عندما كنا في ايران، في ثمانينيات القرن الماضي، كنت يوما ما احاور احد الاخوان الكرام، حول الاختلافات السياسية بين القوى الإسلامية، واعبر عن خشيتي من تحول تلك الاختلافات السياسية الى خلافات عقدية، وكان بعفويته وروحه الواثقة المشبعة بقيم الإسلام يطمئنني قائلا: لا اخي أبا …، نحن اخوة في الدين، وهذه اراء سياسية لا تفسد في ودنا العقدي قضية، ومرت الأيام فالتقيته، فذكرني بحوارنا ذلك، وقال لي: قبل أيام التقيت احدهم واختلفنا حول امر ما، قلت له حينها: نحن قد نختلف في السياسة، ولكننا على عقيدة واحدة، فرد علي: لا اننا نختلف معكم عقديا، استغربت من كلامه، ولكنني تذكرت حديثك معي في هذا الامر، وأقول لك: ان خشيتك في محلها.
من تلك اللحظة بدأ سؤال الحكم في الإسلام يحرك رغبتي في بحثه، ابتداء من السقيفة الى يومنا هذا، وقد كان كتاب الشيخ الازهري علي عبد الرازق الإسلام واصول الحكم، الذي دفع ثمنه باهظا، علامة مهمة في هذا المضمار، كانت لي ملاحظات وتحفظ على بعض ما جاء فيه، وبالخصوص ما قاله في وصف حكومة النبي (ص)، التي اقر لها وحدها بصفة الحكومة الدينية، وقد صدرت لي في هذا الشأن أربعة كتب، أولها الحكم في الإسلام شأن دنيوي، واعني انها شأن المسلمين الذي ينعقد بالبيعة والشورى على وفق متطلبات دنياهم ومبادئ دينهم، فالمسلم ياكل ويشرب ويلبس ويتزوج وينجب وهو مسلم.
لقد وصلت بقراءاتي المستمرة حتى هذه اللحظة إلى أن الإسلام دين وليس نظرية سياسية، ومن ثم ليس هناك وصية في الحكم، بل هو شأن المسلمين السياسي (السياسة مصطلح مستحدث، استخدمه لتقريب تصور لمفهوم الحكم فحسب) يقيمونه على وفق ما ذكرت انفا، وان ولاية علي سلام الله عليه هي ولاية دينية، ارقى واعظم من اية ولاية سياسية، وان السقيفة لم يعقدها عمر ولا أبو بكر، وانما انعقدت في ديار الخزرج وحضرها الاوس، في حي بني ساعدة الخزرجيين، الذين كانوا اقرب ولاء لعلي عليه السلام، أرادوا من خلالها تنصيب زعيمهم سعد بن عبادة، وقد آلت الأمور فيها الى بيعة ابي بكر ( رض) تلك البيعة التي وصفها عمر (رض) بالفلتة وقال: وقانا الله شر الفلتة، وهي حقا فلتة، لانها اشبه بحكومة طوارئ عسكرية، لمواجهة اخطر موجة ارتداد عرفها التاريخ الإسلامي، حدثت عقب وفاة رسول الله (ص) وقد نجحت في ذلك، نجاحا لا يخلو من أخطاء، من امثلتها الصارخة حادثة قتل خالد بن الوليد مالك بن نويره والدخول بزوجته، التي استفزت عمرا فقال لابي بكر: أقم عليه الحد، اقتله، لانه قتل مسلما ونزا على زوجته، فرفض أبو بكر وقال: لا اغمد سيفا سله الله، وبسبب هذه الحادثة، وما فعله خالد يوم احد، ابعده عمر عن شورى الخلافة، وقال: لا اضع فيها من قاتل رسول الله.