26 نوفمبر، 2024 2:45 م
Search
Close this search box.

الإسلام المسلح أم الإسلام السياسي ؟!! – لبنان انموذجاً

الإسلام المسلح أم الإسلام السياسي ؟!! – لبنان انموذجاً

التسليح بالمعنى العسكري هو توفير القدرات الحربية التعبوية اللوجستية الممكنة لمواجهة العدو.
السياسة بالمعنى العام هي فن إدارة الحكم في الدولة .
الإسلام بالمعنى العام هو آخر الأديان التي أنزلها الله سبحانه وتعالى لتنظيم العلاقة بين العباد والمعبود، وبين العباد والعباد، وإعطاء نظرية فلسفية شاملة للكون والحياة.
والحالة هذه ؛ فليس أمام المسلمين في العالم إلا الخيارات التي يفترض عليهم اتخاذها ، وهم يعيشون دينهم على الأرض.
فالعالم اليوم ؛ إما عالمٌ سياسي أو عالمٌ مسلح ،أو بهما معاً ، ولم تكن الدولة في هذا العالم مالم تكن تمتلك سياسة معينة وقدرة حربية .
ولأنَّ معظم دول العالم تحتوي على مكونات داخل الشعب الواحد ، تتباين في مناهجها السياسية الخاصة داخل السياسة العامة للدولة نفسها ، يجعل تكوّن توجهات داخلها لها نظرتها الفلسفية والسياسية المغايرة لتوجه حكومة الدولة .
ومن هذه التجارب ، الشقيقة (لبنان) التي يمكن رسم خارطتها السياسية بخطوطها العريضة الموجزة بما يلي:
 أولاً : صراع إقليمي تمثل في الصراع العربي – الإسرائيلي
ثانياً : الصراع بين الأصوليات الإسلامية والعالم الحر الذي حلَّ محل الصراع بين الشيوعية والرأسمالية، بعدما توجب على الحركات والأحزاب الإسلامية أن يتزايد دورها في مواجهة الإمبريالية العالمية بعد سقوط الشيوعية كمنظومة دولية.
ثالثاً : الصراع المتجدد المتصاعد بين السنة والشيعة في منطقة الشرق الأوسط على قيادة المسلمين، نتيجة لطموحات المملكة العربية السعودية السنية المعبر عنها بالحركة الوهابية الرافضة لوجود مذهب شيعي في الأمة الإسلامية ، وطموحات جمهورية إيران الإسلامية الشيعية المعبر عنها بمشروع الإمام الخميني لتصدير الثورة، وبالمشروع النووي الإسلامي  للدولة الشيعية الممهدة لظهور المهدي المنتظر (ع) ، ولبنان جزء من الجغرافية السياسية والبشرية للمنظومة الإسلامية السنية والشيعية في العالم .
إنها باختصار، صورة الواقع السياسي الذي يحيط بالجغرافيا اللبنانية، في هذه الحقبة المصيرية من تاريخ لبنان المعاصر. وأن أيّ رهان على تحييد لبنان عن هذه الصراعات، أو أيّ سعي الى عزل لبنان عن التأثر بها، هو ضرب من ضروب الخيال والوهم، ومحاولة غير واقعية، وغير منطقية للقفز فوق الواقع، لن تؤدي إلا الى أخطاء إستراتيجية في التعاطي مع المخاطر المحدقة باللبنانيين عموما .. والمسلمين بشكل خاص، التغاضي عن هذه الحقائق ينتهي الى المزيد من النكسات والخسائر التي يصعب تصحيحها أو تعويضها.

  ولبنان اليوم ؛ فمن باب ضعف المرجعية الاقتصادية للدولة اللبنانية، يتسلل المشروع السعودي بوجوهه المتعددة، كما يتسلل المشروع الإيراني بوجهه الواحد الى المجتمع اللبناني عبر حزب الله. قد يكون سلاح الحزب بالنسبة الى البعض هو الأكثر خطورة. لكن الواقع هو أن القوة الاقتصادية لحزب الله المستمدة من المشروع السياسي الإيراني في المنطقة هي الأساس. والأموال التي تتدفق على الحزب من إيران جعلت منه المرجع بالنسبة الى قسم مهم من المجتمع اللبناني. فهو المعني الإعمار… وهو المعني بالتربية والتعليم والمدارس والجامعات… وبالاتصالات… والصحة… والرعاية الاجتماعية… والمشاريع التنموية… والمشاريع الإنتاجية… وباختصار هو المرجعية لدورة اقتصادية متكاملة مستقلة عن الدورة الاقتصادية للدولة اللبنانية بنسيجها الطائفي والاجتماعي والمناطقي.
عليه ؛ فلا يمكن أن يكون هنالك عزل سياسي عن الجناح العسكري لأي مكوّن من مكونات الشعب المتعدد الطوائف والقوميات والسياسات داخل الدولة الواحدة .
 كان يقال في السابق أن الشيوعيين في العالم يرفعون المظلة عندما ترفعها الإتحاد السوفيتي ، وينزلونها عندما تنزلها، واليوم يرفع الشيعة اللبنانيون المظلة عندما ترفعها جمهورية إيران الإسلامية وينزلونها عندما تنزلها ، وهو حقٌّ مشروع لكلا الحزبين .. الحزب الشيوعي وحزب الله . لأنه عندما لا تكون الحكومة قادرة على أن تكون هي المرجعية الإقتصادية والسياسية والعسكرية ، تضطر الأحزاب أو الطوائف أو القوميات إلى اللجوء لمن يحقق لها أهدافها التي تناضل لأجلها عبر التاريخ .
في الجمهورية العربية السورية تضطر جبهة النصرة والجيش السوري الحر إلى اللجوء إلى المملكة العربية السعودية وقطر، وهي حال حزب الله الذي أضطر إلى اللجوء لإيران ، لذات الأسباب، فلو أنزلت النقمة الدولية على حزب الله، حريّ بأن تنزل على المعارضة السورية أيضا ، لا أن تكون المعارضة السورية ممثلاً في جامعة الدول العربية ، وحكومة سوريا لم تزل قائمة بعددها وعدتها .
لقد تحوّل الصراع العربي ـ الإسرائيلي ، من صراع عربي إسلامي ضد الكيان الصهيوني إلى صراع إسلامي ـ إسلامي .. شيعي ـ سني أو سني ـ شيعي (مع الأسف الشديد)!!! وهذا الصراع الجديد يتنامى ويستشري في العراق ومصر (رغم الأقلية الشيعية بمصر) وفي البحرين والسعودية ولبنان مدار البحث . وهي أخطر مرحلة صراع إسلامي ـ إسلامي في تاريخ الأمة الإسلامية منذ عهد الخلافة الراشدة حتى اليوم ،
 وذلك على ضوء التداعيات التالية : ـ
1. تمييع الصراع العربي الإسرائيلي
2. تمييع مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية
3. تفتيت الطاقة البشرية الإسلامية
4. هدر الاقتصاد الإسلامي بنفقات تضرب الإسلام بالمسلمين بدلاً من نصرته .
بالمقابل :ـ
1. تعاظم القدرة الإقتصادية للكيان الصهيوني
2. تعاظم الطاقة البشرية الغير إسلامية في العالم
3. تعاظم اقتصاد الدول الأوربية المنتجة لآلة القتل .

 عليه ؛ فإدراج حزب الله ـ كجناح عسكري ـ بقائمة الإرهاب حسب نظرية الدول الأوربية ، يعني مشروع أوربي جديد لإجهاض مشروع مواجهة الكيان الصهيوني عن طريق لبنان ، بعدما تحاول هذه الدول نفسها ، إجهاض مشروع المواجهة العسكرية السورية ضد إسرائيل ، من خلال دعم وتعزيز مشروع إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد .
ومن الملفت للنظر ؛ أن هنالك تزامن بين مشروع إسقاط المواجهة السورية ، ومشروع إسقاط المواجهة اللبنانية لإسرائيل .

لقد تكوّن حزب الله ـ أصلاً ـ لأجل حماية لبنان ، وتحرير الأراضي اللبنانية المغتصبة من قبل إسرائيل .
وتأسس حزب الله كجناح سياسي يأخذ دوره في العملية السياسية داخل الحكومة اللبنانية، لا لأجل أن يحقق ثقته العالية بالنفس ،بل ؛ لأجل أن يستطيع أن يعطي قراره ورأيه السياسي إزاء عملية المواجهة العسكرية اللبنانية ضد إسرائيل، وإلا فالشيعة اللبنانيون يرفلون بالكرامة والاحترام والتقدير والرعاية من قبل جميع الحكومات التي تعاقبت على لبنان ، ولم يشعر الشيعة بأي نقص في الدولة اللبنانية على مر التاريخ ولم يضطهدوا . الشيعة اللبنانيون مسلمون متدينون بدين الإسلام ، وقضية فلسطين قضية مقدسة لديهم ، ولبنان وطنهم ، فأي اعتداء صهيوني على فلسطين يعني اعتداء على مقدساتهم الإسلامية ، وأي اعتداء على لبنان يعني اعتداء على وطنهم الأم. فلماذا إذن ؛ تسعى الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية إلى كسر الجناح العسكري لحزب الله ، وهو في المواجهة مع العدو الصهيوني ؟!!! أو بالمواجهة مع مجموعات مسلحة من مختلف الجنسيات تسعى لإسقاط نظام حكم عربي قومي يواجه دولة إسرائيل ؟!!!

أحدث المقالات