22 ديسمبر، 2024 9:06 ص

الإسلام بين عنصرية ماكرون وانتهازية اردوغان

الإسلام بين عنصرية ماكرون وانتهازية اردوغان

لقد سقط ماكرون في خطاب الكراهية التي أراد أن ينزه نظامه العلماني منها، فقدم خطابا كراهية غير معهود من كل سلفه من الرؤساء، على الأقل في حقبة ما بعد تحرير الجزائر، التي قتل فيها الفرنسيون مليون ونصف مسلم جزائري، ولا ادرى هل اطلع ماكرون مستشاريه على مضمون خطابه؟ واجزم أنه لو أطلعهم لطلبوا منه أن لا يلقيه، كان عليه أن يدين فعل القاتل، الذي دانه معظم المسلمين، سوى نفر قليل من المتطرفين، من دون أن يثنّي على فعل المقتول، فإنهما قد أساءا، المقتول أساء استخدام حرية التعبير فسخر من مقدسات الآخرين، والقاتل أساء الرد، وما كان يجب على الرئيس الفرنسي تذكره أن التطرف مرض، قد لاقى إنباته في أوساط المسلمين ورعايته رضا اوربي، وأن اوربا قد مارست التطرف بأبشع صوره مع خصومها المحليين والدوليين، ففي يوم من أيام باريس مدينة الأنوار كما يحلو لأهلها تسميتها، قتل الحاكم الفرنسي الكاثوليكي الملك شارل التاسع ثلاثين ألف بروتستانتي فرنسي، وقد رفع جنده شعار اقتل اقتل، هذا امر الملك، وقد كان القتلة يفصلون الرؤوس عن الأجساد، في حين أن رسول الله محمد ص في أشد لحظات المواجهة مع أعداء تسابقوا على قتله، كان يوصي أصحابه بجملة من اخلاقيات الفارس المقاتل، يوصيهم ص بأن لا يجهزوا على جريح، ولا يقتلوا مدبرا أو اسيرا، بل كان ص يدعوهم للحفاظ حتى على البيئة، فلا يقطعوا شجرة ولا يردموا بئرا.

الغريب أن رئيس أعرق العلمانيات في اوربا لا يميز بين حرية التعبير والإساءة، فحرية التعبير هي أن يعبر الشخص عن رأيه بالآخر من دون أن يسيء إليه، بدليل أن فرنسا استنكرت واستدعت سفيرها من تركيا بسبب طلب اردوغان عرض ماكرون على متخصص عقلي، اعتبرت أنه لم ينتقد ماكرون على وفق سياقات حرية التعبير وإنما أساء إليه فوصمه بالتخلف العقلي؟ أليس في هذا الموقف ازدواجية، وإلا وفي أقل تقدير كان عليها أن تساوي بين رسول الله محمد ص وبين ماكرون، وإن كانت هذه المساواة مستحيلة بين من قال فيه الله تعالى { وانك لعلى خلق عظيم} وبين زان، فتعتبر صاموئيل باتي مسيئا في استخدام حرية التعبير في تشويه صورة رسول الله محمد ص، مثلما اعتبرت اردوغان مسيئا في استخدام حرية التعبير في تشويه صورة ماكرون.

ثمة تساؤل مشوب بحيرة وريبة، هل كان هذا الحادث مدبرا، لماذا أصرّ صاموئيل باتي على عرض رسوم الكاريكاتيور المسيئة لرسول الله محمد ص، على الرغم من أن حادثة شارل ايبدو ما زالت حاضرة في الذاكرة، فهو يعلم مدى خطورة هكذا ممارسة مستفزة، وفي الوقت نفسه كان يمكن للاجئ الشيشاني أن ينزل بالمدرس عقوبة قاسية من دون أن يقتله نحرا بطريقة بشعه، يبقى هذا التساؤل ماثلا حتى تتكشف ملابسات الحادث، ولكن المؤكد أن ثمة مستفيدا من توظيف ما حدث.

كم كان اردوغان سعيدا بسقطة ماكرون، الذي كان يعد الخطط لإيقاف حلم تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وربما لإعادة النظر في عضويتها في حلف شمال الأطلسي، بعدما تبين الموقف التركي من قضايا خلافية مع اوربا خاصة فيما يتعلق بالمشكلة مع اليونان التي أظهرت اوربا ميلا واضحا إلى جانبها بوصفها دولة اوربية مسيحية ضد تركيا المسلمة، علاوة على أن اوربا اليوم بات تشعر بالخطر التركي الذي تحول إلى ورقة ضغط أمريكية عليها.

كنت أتمنى ان تكون حمية اردوغان حقيقية على رسول الله محمد ص، الذي نتشرف جميعا، عربا وغيرهم، باننا امته، ولكن التاريخ يدحض امنيتي، فالعثمانيون عندما يختلفون مع اوربا كانوا يشهرون في وجهها ورقة الجالية المسلمة التي يستطيعون تحريكها بفتاوى الجهاد، واردوغان الذي يجاهر بعثمانيته، ينسج على منوال اسلافه نفسه من اجل ابتزاز اوربا وبالتحديد فرنسا التي دخلت مع الاتراك بخصومة مذ اطلقت جرس انذار اغراق الاتحاد الأوربي الكاثوليكي بالإسلام، اذا ما وافق على قبول تركيا في عضويته، وهذه من مفاراقات العلمانية الفرنسية، يبدو انها علمانية ولكن بارث شارل التاسع.

ماكرون بماكنته الإعلامية والفكرية يحاول ان يقدم الإسلام على أنه أيديولوجية، فيطمس بعده الديني الذي يمثل حقيقة الاسلام الثابته، ويظهر بعده الاجتماعي المتمثل بممارسة المسلمين، التي قد تتفق مع الإسلام الدين وقد لا تتفق، من أجل أن يسهل عليه وصفه بالمأزوم، فالاسلام دين لا يمكن تصوره مأزوما، ولكن ليس مستبعدا تصور ان المسلمين مأزومون، أما اردوغان بماكنته الإعلامية والفكرية فيدعي أن الإسلام دين، ولكنه في الوقت نفسه لا يقدمه، من خلال ممارسته السياسية، الا أيديولوجية توظف الدين في خدمة مشروع سياسي، وبينهما، أي ماكرون واردوغان، تزيف الحقيقة.