تواجه أطروحات الإسلام السياسي الشيعي اليوم، تحدّيا كبير من قبل شارعها ذاته.. فهي بين المقبولية والرفض، فلم يعد خافياً على أحد حجم التناقضات والتخبّطات، التي بلورت حقيقة وواقع العمل الإسلامي الحزبي في العراق، كما لم تعد مجرّد الشعارات المجرّدة التي يرفعونها كافية لتغطية عورة الفساد والتخلف والمحسوبية، التي أضحت العنوان الأبرز للمرحلة الراهنة، من تاريخ العراق السياسي، في ظلّ حشد هائل من قيادات إسلامية، لا تفقه سوى لغة الطائفية والتفرقة، وتشتيت كل طموحات الوحدة الوطنية الخالصة.
الملفت للنظر أن الأحزاب الإسلامية غير قادرة، على إيجاد خطاب يتناغم مع الواقع، ووضع أساليب التعامل مع الخصوم ومع الجماهير، وهو ما يحتاجونه فعلا بعد سقوط الأقنعة ووضوح الأهداف المخفية، التي كانت تغطي وتجمّل الواقع المتردّي لمعظم هذه الأحزاب.
هذه الازدواجية التي يتعامل بها بعض الإسلاميين، لا توحي إلا بتشابه خطير بين طريقة تفكيرهم وطريقة تفكير كل المتسلطين المتحجرين، والمنتفعين في زمن النظام البائد..
في الوقت الذي يحملون الإسلام كهوية، حول قرار غلق النوادي الليلية، بينما تراهم لا يحركون ساكناَ على الفساد المهول والذي ارتكبه وزراء وبرلمانيون(من أنفسهم)ويغضون النظر عن حجم الفشل في تقديم الخدمات الأساسية، كالكهرباء والماء وغيرها، وصمتهم إزاء الدم العراقي المباح، الذي صار ارخص من كل صفقاتهم وسلتهم الواحدة بقراراتها، فهؤلاء اخذوا يتمادون في الضحك على ذقون الشعب، والذي أصبح بنظرهم، أداة اختبار لتجاربهم الفاشلة .
التظاهرات التي بينت رفضاً للمشروع الإسلامي، بغض النظر عن الهدف والغاية إلا أن المستغرب في هذه التظاهرات انه تم رفع شعار كلا للإسلام السياسي! ارحلوا ؟.. وهذه المرة الأولى التي يرفع فيها هذا الشعار، منذ سقوط الطاغية المقبور، ومجيء العملية السياسية والمشروع الديمقراطي الحديث، وهي ضربه قوية للإسلاميين بصوره عامة، وللحزب الإسلامي الحاكم في العراق، إذ أنها عكست بصوره واضحة، أن الأحزاب الإسلامية فشلت فعلاً ذريعاً في الحكم وهذا ما جعلها تتراجع، بل وربما تسقط أمام تيارات أخرى ناضجة، مثل الليبرالية او العلمانية.
لقد أظهروا تكالبا منقطع النظير على السلطة ومغانمها، وحبا مفرطا بكراسي الحكم، واستغراقا في ملذاتهم، حتى أن من يراقبهم لا يجد فرقا كثيرا بينهم وبين أولئك الذين كانوا يصفونهم بالعلمانيين..
كما لا فرق بينهم وبين القيادات والمسؤولين، في باقي دول المنطقة في وقت كنا نأمل منهم، أن يكونوا بناة لتجربة ديمقراطية إسلامية في الحكم، تشع بنورها على العالم كله، وبدون مبالغة لو قلنا أن بعضهم لو ثنيت له الوسادة، لكان فرعونا أو هامانا أو قارونا جديدا..
لم يقتصر الأمر على ما تقدم ، بل إن اغلب القوى الإسلامية العراقية، لم تستطع خلق ثورة فكرية ونفسية وأخلاقية، لدى كوادرها والمنتمين إليها والمحسوبين عليها، من المسؤولين الذين غرقوا في وحل الفساد المالي والإداري،، بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ، الدول قديما او حديثاً..
لقد تحول فرح العراقيين إلى إحباط وتلاشى أملهم، وأنعكس فشل القوى الإسلامية على الإسلام كدين ونظام حكم، ولو أجري إحصاء محايد ونزيه ودقيق، لنسبة الراغبين بالحكم الإسلامي من العراقيين، لاكتشفنا حقيقة مذهلة هي تراجع هذه النسبة عام ٢٠١٠ عن مستواها عام ٢٠٠٣ ، ويتحمل مسؤولية ذلك الإسلاميون الذين تولوا المسؤولية بعد ٢٠٠٣، وفشلوا في بناء تجربة ناجحة لدولة إسلامية، تحترم حقوق وحريات الناس وتحفظ كرامتهم، ويجعلها تتميز عن تجارب المنطقة العربية الإقليمية، بديمقراطيتها وعنفوانها وإشعاعها الديمقراطي..
لذا ليس غريبا أن يسمع الإسلاميون العراقيون، تلك الأصوات المنبعثة من رحم المعاناة، والتي تتهمهم بعضا أو كلا بالعمالة أو الدكتاتورية، أو الضعف أو الفساد أو النفاق، أو ما شابه من نعوت لم نكن نتوقع أن نسمعها تقال يوما ما، بحق أناس يحملون الهوية الإسلامية..
كما ليس غريبا أن تجد بين العراقيين من يطالب بالعودة للدكتاتورية، ويدعو إلى دكتاتور جديد يحكم العراق، لان الإنسان عندما يسقط من القمة يستمر بالانحدار إلى الأسفل، لان هذه التجربة السلبية للقوى الإسلامية في العراق تحتاج إلى وقفة طويلة وتحليل دقيق، لتحديد سبل تجاوزها بشخوص جديدة، وخطاب إسلامي قادر على خلق ثورة فكر وسلوك، لدى من يعمل ويتحرك ضمن إطار هذه القوى، حتى يكون قدوة حقيقية للناس، في حفظ الأمانة والرحمة بالرعية والنهوض بالمسؤولية، وتحقيق العدل السياسي والعدالة الاجتماعية .