18 ديسمبر، 2024 7:43 م

الإسلام والحداثة إسلام المؤسسة أم إسلام الرسالة؟

الإسلام والحداثة إسلام المؤسسة أم إسلام الرسالة؟

كلما هبت جماعة من رواد التنوير في الفكر الإسلامي يقيضها الله لإحياء رسالته وشرحها للناس ،كثرت حولها الشبهات والأقاويل شأن كل جماعة تأتي لتزعزع العروش وتدك الحصون ،تلقي في البركة الراكدة بحجر الشك والرفض والتمرد لصالح الإنسان والحق والخير والعدل والحرية ،وما أيسر التهمة التي تقذف بها :الإلحاد، الزندقة، اللادينية ، المروق، وتصدق العامة بالحكاية : إنها جماعة خطيرة مدسوسة ،عميلة ،زنديقة، مارقة.
مشكلة العامة أنها لا تفكر بحكم انشغالها بتدبير لقمة العيش ومحدودية مستواها الفكري وهذا لا يقدح فيها فمنها الفلاح والحرفي والتاجر وهؤلاء يشكلون قوة الأمة العاملة،إنها تأتمر بأمر وعاظها وساستها حتى هذا الفعل في العربية “ساس” فهو يقرأ طردا وعكسا إنه يعني فن الترويض والإخضاع وهو في الأصل سياسة الخيل فالخيل الأصيلة فيها التمرد والجموح والعنفوان وذاك جمالها لكنها بعد السياسة تصير مطية كفرس رهان وفرس صيد وفرس تجوال وهكذا تغدو الشعوب في المجتمعات الإقطاعية مجرد مطايا لحكامها ووعاظها وأغنيائها.
كانت مشكلة مشروعية الحكم حجر الزاوية في الخلاف داخل الأمة وهي تستحق بل هي مناط الأمر كله فالفساد السياسي كما نعرفه اليوم في السياسة والتجارب الديمقراطية مجلبة لكل وباء اقتصادي وأخلاقي وتربوي وعلمي فعدم مشروعية الحكم ينسحب سلبا على كل القطاعات في الحياة ، اختصم المفكرون المسلمون من الخوارج وكانوا فرقة جمهورية بمصطلح العصر والشيعة يأبون كل حكم غير حكم آل البيت ومثقفون مسلمون من علماء دين من أهل السنة والجماعة كما ينعتون جميعهم بحثوا في قضية الشرعية السياسية وكثير منهم رفض وتمرد وجهر بالحق ودفع بعضهم الثمن غاليا نفيا أو تشريدا أو قتلا أو وصما بالزندقة والهرطقة أو اغترابا وفقرا وهامشية.
ظهرت فرقة كالمعتزلة مثلا في الإسلام وفي العهد الأموي ابتداء وهي فرقة تعمل العقل وتؤمن بالحرية وتهدف إلى المساواة ، فالعقل أعدل قسمة بين الناس والحرية هي هوية الكائن البشري وسيرورته والمساواة فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى وهذه هي القيم التي نافح عنها النبي محمد ودعوته الإسلامية ، دين لخلاص الفرد والمجتمع حيث الأفضلية للعمل الصالح لا للأحساب ولا للأنساب ولا للعصبيات ، لكن الإسلام في عهد الخليفة عثمان عرف مأزقا كبيرا هو ما اصطلح على تسميته بالفتنة الكبرى وهي حالة حرب أهلية قتل فيها المسلم المسلم وتآمر المسلم على المسلم وسالت دماء كبيرة ، فالفتنة الكبرى هي محاولة الارتداد على مبادئ الإسلام تلك التي نافح عنها النبي واستمات في الدفاع عنها خليفتاه أبو بكر وعمر الذي كان يتوجس خيفة من قريش ومحاولاتها لي عنق الرسالة المحمدية فكان لا يحبها ولا تحبه ، لكن الأوليغارشية الأموية عادت إلى الإمساك بتلابيب الدولة ومصادرة الإسلام لصالحها إنها تحيي العصبية الجاهلية حيث لها المكاثرة بالجاه والمال وهاهو السلطان قد جاءها عبر شخص الخليفة عثمان- ذي النورين- هذا الرجل الورع العطوف الكريم والذي استغلت قرابته سماحة نفسه ورقته فاستحوذت على الدولة وثارت ثائرة المسلمين على هذه السياسة الجديدة التي ما عرفوها في زمن أبي بكر ولا عمر كان هناك أعراب غلاظ سماعون لمختلف الأقاويل وكان هناك طابور خامس يستغل هذه النزعات ومنهم عبد الله بن سبأ – وعلي الوردي وطه حسين ينكران وجوده وهما مبالغان في ذلك ولاشك- وكانت هناك جماعة متحفظة على سياسة عثمان ولكنها تدعو إلى السلم والطاعة مع الاستجابة لمطالب الجماهير وانتهى الأمر بقتل عثمان في مشهد مأساوي لشيخ يقتل بعد أن تجاوز الثمانين والأمر كما يقول العقاد أن مروان بن الحكم هو عنصر السوء في القصة واستلم علي الخلافة لتستمر المأساة لقد رفضت الأوليغارشية الأموية الطاعة له ورفعت قميص عثمان والذي كان حصان طروادة للولوج إلى الحكم والتأبد فيه وحاربته في صفين وكان قدر الخليفة القتل والشهادة ومن ذلك التاريخ انتهت الخلافة ملكا عضوضا ونعيما وترفا أسطوريا كما هو مدون في كتب التاريخ.
لقد كتب أحد المستشرقين الألمان أن علي الحكومة الألمانية أن تصنع تمثالا من الذهب وتنصبه في ساحة ببرلين لمعاوية بن أبي سفيان، إن هذا الخليفة- الملك- قدم خدمة عظيمة لأوروبا فهو الذي أحدث انزياحا في معاني الرسالة المحمدية ورسالته وأرجعه ترفا ونعيما ومؤسسات ولولاه لاكتسح الإسلام الرسالي أوروبا برمتها.
يقول الأستاذ كازانوفا في كتابه محمد وانتهاء العالم:” كانت نفسية الأمويين في مجموعها مركبة من الطمع في الغنى إلى حد الجشع ومن حب الفتح من أجل النهب ومن الحرص على السلطان من أجل التمتع بملذات الدنيا”.
أما في العصر العباسي فحسب الواحد أن يقرا قولا للإمام ابن حزم :”هناك ثلاثة خلفاء فحسب ينحدرون من أمهات حرائر ضمن مجموع الخلفاء العباسيين أما بالنسبة للخلفاء بالأندلس فليس هناك خليفة واحد أمه حرة”.
ومما يروى أن أحد الخلفاء العباسيين وهو الهادي دس السم لأمه الخيزران في الطعام لكنها لم تأكل ثم قتلته هي فقال: “لم تأكلي ولو كنت أكلت استرحت منك ،متى أفلح خليفة له أم؟” وكان يحتج على تدخلها في شؤون السياسة وما أكثر ما فعل الحريم والجواري والغلمان بمصير الأمة لقد أحدث التفاوت الطبقي والتسري وشراء العبيد حالة معاكسة جوهرها النقمة والانتقام من العرب والمسلمين والكراهية لهم لأنهم وجدوا لا إنسانية واستغلالا وقهرا في وجود رسالة يقول خلفاؤهم أنهم حماتها ورعاتها ويكفي الاطلاع على كتاب” العبودية وتأثيرها الثقافي” للإلمام ببعض حيثيات الموضوع.
ويكفي الواحد أن يعرف سمات المجتمع الٌإقطاعي حيث فئة قليلة متنفذة وفئة رازحة في ذل الفقر والخصاصة، إن ابن بطلان ألف رسالة سماها “رسالة في شري الرقيق” ولفت الله الغزالي كتب كتابا عنوانه “هواية المريد في تقليب العبيد” هكذا صار الناس عبيدا يؤلف لفت الله كتاب ينبه السادة إلى ضرورة اليقظة وإدراك مكائد تجار العبيد حين مباشرة عملية الشراء ،فالإسلام الذي شجع العتق وساوى بين البشر يعود في المجتمع الإقطاعي بعض ممثليه عرابين للعبودية ، ومالنا نذهب بعيدا وعمر بن عبد العزيز أوقف الفتوح لأنها اتسمت بسيماء العسف ونهب أراضي الناس وأموالهم باسم الفتح واغتصاب نسائهم وتعبيد ذراريهم، إن هذا التحول الخطير جعل الخليفة العادل يوقف الفتوح فإحقاق العدل بين الرعية أهم من فتوح تكون اغتصابا وقرصنة واعتسافا.
كرس الخلفاء – الملوك الجدد- سياسة الطاعة من قبل الرعية واستعانوا بحاشية من رجال الدين لغسل أدمغة الناس من قبيل طاعة الله وطاعة الرسول وطاعة الحاكم واحدة، وليس في الإمكان أبدع مما كان ، والجبر عقيدة فالحاكم اختاره الله وهو مكتوب عنده في اللوح المحفوظ فالثورة عليه ثورة على إرادة الله موجبة للخلود في النار ، وليس على المسلم إلا الصبر والدعاء للحاكم بالتوفيق وطول العمر حتى يعوض الله المؤمن يوم القيامة وليس بصعب على هؤلاء الفقهاء والوعاظ -وعاظ السلاطين كما يسميهم علي الوردي- أن يجدوا في القرآن ما يبرر وجهة نظرهم فالقرآن حمال أوجه ولا ينطق بل ينطق به الرجال وهكذا تمت عملية الانزياح في تفسير وترجمة الأخلاق الإسلامية من قبيل الصبر والقناعة والرضا والتوكل فأصبحت هذه الأخلاق ائتمارا بأمر الحاكم ورضا بالواقع الفاسد الذي جاء الإسلام ليجتثه ،غيبت مبادئ الإسلام من حرية وعدالة ومساواة وهي نخاع الدين لصالح طقوس أفرغت من نخاعها، فالقيم من حرية وعدالة مساواة هي نخاع الدين حين تتنزل الشعائر بمنزلة العظم فلا نخاع بلا عظم ولا عظم بلا نخاع ، فهما وجهان لعملة واحدة أو اللحمة والسدا، تنتشر المساجد الفخمة ويبني الخليفة مسجدا فخما ويحج ويحتفي المسلمون بشعائر الحج والعمرة ويبارك حفظ القران وتجويده ويحيي الناس المآتم وليالي رمضان بترتيل القرآن الكريم ولكن روح القرآن غائبة إنها مجرد طقوس هكذا أرجعها الحكام ،قتلوا في الإسلام وهجه وثوريته وأحيوا فيه طقوسا فقط وفصلوها عن الحياة العامة وأخصها الجانب السياسي.
بدأت مأساة المسلمين يوم تآمرت السياسة والدين – بالمفهوم الذي شرحناه آنفا- على الحياة العامة واستمرت هذه المأساة قرونا إلى اليوم وكان من نتيجة ذلك بقاء المجتمع في العهد الإقطاعي حيث لم يبارح مرحلة الزراعة إلى اليوم وتم اختصار العلم في الفقه والوعظ وهذا مرتبط بالحاكم وأسبغت الألقاب على الفقهاء من نوع:علامة، فهامة، نحرير، جهبذ، بحر العلوم ، شمس الفهوم ، قدس الله سره – مع أن الإسلام لا يعترف بالكهنوت ولا بالألقاب – وتعتبر هذه الأقاويل عتبة لسياج دغمائي كبير لم يخرج منه المسلمون إلى اليوم فالعامة كالقطيع تخدرها هذه الألقاب وتظن ما يتقول به بعض هؤلاء الشيوخ هو دائما في كل الأحوال العلم ، فنحن أمام حالة تزييف وتخدير وتجميد إلى الدرجة صفر للوعي البشري، فالعلم الحقيقي غائب ومغيب عمدا لقد غابت العلوم الطبيعية وهمشت فلم تكن تجدي كثيرا في مجتمع إقطاعي لا يحتاج إلى العلم بقدر ما يحتاج إلى الفقه والتقليد- ونحن لا نغض من قدر الفقه ولكنه لا يكفي لوحده – ،صحيح ظهر علماء في مختلف العلوم لكنهم كانوا فرسا واصلوا تقاليدهم القديمة العريقة في العلم والاكتشاف وأنشأ هارون الرشيد بيت الحكمة وولده المأمون كذلك ولكن ذلك لا يغير من الأمر شيئا فالسلطة معترض عليها وتشجيع هؤلاء للعلم لتحسين صورتهم عند الناس والمفاخرة والمكاثرة بهم لا غير ففي قصورهم علماء كما في قصورهم الجواري الحسان من قبيل “حبابة “و”سلامة “وغيرهما .
إذا فنحن أمام دين تمت مصادرة طهرانيته وثوريته وتنويريته إسلام الرسالة لصالح إسلام المؤسسة حيث كل أشكال التعبد والمؤسسات الدينية قائمة وأجود المقرئين ومئات الآلاف من حفاظ القرآن وأجود المصاحف وآلاف وكالات السياحة التي تنظم للناس رحلات الحج والعمرة برفاهية وراحة ومؤسسات رسمية من قبيل وزارت الأوقاف والشؤون الدينية أو الإسلامية وهيئة كبار العلماء ولجنة الإفتاء والمجالس الإسلامية العليا ولكن هذه كلها لم ترسخ جوهر الإسلام إنها مؤسسات تابعة للسلط السياسية بل هي من تدفع لها راتبها فكيف تتمرد عليها وتعترض؟ وهي تعلم علم اليقين عدم مشروعية هذه السلطة وأنها استمرار لمذبحة سياسية حيث غيبت الشورى وقام الملك مقام الخلافة .
كثيرون يعلقون مشاكل العالم العربي والإسلامي على الاستعمار وهذا خطأ بين فالاستعمار كان نتيجة ولم يكن سببا إن ضعف المسلمين وعدم مشروعية نظامهم السياسي ومصادرة الإسلام الثوري الرسالي لصالح الإسلام المؤسساتي هي التي أوصلتهم إلى الضعف والوهن حتى حاق بهم ما حاق ومن ويلات الاستعمار.
إن ما يدمي القلب مثلا تلك المقولة التي رددها الشيخ محمد عبده بعد عودته من رحلة إلى أوروبا قال:”في أوروبا وجدت إسلاما بلا مسلمين وعندنا وجدت مسلمين بلا إسلام” ماذا يعني ذلك ؟ إنه لا يعني الطقوس فهي موجودة والمؤسسات الدينية قائمة ولكن الغائب روح الإسلام الحرية والعدالة والمساواة .
نحن شعوب متدينة جدا ولكن فاسدة جدا إنه الدين المؤسساتي حيث يعتقد الواحد أن الخلاص يكون بالتوبة والإقلاع عن المعاصي في مرحلة متقدمة بعد كوارث يأتيها – ونحن لا نغض من هذا المبدأ القرآني- ولكن ننوه إلى كيفية تحويره وتزييفه ، ماذا تعني التوبة بغير رد المظالم؟ وما جدوى توبة حكام نهبوا شعوبهم وأخروها قرونا ؟ كيف يردون المظالم ؟ هل في إمكانهم استعادة الزمن للإصلاح؟ إن العربي المسلم اليوم مثلا يعيش حالة فصامية إنه منقسم منشطر، نفس أمارة بالسوء وغرائز ترجو الإشباع وضرورات طبيعية لاستمرار الحياة لا تجد الإشباع إلا في بيئة فاسدة إقطاعية غابت فيها العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة التي بذلها الخالق لعباده ، وأجور زهيدة تبقي السواد الأعظم فقراء والعجيب في عالم عربي وإسلامي هو من أغنى المناطق بالثروات الطبيعية ، ماذا يعني أن تحاسب فتاة فقيرة لا تجد عملا إلا ببذل جسدها أو تحدثها عن العفة والشرف؟ وأجير تحدثه عن الصدق ، يتعلم فنون الكذب والاحتيال والهروب من الدائنين من أجل المعاش ؟ وشاب آخر يكفر بكل القيم ؟ فهو لا يجد عملا يحفظ كرامته في حين يسمع عن الحاكم الفلاني الذي أنفق في زفاف ابنه أو ابنته ملايين الدولارات ويمر عليه شاب ابن مسؤول أو وجيه في سيارة فارهة ولم يعمل شيئا لا هو ولا أولاده لتبرير الثروة التي جنوها ، وملايين العاطلين الفقراء يرون الثروة تتكدس عند من لا يعمل ولا يقدم شيئا للوطن سواء أكانوا من الساسة أم من الإقطاعيين ثم يذهب هؤلاء إلى خطيب يخطب فيهم يوم الجمعة عن فضائل الصبر والتسامح والقناعة ووحدة الأمة الإسلامية وقد قهرتهم الحاجة وأذلهم الجوع وداس على كرامتهم المسؤولون حيث المسؤول هو قارون جديد أو فرعون معاصر والعجيب كلهم يؤدون الشعائر، أو يقدم واعظ كلاما وصفيا رومانسيا عن عدالة الإسلام ووحدة الأمة العربية أو الإسلامية في حين يعلم الإسلام أن الوحدة لا تتم إلا بالاقتصاد وليس باللغة أو الدين وحدهما-فاللغة والدين لا يصنعان لوحدهما وحدة- فالزكاة ركن ولهذا مدلوله فالوجود يهيمن على الوعي والفقر لا يترك فضيلة ولا محمدة ، أو يقص من وحي كتبه الصفراء أقاصيص قديمة استهلكت لفرط استعمالها، مع أن الجمعة منبر للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا معروف أهم من تكريس الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وهذا هو الأصل في اجتماع المسلمين يوم الجمعة. تقول الكاتبة فاطمة المرنيسي:” لقد كانت خطبة الجمعة إذن تفرض على الخليفة أن يكرس قدرته على التواصل مباشرة مع الجماعة وأن يخبرها بإيجاز ويركز على الأشياء الأساسية ويتحمل مسؤولية ما يقوله “أليس هذا برهانا على مصادرة الإسلام والانزياح في تفسيره وفي تفهيمه للناس ، فمن يتحمل ذلك الوزر أليس رجال الدين ؟ لذا فالتحالف التاريخي بين السياسة والدين لم يبدأ اليوم وإنما يوم تم الالتفاف على الإسلام لصالح الأوليغارشية الأموية ثم العباسية .
لقد ظهر مثقفون مسلمون تنويريون ثوريون دافعوا عن قيم الإسلام فماذا كانت نهاياتهم؟
فآل البيت انتهوا جميعهم مقتولين بدء بالحسين ثم الحسن الذي في ورد رواية أن معاوية سممه حتى يخلو الجو لولده يزيدا فيأخذ له البيعة ووعد زوجة الحسن بالزواج من يزيد إن مات الحسن ونفذت بنت الأشعث بن قيس الذي لعب والدها دورا مشبوها في معسكر علي بن أبي طالب ثم الإمام زيد الذي صلب عاريا ومحمد النفس الزكية وإبراهيم وغيرهم من آل البيت الذي رووا قيم الإسلام بدمائهم الزكية .
و هذا غيلان الدمشقي قتل من قبل هشام بن عبد الملك بتهمة الزندقة في مناظرة مع الأوزاعي وقد كانت مناظرة ظالمة حيث نية القتل مبيتة والسبب التقارب سابقا بين عمر بن عبد العزيز وغيلان ودعوته إلى بيع أملاك الأسر الأموية لأنها مظالم وعدم جواز حكمهم ولا تجب البيعة لهم مما أحفظ هشاما عليه فدبر له مكيدة الزندقة وألصقت به وصدقت العامة الفرية وراح هذا المسكين شهيدا في سجلات التاريخ.
وهذا الجعد بن درهم ذبحه الوالي خالد بن عبد الله القسري يوم عيد الأضحى أمام المسجد استمالة لعواطف المصلين للدعوة للخليفة ناصر الملة والدين الذي سل سيف الحق المبين على الزنادقة والمرتدين وما كانت تهمته إلا أنه دخل عتبة مظلمة لا مفكر فيها أو مستحيل التفكير فيها، تلك مسألة حرية الإنسان إزاء السلطة القائمة وعدم كونها قدرا مقدرا.
وأخير فالإمام العظيم أبو حنيفة النعمان نصير آل البيت والذي بعث بنصيب من المال للإمام زيد لما خرج على الأمويين وكان يسمي الخليفة هشاما “اللص المتغلب” هذا الفقيه المدرك لروح الإسلام والرافض أن يكون واعظ سلطان وقد استقل ماليا فلم يقبل هدايا الخلفاء ولا راتبهم فقد كان يمارس التجارة تكريسا لمبدأ الاستقلالية حتى لا يكون عبدا لأجرة شهرية تدفع له من بيت المال مقابل الولاء فقد كان يقول رحمه الله :”لا تقبلوا شهادة من ليس في بيته طحين” فالجوع كما يقول الإمام علي:” ما ضرب الله عباده بسوط أوجع من الفقر”. هذا الإمام مات سجينا فقد كان معترضا على الخلفاء-الملوك- ويرى عدم شرعية بيعتهم لأنهم متغلبون بالعسف والقوة والمكر لا غير.
لقد دخلت مرة إلى مسجد الإمام الحسين في خان الخليلي ووقفت أمام الضريح -على فرض أنه مدفون هناك بالرأس أو بدون رأس- فما شعرت إلا والدموع تنهمر من عيني، لقد استحضرت جهاد الحسين وثورته ،هذا السبط المحمدي الذي خرج على الأمويين ليسجل- ليس على يزيد وحده – بل على الأمويين جميعا وبني العباس وسائر الحكام عدم مشروعية حكمهم، إن ذلك الخروج الحسيني هو شهادة سرمدية على تحريف الإسلام ومصادرته فلم يكن خروجه انتحارا بل شهادة في أذن الزمان وفي ضمير التاريخ وكان الخطب يحتاج إلى مثل هذه الشهادة لتقول للأجيال إن الإسلام قد صودر ، إنها قيم الإسلام الرسالية العظيمة والتي هي قيم الإنسانية تستحق أن يفتديها سبط من آل محمد بدمه فتكون في الخافقين –المشرق والمغرب- بلون الشفق لتذكر الناس بالشهادة والرسالة والعترة المحمدية .ويا للعجب كان أمام الضريح نسوان وشباب ومرضى وشيوخ وعجائز من ترجو عريسا ومن يرجو شفاء ومن يرجو نجاحا كلهم يتوجه بالدعاء متوجها إلى الحسين أو مستعملا إياه واسطة!الحسين الذي علم الناس معنى الثورة استلهاما من رسالة جده يغدو في إسلام المؤسسة مقاما يبخر ويتوجه إليه بالدعاء وترمى عليه النقود ! ويستمر الدين شهيدا في سجلات التاريخ كما يقول علي شريعتي.