18 ديسمبر، 2024 8:42 م

الإسلام الحركي بين الدعوة والسياسة

الإسلام الحركي بين الدعوة والسياسة

حفزت الأسباب التي أدت إلى انهيار عدد من الدول العربية، بعد الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية، إلى دراسة العوامل التي قادت إلى سرعة انهيار ليس السلطات الحاكمة فحسب، بل أن بعض الدول شهدت انهيار كثرة من مؤسسات الدولة الذي مضى على تشكلها عدة عقود بحيث لم تستطع هذه مؤسسات الدولة التكييف مع الأوضاع الجديدة التي خلقتها الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي نتجت عن الحركات الشعبية. إن الظروف التي نشأت تحت تأثير ما يطلق عليه الربيع العربي وفرت عواملا مناسبة لعودة تيار الإسلام السياسي أو (الإسلام الحركي) إلى واجهة الأحداث في الدول العربية بعد ان خفت دوره خلال السنوات التي سبقت الاحتجاجات والانتفاضات العربية.

إن البنية الأيديولوجية هي الأساس الذي يُبنى عليه الفكر، ليكون فيما بعد توجها يُلقي بتأثيراته على الواقع الذي نعيشه، وقد تعددت المنطلقات والأسس الفكرية لتبرز في جوانب مختلفة، فهناك مثلا الأيديولوجية الدينية والسياسية، وكل منهما ينطلق من بناء فكري أو أسس فكرية تعالج الواقع. وتتميز البنية الأيديولوجية لتيار الإسلام السياسي، كونها تنطلق من منظومات فكرية متعددة ومتناقضة، تمزج بصورة غير متجانسة، بين الفقه المنضبط بقواعد وأصول، والفكر الاجتهادي الشخصي المحكوم باللحظة التاريخية الذي يُعبر عن مواقف أشخاص ورؤيتهم لقضايا معينة، مما يدفع إلى القول إن التطرف في الدين الإسلامي، هو نتاج الفهم الخاطئ المقترن بالاجتهاد الخاطئ للنصوص القرآنية والسُنة النبوية الشريفة، أو التأويل الذي يهدف إلى خدمة مصالح خاصة، قد تكون شخصية أو حزبية ترتبط بالأهداف الي يرغبون الوصول إليها.

ولأن تيار الإسلام السياسي يغلق نفسه على نفسه، ويمنع أتباعه من أي فهم صحيح أو اتصال سليم أو شرح واضح أو نقدا لازما، وبما أن الجماعات الإسلامية المتشددة قدمت نفسها ضمن حملة ممنهجة على أنها وحدها دون غيرها تمثل الخلاص والأمل والنجاة. نتيجة لهذا، فإن هذه الجماعات عمدت أسلوب التهييج الفكري والإثارة والتلاعب بالألفاظ والكلمات، ونشر الأوهام والأحلام، وكذلك رفع الشعارات والرموز، وكذلك اتهموا من يخالفهم بالسلبية والغلط.

وإذا تتبعنا تحليل الأسباب التي أدت إلى تصدر تيار الإسلام السياسي انطلاقا من دراسة موقف الفكر الإسلامي بشكل عام، وموقف تيار الإسلام السياسي من الدولة بشكل خاص، سيكون واضح لدينا كيف أدى هذا الموقف إلى خلق التباسات كثيرة لدى أغلبية المواطنين حول الدولة الوطنية العربية ومدى شرعيتها وسبل التعامل مع هذه الشرعية. حيث أن موقف هذه الجماعات والحركات الإسلامية الفاعلة في تيار الإسلام السياسي من الدولة وكيف تم التعامل معها برز بشكل كبير وتحديدا عندما توفرت الفرصة لبعض الحركات الإسلامية من السيطرة على الدولة من خلال استغلال الشرعية الانتخابية التي توفرت بعد نجاح الانتفاضات الشعبية في اسقاط السلطات في بعض البلدان العربية، كما حصل لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وتفرعاتها في عدد من البلدان ومنها حركة النهضة التونسية في تونس.

ويجب هنا التنويه إلى قضية مهمة جدا لكي نتجاوز الجدل المستمر، وهو أن مصطلح الإسلام السياسي أصبح أكثر شيوعا بعد تصدر عدد من حركاته أحداث الربيع العربي وما أنتج من تحولات وتداعيات في عموم الشرق الأوسط. وكذلك الفراغ السياسي الذي نتج عنه انهيار الاتحاد السوفيتي والخلل الكبير الذي تسببه في السياسة العالمية وما رافق ذلك من زلزال داخل اليسار الثوري وإحباط آمال الشعوب في التحرر من أخطبوط الهيمنة الرأسمالية الإمبريالية التي كانت تغذي تيار الإسلام السياسي حركيا وتدعمه ليشكل درعا ضد المد الشيوعي في عموم منطقة الشرق الأوسط من أفغانستان إلى المغرب العربي اضافة الى دوره في إثارة الصراع الحاد مع التيارين الرئيسيين في البينة السياسية في المجتمعات العربية، أعني بهما التيارين القومي واليساري، الأمر الذي أدى إلى نشوء تناقضات حادة على مستوى الانتماء والهوية في كثرة من البلدان العربية.

ولكي ننصف الإسلام ونبرئ ساحته السمحاء يجب وضع الأشياء في نصابها الصحيح واثبات حقيقة ان تيار الإسلام السياسي لا يمثل إلا نفسه ولا يخرج عن كونه فرقة أو طائفة سياسية تستند إلى أيديولوجية ورؤيا خاصة هدفها السيطرة على سلطة الدولة لتحقيق المصالح الخاصة لها. بيد أن النظرة الواقعية إلى فعالية الإسلام السياسي واستثماره في موازين ومعايير السياسة الدولية لا تقتصر على تيار الإسلام السياسي السُني بل تشمل تيار الإسلام السياسي الشيعي الذي توسع نشاطه مع انتصار الثورة الإيرانية في عام 1979، ونجاحه في مصادرة الثورة لصالح مشروعه السياسي ليقيم جمهورية إسلامية وفقا لنظرية ولاية الفقيه التوسعية التي عملت على توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط من خلال الأحزاب والحركات السياسية التي تبنت نظرية ولاية الفقيه.