18 ديسمبر، 2024 4:07 م

الإسلام السياسي وأحلام السُلطة

الإسلام السياسي وأحلام السُلطة

لطالما كان الإسلام السياسي ومُنذ مِئات السنين حاضِراً بالحياة السياسية لأغلب الدول العربية والإسلامية، فأغلب الخلفاء والسَلاطين والملوك الذي حَكموا هذه الدول خلال القرون الماضية، حَكموها بإسم الدين والإسلام، ولطالما كانوا يَصِفون مَن يَختلف مَعهُم أو يُعارضَهُم بأنه مارق عَن الدين وخارج عَن المِلة. في القرن العشرين بَدأ الإسلام السياسي يَتخذ شَكلاً مُختلفا يَتفق مَع مودة العَصر وهو شَكل الأحزاب، ولعَل أقدَم هذه الأحزاب وأبرَزها وأكثرَها تأثيراً في المَنطقة العربية هما حِزبا الأخوان والدعوة اللذان إدّعا أول الأمر أنهما يُمَثلان الأسلام كله بَعيداً عَن الفئوية والطائفية وأن هَدَفهما إنساني بَحت هو الإصلاح والتوعية والدعوة للإسلام، إلا أنهما سُرعان ما كشفا عَن حَقيقتهُما الطائفية المَقيتة، بأن طرَح الأخوان نفسَه مُمَثِلاً عن السُنة مَدعوماً مِن مَشايخ السعودية سابقا وأمراء قطر لاحقاً، فيما طرَح الدعوة نفسَه مُمَثلِاً عَن الشيعة مَدعوماً مِن عَمائم إيران، كما أظهَرت العُقود الأخيرة بأن هَدَفهُما أبعَد ما يَكون عَن الإنسانية فهو مادي بَحت يَسعى للسُلطة وإمتيازاتها، وهما على إستعِداد لفعل أي شيء وإنتِهاج أي إسلوب للوصول اليها بَدئأ بالقتل والإغتيالات والتفخيخ والعَمليات الإنتحارية، وصولاً للكذب والتدليس والسَلب والنَهب والفساد بكل صُوره وأشكالِه.
طبعاً لابد مِن الإشارة الى أنه وطوال قرن مِن الزمن فرّخ هذان الحزبان أحزاباً مشابهة لهُما في عُموم الدول العربية والإسلامية، كانت على الدوام عامِل تأثر سلبي وتخريبي في بُنية الدول والمُجتمعات العربية والإسلامية، سَواء بمُحاربتها للأنظِمة القائِمة المَلكية مِنها أو الجمهورية وإستخدامهما للعُنف تجاهها، أو بترويجها لفكرة أمَمية الإسلام الخيالية وتسفيهها لمَفهوم المُواطنة وبالتالي عَرقلتها لبناء الدولة الوطنية، أو بإفساد عقلية الشباب العربي والمُسلم ودَفعه للتطرف مِمّا أدى بنهاية الأمر لولادة تيارات مُتطرفة خارجة عَن السَيطرة باتت اليوم مَصدر الإرهاب والرئيسي والخطر الأول الذي يتهَدّد أمن العالم أجمَع.   
لقد أثبَت الإسلام السياسي بشَقيه السُني والشيعي بأنه وإن كان يتبَنى نظرياً مَفاهيم الإسلام ويَتلحّف بها، إلا أنه عَمَلياً لا عِلاقة له بالإسلام كدين سَلام وإصلاح لا مِن قريب ولا مِن بَعيد، وبأنه أيضاً غَير كفوء وغير مُؤهل للحُكم، وبأن نُخبَه مَكانُها الجَوامِع والحُسَينيات وليسَ كراسي الرئاسة والوزارة ومَقاعِد البَرلمانات. كما أثبَت الإسلام السياسي الشيعي تحديداً بأنه لا يُمَثل التشيّع العلوي الذي يَسعى لإحقاق العَدل ومُحاربة الظلم، بَل يُمَثل التشيّع الصَفوي الذي يَسعى للتوَسّع والجاه والجَبَروت. وبرأيي سَيَمُر وقت طويل قبل أن تكتشِف الشُعوب العربية والإسلامية بأن هذه الأحزاب تتاجر بالدين وتستغله لدَغدِغة مَشاعِرها البسيطة والساذجة للوصول الى السُلطة وإمتيازاتِها التي تمثل قمّة المُنى وغاية المُراد.
رُبما وأكرر رُبما كانت نيّة حسن البنا طيّبة يوم فكر بتأسيس حَركة الأخوان، ولرُبما كانت نيّة محمد باقر الصدر طيّبة يوم فكر بتأسيس حزب الدعوة.. والله أعلم.. لكن ما أنا مُتأكد منه الآن وما أثبتته السَنوات القليلة الماضية مِن تجربة الدعوة في العراق والأخوان في مصر هو إن هذان الحِزبان باتا شَركتان إستثماريتان بل ومافيا تضُم تجار وسَماسرة وأصحاب رؤوس الأموال تديران أمبراطوريتان إقتصاديتان في جميع أنحاء العالم الهَدف الرئيسي مِن وجودها وعَملها ليسَ الدعوة الى الدين والعَمل عَلى إعلاء راية الإسلام وما الى  ذلك مِن شِعارات يَطرَحونها للإستِهلاك المَحَلي لجَذب الجَهلة والبُسَطاء بل الوصول الى السُلطة للإستحواذ على مَكاسِبها.
لقد بات رَفع شِعار الدين والاسلام اليوم الطريقة الأسهَل والأقصَر للوصول الى السُلطة والبقاء فيها، كما بات الإدِعاء بالتدَيّن والوَرع الوسيلة الأفضل للمُحافظة على المَناصب والوظائف وَسط مُجتمَعات باتت تبالغ بإظهار تدَيَنها ويُسَيّرها هَوَس ووَعي جَمعي إسلامَوي مُفتعَل بَعيد عَن روح الإسلام. لذا نرى بأن كثيراً مِن الناس تحَوّلت خلال السَنوات الماضية فجأة الى مُوامنة وصايمة مُصلية وتلهَج السِنتها بذكر الله ورسله وأوليائه لعَل هذا الأمر يوصِلها يوماً الى السُلطة أو يُحافظ لها على وظائِفها، وهو تحَوّل باتت أصدائه واضِحة وسَهلة التمييز في تصَرّفات الناس وأحاديثهم في عالم الحَياة الحقيقي أو في عالم الفيسبوك الإفتراضي!!

[email protected]