18 ديسمبر، 2024 9:47 م

الإسلام دين وليس نظرية سياسية

الإسلام دين وليس نظرية سياسية

عندما كنا في ايران، في ثمانينيات القرن الماضي، كنت يوما ما احاور احد الاخوان الكرام، حول الاختلافات السياسية بين القوى الإسلامية، واعبر عن خشيتي من تحول تلك الاختلافات السياسية الى خلافات عقدية، وكان بعفويته وروحه الواثقة المشبعة بقيم الإسلام يطمئنني قائلا: لا اخي أبا …، نحن اخوة في الدين، وهذه اراء سياسية لا تفسد في ودنا العقدي قضية، ومرت الأيام فالتقيته، فذكرني بحوارنا ذلك، وقال لي: قبل أيام التقيت احدهم واختلفنا حول امر ما، قلت له حينها: نحن قد نختلف في السياسة، ولكننا على عقيدة واحدة، فرد علي: لا اننا نختلف معكم عقديا، استغربت من كلامه، ولكنني تذكرت حديثك معي في هذا الامر، وأقول لك: ان خشيتك في محلها.

   من تلك اللحظة بدأ سؤال الحكم في الإسلام يحرك رغبتي في بحثه، ابتداء من السقيفة الى يومنا هذا، وقد كان كتاب الشيخ الازهري علي عبد الرازق الإسلام واصول الحكم، الذي دفع ثمنه باهظا، علامة مهمة في هذا المضمار، كانت لي ملاحظات وتحفظ على بعض ما جاء فيه، وبالخصوص ما قاله في وصف حكومة النبي (ص)، التي اقر لها وحدها بصفة الحكومة الدينية، وقد صدرت لي في هذا الشأن أربعة كتب، أولها الحكم في الإسلام شأن دنيوي، واعني انها شأن المسلمين الذي ينعقد بالبيعة والشورى على وفق متطلبات دنياهم ومبادئ دينهم، فالمسلم ياكل ويشرب ويلبس ويتزوج وينجب وهو مسلم.

   لقد وصلت بقراءاتي المستمرة حتى هذه اللحظة إلى أن الإسلام دين وليس نظرية سياسية، ومن ثم ليس هناك وصية في الحكم، بل هو شأن المسلمين السياسي (السياسة مصطلح مستحدث، استخدمه لتقريب تصور لمفهوم الحكم فحسب) يقيمونه على وفق ما ذكرت انفا، وان ولاية علي سلام الله عليه هي ولاية دينية، ارقى واعظم من اية ولاية سياسية، وان السقيفة لم يعقدها عمر ولا أبو بكر، وانما انعقدت في ديار الخزرج وحضرها الاوس، في حي بني ساعدة الخزرجيين، الذين كانوا اقرب ولاء لعلي عليه السلام، أرادوا من خلالها تنصيب زعيمهم سعد بن عبادة، وقد آلت الأمور فيها الى بيعة ابي بكر ( رض) تلك البيعة التي وصفها عمر (رض) بالفلتة وقال: وقانا الله شر الفلتة، وهي حقا فلتة، لانها اشبه بحكومة طوارئ عسكرية، لمواجهة اخطر موجة ارتداد عرفها التاريخ الإسلامي، حدثت عقب وفاة رسول الله (ص) وقد نجحت في ذلك، نجاحا لا يخلو من أخطاء، من امثلتها الصارخة حادثة قتل خالد بن الوليد مالك بن نويره والدخول بزوجته، التي استفزت عمرا فقال لابي بكر: أقم عليه الحد، اقتله، لانه قتل مسلما ونزا على زوجته، فرفض أبو بكر وقال: لا اغمد سيفا سله الله، وبسبب هذه الحادثة، وما فعله خالد يوم احد، ابعده عمر عن شورى الخلافة، وقال: لا اضع فيها من قاتل رسول الله.

   ان الحكام الراشدين، الذين اصطلح على تسميتهم الخلفاء، خمسة اخرهم الامام حسن عليه السلام، حكموا بكتاب الله وسنة رسوله (ص)، على الرغم من التحفظ على محاباة عثمان (رض) لاقاربه الامويين، فليس هناك بعد الراشدين حكم عادل، انما هو ملك عضوض وحكم منحرف أسس له الامويون، الذين اصلوا مقولات حكم المتغلب في الفقه، وصادروا حرية الامة في السياسة، وتبعهم كل الحكام الى يومنا هذا من عباسيين وصفويين وعثمانيين وغيرهم. 
  وبناء عليه لا يترتب على الاختلاف السياسي مع الحاكم، أيا كان، أي حكم ديني، اقصد الحرمة والوجوب والكراهة والاستحباب، فضلا عن انه لا يخون ولا يكفر كل معترض على الحاكم، بمن فيهم الخوارج الذين خرجوا على حكم علي، فلم يكفرهم عليه السلام، قاتلهم لبغيهم عليه بوصفه حاكما مبايعا من الامة يمتلك كامل مشروعية، وحتى معاوية لم يكفره وانما قاتله لبغية

   ان عليا عليه السلام مثل منهج الحاكم العادل، تعطرت بسيرته الأيام، ونطقت بفضله الدهور والاعوام، ووقف عند مشارف فكره الكلام، هو انجب تلاميذ محمد (ص) واعمقهم ايمانا بالإسلام، عندما تدافعت اليه الامة مبايعة، قال: دعوني والتمسوا غيري، ولو كان محكوما بنص نص على ولاية الحكم له، يكون قوله مخالفا للنص، كيف وهو اصدق حراس ذلك النص، وعندما اصروا، رفض ان يقبل الحكم الا ببيعة الامة، وهذا دليل على ان الحكم بيعة وشورى وليس وصية، والامام الحسن عليه السلام صالح معاوية على ان يعود الامر شورى بعد موته، ولكن معاوية لم يف بالعهد، وعلى السبيل نفسه استشهد الامام الحسين عليه السلام.