة قصيرة ليشاهد الفوضى والحالات الشاذة في كلّ مكان، فحيث تقلب ناظرَيك ترى كلّ ما لا يمتّ إلى النظام بصِلة.

إنّ الإسلام يحرّم احتلال واحتكار الأملاك العامّة وضمّها إلى أملاكنا الخاصّة، كاحتلال الأرصفة وأجزاء من الطرقات. فهل من المعقول أن تتحوّل هذه الشوارع إلى مكبّات للنفايات وكلّ ما لا لزوم له؟! أين الإسلام من كلّ ذلك؟ إنه براء بالتأكيد من هذه الأفعال، التي يقول المرتكبون لها إنّ حالة الفقر والعوز والظروف الاجتماعية هي التي تؤدّي إلى ذلك. ما أقبحه من عذر!! ويا له من منظر مقزّز حينما ترى ذلك الشخص يقوم برمي نفاياته بجانب الحاوية ولا يتكلّف عناء رميها داخل الحاوية!!

كما لا بدّ من العمل على تنظيم السير، فما يفاقم الأزمة هو سوء التنظيم والفوضى وليس عدد المركبات، فأزمات السير تتفاقم فقط في البلدان التي ينعدم فيها التنظيم! فأصبحت طرقاتنا رهينةً لمزاجية البعض ومشاكلهم فيما بينهم. فيتوقّف أحدهم في منتصف الطريق غير آبهٍ بمن خلفه أيّاً كان.

فلا يجوز للسائقين الطائشين أن يحوّلوا الطرقات إلى حلبات سباق غير آبهين بأرواح الناس وممتلكاتهم، فمن يريد الانتحار بسرعته الزائدة والجنونية فلا يتسبب بإزهاق الأرواح البريئة. وهنا لا بدّ للدولة من أن تتحمّل مسؤوليّتها في التشدّد في قمع هذه المخالفات.

فمن سمح للبعض أن يحوّل ليلنا إلى نهار بضجيجه المستعر، ولا سيّما عادة المفرقعات المستفحلة في كلّ مكان ودون أيّة مناسبة! من أين أتى هذا التخلّف إلى مجتمعنا وعاداتنا؟! ألا توجد ثقافات وعادات جيدة نستوردها من الغرب؟! أم إنّنا لا نجلب إلا كلّ ما هو نافر وشاذ؟!! لماذا هذا البعد عن الأصالة الإسلامية في النهي عن هذه التصرفات؟!

أين حرمة الجار وحقه علينا؟ أين وصية رسول الله فيه؟ هل يُعقل أن نقوم بالإزعاج المستمر له؟ من سمح لنا أن نرفع صوت التلفاز أو الراديو لنُسمع جيراننا ما نريد رغماً عنهم؟! وما هذه البدع الجديدة التي تنتشر في المآتم بوضع مكبرات الصوت من الصباح حتى المساء وحتى منتصف الليل أيضا؟! هل يرضى الله بهذه الأفعال وهل يجوز رفع صوت القرآن وإزعاج الآخرين بحجّة أنّنا محزونون؟!!

تنتشر في بعض البلدان المقاهي والاستراحات اللّاهية، فتصبح الأحياء عبارةً عن أسواق لهوٍ في اللّيل، ومكاناً للتجمّعات ولإزعاج كلّ من حولها. فلا يكتفي هؤلاء السّاهرون العابثون بحدود المقاهي بل يعمدون إلى إخراج كراسيهم إلى الأرصفة والشوارع المجاورة، لا بل حتى إلى مداخل المباني الملاصقة، فتستمر سهراتهم حتى ساعات الصباح الأولى، فيدفع العامل والطالب والمريض ثمن تخلّف هؤلاء الناس!!

رغم كثرة هذه الأفعال والعادات السيئة، هل يعني ذلك أن نسلّم لهذه الأمور؟ أم إنّ علينا أن نحارب هذه الظواهر ونعيد رسم معالم النظام الإسلامي الحق؟! متى ستتوقّف هذه الظواهر ومتى يستيقظ المسؤولون وأولو الأمر ليقوموا بدورهم الفاعل بتوعية الناس فكريّاً وثقافيّاً، ومتى يعمدوا إلى الارتقاء بالإنسان  إلى المستوى الفكري الذين أرادنا الله أن نرتقي إليه؟!

هل نحن ذاهبون إلى ما هو أعظم أم إنّ اللّطف الإلهي سيدركنا عمّا قريب؟! عسى أن يمنّ الله علينا بمن يرتفع  بهذا المجتمع إلى النموذج الإسلامي الراقي، إنه هو أرحم الراحمين!