الدين الإسلامي دين حضارة وليس دين إمارة , فالحضارة في جوهرها تعني الإمرة والريادة والقيادة.
وعندما يؤخذ الإسلام إلى حيث لا يتفق وأصوله ومعانيه وقيمه فأنه يفقد الحالتين.
فلا يمكنه أن يصنع حضارة ولا تتحقق في مسيرته القيادة.
وعندما كان الإسلام معبرا عن جوهر معانيه الحضارية توفرت له القيادة , منذ إقامة دولة المدينة وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى.
واليوم أصبح الإسلام دولا متعددة بعضها أدركت القيم الحضارية للدين وعبّرت عنها كماليزيا وأندونيسيا , وأكثرها تورطت في مشارب ومذاهب وتصورات فارغة المحتوى , ذات عنوان مشترك تدعيه وتسعى إليه , وهو الإمارة الخالية من الأسس الحضارية السامية والأخلاق النبيلة والقدوة الحسنة , ولهذا تحول الإسلام في عرفها إلى تفاعلات دامية وصراعات خاوية , تؤدي إلى تحطيم كل ما يشير إلى الحضارة , بل أنها إتجهت نحو محق التأريخ وتدمير الحاضر , وإغلاق أبواب المستقبل.
فتوجهات الإمارة وفلسفتها محشوة بالأفكار والمواقف السلبية المعادية لحقيقة الدين , لأنها خربت معانيه ومفرداته , وما تدل عليه الأفعال وتؤكده المسيرة منذ أن تنزل الوحي وحتى أفول دولة الإسلام الحضارية.
فالسلوك الإسلامي الصالح والحقيقي هو الذي يكون مجسدا للمرتكزات الحضارية , التي بدأها الرسول الكريم , وفي مقدمتها الأخوة والمحبة والعدل والتراحم , والتقارب والتعاضد والإعتصام بحبل الله المتين والتعلم , ورفع رايات إقرأ , فكيف يكون العرب المسلمون خصوصا , أكثر من ثلثهم يتمتعون بالأمية المزرية , وأول كلمة تنزّلت على نبيهم العربي وبالعربية هي “إقرأ”!
فما تقوم به قوى الإمارة ومدّعيها هو إشاعة الجهل والإستثمار في الأمية , وهذا سلوك غير إسلامي ولا يتوافق مع معرفة الدين , التي تتطلب من المسلم العربي أن يكون عارفا بلغة الضاد , ومتفهما لآيات القرآن الكريم , الذي تحول إلى مجرد أصوات لا نعرف معانيها!
وصدق القول في العرب كما وصفهم الإمام علي بن أبي طالب “لا يعرفون من الدين إلا إسمه ومن القرآن إلا رسمه”!!
وبسبب هذه المعضلة الحضارية تنامت فرق وأحزاب وفئات الإمارة وغابت إرادة الحضارة.
وهذا يعني أن الإسلام يتعرض لأصعب وأقسى عدوان عليه من قبل أهله وخصوصا العرب , الذين إنتصروا به واليوم ينتصرون عليه!!
فأدركوا دينكم بالسلوك الحضاري القويم والإبتعاد عن سلوك الإمارة الأثيم!!